روسيا وأمريكا... حرب باردة تستنهض من جديد

 

شبكة النبأ: يظهر تصاعد التوترات السياسية والدبلوماسية بين روسيا وأمريكا خلال الاونة الأخيرة، صراعا محتدما يكشف النوايا المبيتة والرهانات شبة الحتمية لإثبات الوجود العالمي، فقد زادت حدة التوترات والخلافات بين البلدين مؤخرا، بسبب عدة قضايا اهمها قضية إدوارد سنودن رجل الاستخبارات الأمريكي الهارب والموجود حاليا في روسيا، وكذلك فضحية الجاسوس الامريكي الذي كان يسعى للحصول على معلومات عن تفجيري بوسطن، بينما شكلت إستراتيجية خفض الأسلحة النووية المقترحة من الجانب الأمريكي ورفضها الجانب الروسي، ابرز مظاهر هذا الصراع الذي يعيد الحياة للحروب الباردة التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية بين الكتلتين المتخاصمتين، خصوصا بعدما باتت الدول المتخاصمة اليوم شبه متوازنة القوى.

في حين تشكل  القضية السورية الحليف الاوحد لروسيا في منطقة الشرق الاوسط ابرز الخلافات بين الجانبين، وتلقي الخلافات آنفة الذكر بين الدولتين بظلاله على جهود الرامية لتحسين العلاقات بينهما خاصة في الاونة الاخيرة، لذا يرى بعض المحللين ان الخصام جيوسياسي القديم الجديد بين الدب الروسي والولايات المتحدة يطلق إنذار دولي لا تحمد عقباه في حال استمرت هوة الخلافات بالاتساع دون ايجاد توافقات ترضي الجانبين.

ويهدد الخلاف بين البلدين بتوتر العلاقات بينهما في الوقت الذي تسعى فيه تلك الدول الى تحسين العلاقات بينها بشان الازمة السورية والدعم اللوجيستي مع انسحاب القوات التي يقودها حلف شمال الاطلسي من افغانستان، كما سعت موسكو وواشنطن الى الحد من الانعكاسات السلبية لقضية التجسس التي تكشفت عندما اوقفت موسكو شخصا تقول انه من رجال وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) كان يسعى للحصول على معلومات عن تفجيري بوسطن، لكن البلدين كليهما يسعيان لتحسين روابط ثنائية تحدد من الخلاف بين القوى التي ربما يكون تعاونها اساسيا لتسوية صراعات عالمية بينها الحرب السورية.

وعليه يرى الكثير من المحللين أن نقص الثقة وسباق النفوذ والمصالح والحروب الخفية بشتى أنواعها بين روسيا وأمريكا تفرض تحديات توازن القوى وفرض الهيبة الدولية لتجعل الصراع على عرش العالم اكثر حتداما.

قضية سنودن الامريكي

في سياق متصل قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان الاميركي الهارب ادوارد سنودن لا يزال في قاعة الترانزيت في مطار موسكو رافضا الدعوات الى ترحيله للولايات المتحدة، وفي اول تدخل له حول مطاردة سنودن التي استحوذت على اهتمام العالم، وصف بوتين الشاب الذي كان يعمل في السابق في وكالة الامن القومي بانه "رجل حر" كان وصوله الى روسيا "غير متوقع مطلقا" بالنسبة للسلطات الروسية، وانهت تصريحات بوتين يومين من التكهنات حول مكان وجود سنودن الذي سرب للاعلام معلومات عن برامج مراقبة اميركية ضخمة، واصبح الان مطاردا من قبل السلطات الاميركية، وقال بوتين في مؤتمر صحافي في فنلندا "صحيح ان سنودن جاء الى موسكو .. وبالنسبة لنا كان ذلك الامر غير متوقع مطلقا"، واضاف ان سنودن "وصل كمسافر ترانزيت ولا يحتاج الى تاشيرة دخول او اية وثائق اخرى. ويستطيع ان يشتري تذكرة ويتوجه الى اي مكان يرغب فيه. وهو لم يعبر حدود الدولة، وبوصفه مسافر ترانزيت فهو لا يزال في قاعة الترانزيت".

وكان من المتوقع ان يستقل سنودن طائرة متوجهة الى كوبا في طريقه الى الاكوادور التي طلب اللجوء اليها. الا انه لم يقم بتلك الرحلة، واكد بوتين على ما يبدو ان سنودن لا يزال غير متاكد من المكان الذي يريد التوجه اليه، وقال بوتين "سنودن رجل حر، وكلما اسرع في اختيار وجهته النهائية كان ذلك افضل بالنسبة لنا وله".

وفي وقت سابق دعت الولايات المتحدة موسكو الى اتخاذ كل السبل لطرد سنودن الذي تردد انه وصل الى مطار شيرميتييفو في موسكو في رحلة اتية من هونغ كونغ، الا ان بوتين اكد ان روسيا لا ترحل المواطنين الاجانب الا الى الدول التي ترتبط معها باتفاقيات ترحيل دولية. وقال "لا تربطنا بالولايات المتحدة مثل هذه الاتفاقية"، واصفا الاتهامات الاميركية بان روسيا ساعدته على الفرار بانها "سخيفة ومحض هراء".

من جهته، دعا وزير الخارجية الاميركي جون كيري اثناء زيارة لمدينة جدة السعودية، روسيا الى "الهدوء" وتسليم سنودن، وقال ان واشنطن لا تبحث عن "مواجهة"، ونفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان تكون موسكو "ضالعة" باي شكل من الاشكال في خطط سفر سنودن (30 عاما). بحسب فرانس برس.

وتنص قوانين الترانزيت في مطار شيرميتييفو في موسكو الواردة على موقع المطار بانه "يحق للمواطنين الاجانب البقاء في المطار حتى 24 ساعة بدون تاشيرة دخول الى روسيا" ويجب ان يكون لديهم تذكرة الى وجهتهم التالية. الا انه لم يتسن الحصول على توضيح لهذه المعلومات من المسؤولين الروس وخاصة في ما يتعلق بقضية سنودن، وكانت الاكوادور قالت انها تدرس طلب سنودن اللجوء اليها، وشوهد دبلوماسيون اكوادوريون في مطار موسكو، وقال وزير خارجية الاكوادور ريكاردو باتينو ان "الخارجية الاميركية بعثت رسالة الى حكومة الاكوادور الى وزارتنا للخارجية بكويتو بشان السيد سنودن"، وكانت الاكوادور منحت اللجوء السياسي لجوليان اسانج الملاحق من الولايات المتحدة لنشره في 2010 مئات آلاف الوثائق الديلوماسية السرية، وقال جوليان اسانج، مؤسس موقع ويكيليكس المختبىء في سفارة الاكوادور في لندن لتجنب تسليمه في اتهامات بالاعتداء الجنسي في السويد، ان سنودن "في امان" بعد مغادرته هونغ كونغ حاملا وثيقة لجوء وفرتها له الاكوادور. وقال موقع ويكيليكس ان سنودن قد يضطر الى البقاء في روسيا بشكل دائم بسبب ضغوط واشنطن على اي دول اخرى قد تستقبله.

وقال الموقع انه ساعد سنودن في الخروج من هونغ كونغ وان احد موظفيه موجود معه في موسكو على ما يبدو، واضاف ويكيليكس على موقع تويتر ان "الغاء جواز سفر سنودن والضغط على الدول الوسيطة قد يضطران سنودن الى البقاء في روسيا بشكل دائم"، وهذه اول تعليقات تصدرها منظمة ويكيليكس حول هذه المسالة خلال اكثر من 24 ساعة.

واعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو انه على استعداد لدرس امكانية منح سنودن اللجوء السياسي. وقال مادورو في بور او برنس اثر مؤتمر صحافي مع نظيره الهايتي ميشال مارتيلي "لم نتلق طلبا رسميا ولكن في حال تقدم بطلب فسوف ندرسه".

روسيا لن تسمح بحصول خلل في ميزان قوة الردع النووي

على صعيد آخر اكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان روسيا لن تسمح بحصول خلل في ميزان قوة الردع النووي خلال اجتماع حول الاسلحة الاستراتيجية في وقت اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما مقترحات جديدة لخفض التسلح، وقال بوتين في تصريح نقلته وكالة انباء ريا نوفوستي العامة خلال اجتماع في سانت بطرسبرغ حول برامج الصواريخ "لا يمكن ان نسمح بحصول خلل في ميزان انظمة الردع الاستراتيجي، وبأن تتناقص فاعلية قواتنا النووية".

واضاف "لذا فان اقامة نظام للدفاع الجوي والفضائي سيظل احدى الاولويات في صناعتنا العسكرية"، واوردت برقية نشرت على موقع وزارة الدفاع الروسية ان الدفاع الجوي والفضائي هو كيان جديد في منظومة الدفاع الروسي، مكلف الدفاع المضاد للصواريخ اضافة الى "رصد التهديدات في الفضاء ومن الفضاء". بحسب فرانس برس.

واوضح بوتين ان الدفاع الجوي والفضائي "يشكل ضمانا لاستقرار قواتنا للردع الاستراتيجي ولحماية اراضي البلاد"، وذكر بان 3400 مليار روبل (80 مليار يورو) ستخصص لهذه الاهداف بحلول العام 2020 في اطار برنامج واسع لمعاودة التسلح في البلاد، وفي خطاب القاه في برلين، دعا اوباما روسيا الى الموافقة على تقليص الاسلحة النووية لدى الولايات المتحدة وموسكو بمقدار الثلث.

اختبار قوة بين أوباما وبوتين حول سوريا

على صعيد ذو صلة هيمنت سوريا على قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية مع انعقاد لقاء سيكون بالغ الدقة بين الرئيسين الامريكي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين حليف دمشق الذي لا يبدي اي استعداد لتقديم تنازلات في هذا الملفـ وفيما تدرس الدول الغربية الداعمة للمعارضة السورية مسالة امدادها بالسلاح “لاعادة التوازن” الى القوى المتواجهة في هذا البلد تمهيدا لاحتمال اجراء مفاوضات بينها، صعد بوتين اللهجة محذرا من ان موسكو “لا يمكن ان تتصور” مثل هذه الفرضية. بحسب فرانس برس.

وبحسب صحيفة غارديان، فان السلطات البريطانية محرجة بعض الشيء اثر المعلومات التي كشفها العميل الاميركي السابق ادوارد سنودن حول قيام الحكومة البريطانية بالتجسس على الوفود المشاركة في اجتماعات مجموعة العشرين التي استضافتها لندن في نيسان/ ابريل وايلول/ سبتمبر 2009، كما ان اجهزة الاستخبارات البريطانية تلقت تقريرا من وكالة الامن القومي الاميركية حول محاولاتها للتنصت على الرئيس الروسي في حينه ديمتري مدفيديف وهو يجري اتصالا هاتفيا عبر الاقمار الصناعية بموسكو.

انعكاسات فضيحة الجاسوس

الى ذلك سعت موسكو وواشنطن الى الحد من الانعكاسات السلبية لقضية التجسس التي تكشفت عندما اوقفت موسكو شخصا تقول انه من رجال وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي اي ايه) كان يسعى للحصول على معلومات عن تفجيري بوسطن، واستغرب مستشار الكرملين يوري اوشاكوف محاولة التجسس "الفظة والخرقاء" معتبرا ان هذا الحادث لن يؤثر على التعاون بين البلدين، واعلنت الاجهزة الروسية الخاصة انها اوقفت راين فوغل السكرتير الثالث في السفارة الاميركية الذي كان متنكرا، وهو يحمل مبلغا كبيرا من المال و"ترسانة تجسس كلاسيكية".

وقالت الاجهزة انه كان يحاول تجنيد ضابط روسي مكلف مكافحة الارهاب في القوقاز الروسي، وقال اوشاكوف وهو مستشار لبوتين "اننا مندهشون هذا اقل ما يمكننا قوله لمحاولة التجنيد الفظة والخرقاء في حين اعرب الرئيسان اوباما وبوتين عزمهما تكثيف التعاون بين الاجهزة الخاصة"، واعلن سكرتير مجلس الامن القومي نيكولاي باتروشيف انه سينقل الى الولايات المتحدة رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين الى باراك اوباما تتضمن "فقرة واضحة حول ضرورة واهمية التعاون بين الاجهزة الخاصة" في البلدين.

ولم تعلق الخارجية الروسية على الحادث بعد ان اعتبرته "استفزازا يعيد اجواء الحرب الباردة"، واكد وزير الخارجية سيرغي لافروف انه لم يتطرق الى مسالة التجسس مع نظيره الاميركي جون كيري على هامش لقاء في السويد، والتقى السفير الاميركي في موسكو مايكل ماكفول بمسؤولين من الخارجية الروسية بعد استدعائه لتقديم توضيح حول وجود عميل مفترض للسي اي ايه في روسيا، وقالت الدبلوماسية في تصريح يتناقض مع التصريحات السابقة الشديدة اللهجة "بحث الجانبان في توسيع قاعدة العلاقات الثنائية وبعض اوجه الاجندة الدولية".

وذكرت صحيفة كومرسانت الروسية ان فوغل كان على الارجح يسعى لجمع معلومات عن الاخوين تيمورلنك وجوهر تسارناييف المتهمين بتفجيري ماراثون بوسطن، وربطت الصحيفة بين توقيف فوغل ورحلة قام بها وفد اميركي الى داغستان في نيسان/ابريل بالتنسيق مع السلطات الروسية للتحقيق في التفجيرات. وكان تيمورلنك تسارناييف المتهم بالمشاركة مع شقيقه جوهر في تفجيري بوسطن، زار داغستان في 2012. وتريد السلطات الاميركية معرفة ما اذا كان قد بنى علاقات هناك مع جماعات اسلامية محلية.

وقالت الصحيفة المعروفة باتصالاتها مع اجهزة الامن ووزارة الخارجية انه "من المرجح ان الجانب الاميركي حصل خلال رحلة الوفد في نيسان/ابريل، على ارقام هواتف عملاء في جهاز الامن الفدرالي الروسي"، واضافت "من الواضح انهم قرروا استخدام تلك الارقام لاجراء اتصالات شخصية مع عناصر مكافحة الارهاب (الروس) لان تبادل المعلومات بين اجهزة الاستخبارات الخاصة على شكل اسئلة واجوبة ليس دائما سريعا او سلسا".

وقال نيكولاي كوفاليف المدير السابق في الاجهزة الخاصة والنائب عن الحزب الحاكم في روسيا ان "الاميركيين لا يفعلون شيئا لا تفعله اجهزة الاستخبارات الاخرى، بما فيها اجهزتنا"، وذكر فاليري غاربوزوف مساعد مدير المعهد الاميركي-الكندي انه تم ايضا تسوية فضيحة التجسس الاخيرة التي طردت خلالها الولايات المتحدة في 2010، 10 عملاء روس، ونقل موقع الكتروني روسي عن الخبير قوله ان موسكو وواشنطن "ستسعيان الى اعادة الامور الى طبيعتها".

أميركا تعيد الى روسيا وثائق تاريخية كتبها اخر قياصرة روسيا

على صعيد مختلف أعادت الولايات المتحدة وثائق كتبها اخر قياصرة روسيا ووثائق اخرى تم تهريبها إلى الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وهربت تلك الوثائق من روسيا في اوائل التسعينات حيث اخفي بعضها في حاويات للشحن ارسلت من سان بطرسبرغ الى الولايات المتحدة حيث استردت من دور للمزادات في نيويورك وشيكاغو واتلاتنا، وقال اندريه ارتيزوف رئيس هيئة ارشيف الدولة الروسي "عليكم ان تتذكروا كيف كانت فترة التسعينات.. دولة انتهى وجودها والدولة الجديدة كانت تبدأ بالكاد ممارسة وظائفها. لو لم تكن هناك تحقيقات ما اعيدت أي من هذه الوثائق". بحسب رويترز.

وتشمل الوثائق التي اعيدت أوامر بخط اليد كتبتها الامبراطورة كاترين الثانية والقيصر نيكولا الثاني آخر قياصرة الامبراطورية الروسية والذي اطاح به البلشفيون في 1917، كما تتضمن الوثائق رسالة شخصية كتبها الموسيقار الروسي بيوتر تشايكوفسكي في القرن التاسع عشر، وقال ارتيزوف إن السلطات الاميركية والروسية عملت على مدار السنوات الست الماضية على استرداد أكثر من 100 من الوثائق والقطع الفنية التاريخية تم تهريبها من روسيا اثناء الفوضى التي اعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي، واضاف أنه تم فتح تحقيقين جنائيين حول كيفية سرقة هذه الوثائق من الارشيف الفني والتاريخي والعسكري الروسي وان أحد المتورطين في الجريمة تم التعرف اليه وانه يعيش في اسرائيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/حزيران/2013 - 17/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م