ميكافيلي
قديماً كنتُ أرى أن ميكافيلي كان مبالغاً في كتابه الأمير،
وأنه تجنى على الناس والمواطنين،
وأنه وصفهم بغير ما يستحقون، وبما ليس فيهم،
وأنه محض النصح للحاكم بما يزيد في سلطاته ولو كان ظالماً،
وأنه أطلق صلاحياته على حساب المواطن،
وأيد أن يكون ظالماً قوياً أكثر من أن يكون عادلاً ضعيفاً،
وقلل من أهمية حب المواطنين له، ولكنه أيد خوفهم ورهبتهم منه،
فالخوف قانونٌ ونظام، والحب فوضى واضطراب،
أما الناس فقد وصفهم بالشريرين السيئين، الذين لا يحبون الخير إلا
لمن يخافونه،
وأنهم لا يلتفتون إلا لمن لهم عندهم له مصلحة،
وأنهم يدارون الحاكم لسلطته، ويتملقون الغني لماله،
فدعا الحاكم لأن يتسلط بقوته ليخافه الناس،
ودعا الغني لأن يتيه بماله ليطوف حوله المنافقون،
قديماً كنت أقول أن ميكافيلي أخطأ قراءة الناس وطباعهم،
وأنه أساء فهمه للحاكم وسلطاته،
ولكنني اليوم بت أقول أنه كان على حق،
فالشر في الناس صار سجية،
والكره فيهم صار طبعاً،
وحب الخير عندهم غدا نادراً،
والتفكير في الشر والقتل والإساءة والإهانة غدا مضماراً للسباق
والإبداع والتجديد،
لماذا أيها الإنسان تحب الغواية وتكره الاستقامة،
لماذا توالي الشيطان وزمرته، وتشاقق الحق وأهله،
وأنت الذي أكرمك الله بالعقل ومنحك القدرة على التمييز والمفاضلة،
فاختر طريق الحق فإنه قوة ولو بعد حين،
وإياك وطريق الشر فإنه ضعفٌ، وإن عاقبته وخيمة ولو تأخر الحين،
قراءةُ التاريخِ والتوقف عند أحداثه ضرورة،
علماً أن التاريخ مكتوبٌ بأقلامٍ كثيرة،
يكتبه المنتصرون غالباً، وقد يخطه الضعفاء والمهزومون،
وقد يكتبه المستعمرون ويسطر صفحاته المحتلون،
وعليه فقد يزور التاريخ، وقد تكون الكلماتُ المدون بها تخالف
الصفحات التي سطرها،
الروايات كثيرة، والقصص عديدة، لكن الوقائع واحدة لا تتغير،
فبلادنا كانت محتلة واستقل بعضها، لا ... بل انتدبت دولٌ لتطورها
وترتقي بها،
فلسطين ضاعت وما زالت على حالها، لا ... بل عادت لأصحابها
التاريخيين وملاكها الأوائل،
شعوبنا اضطهدت وعذبت وصودرت حقوقها، لا ... هي لا تفهم ولا تعي فوجب
مراقبتها والحجر عليها،
ثوراتٌ قامت، وانقلاباتٌ وقعت، هي ليست صنيعةُ أمة، ولا تراكماتُ
قهرٍ ولا تطلعات عزة،
إنما هي مخططاتُ دولٍ عظمى، وإراداتُ مخططين كبار،
جمهورياتٌ سقطت وممالكٌ تفككت، فقد انتهى دورها، وآن زمان رحيلها،
قادةً ماتوا وآخرين قتلوا أو أعدموا، فقد انتهت آجالهم أو انتهت
أدوارهم لا فرق،
التاريخ غريبٌ وعجيبٌ في روايته وفي رواته،
فهل نعيد قراءته، ونحسن فهمه، لئلا يصيبنا ما أصاب السابقين، أو حل
بالهالكين،
وأيضاً لئلا يخطط لنا الأعداء وفق مصالحهم، وحسب ما يريدون،
وإلا فإن الشعوب ستقع في حبائلها من جديد، وستكوى بنارها مراتٍ
أخرى،
moustafa.leddawi@gmail.com |