
منذ أن وجد الإنسان على الأرض، ونشأ الاختلاف بين أصحاب الأفكار،
واحتدم النزاع على المصالح بين الناس، ونشب الصراع بين الأقوام والأمم،
إلى اليوم، وسعي الشعوب إلى الحرية والعدالة والسلام والرفاه مازال
حثيثاً، وفي خضم هذا الصراع، تتفجر أسئلة تبحث عن الخلاص، فإن الخلاص
بات لغزاً محيراً في ظل عالم اصطبغ بلون الدماء التي تراق في كل مكان
يتواجد فيه إنسان. عالم جديد، وقد حمل جديده الكثير من الخوف والقهر
والفقر والحرمان والتهجير والذبح والقتل.
إن الإنسان مطالب عقلاً وشرعاً بأن يسعى على الدوام لإصلاح ما فسد
من أمور الدولة والمجتمع، وهذا السعي سيكون حتى في عهد ظهور الإمام
الحجة(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يقول الفقيه السعيد السيد محمد رضا
الشيرازي: (إن حركة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) تشبه
حركة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، فهي حركة (طبيعية – غيبية) في
آن واحد، وكما أنه(صلى الله عليه وآله) كان يستند إلى الإمداد الغيبي،
لكن حركته كانت تعتمد على منطق المعادلات الطبيعية أيضاً). ويقول(قده):
(إن الروايات تنفي التصور الموجود لدى بعضنا بأن الإمام المهدي(عجل
الله تعالى فرجه الشريف) سيأتي ومن دون أية مقدمات أو مؤنة، وتصبح
الكرة الأرضية كلها خاضعة له، فهنالك جبابرة وطغاة يحكمون في هذا
العالم، وهنالك أفراد ستتعرض مصالحهم للخطر. لم ينكر بعض علماء اليهود
والنصارى النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) عندما جاء وهم (يعرفونه كما
يعرفون أبناءهم). وهناك جماعة تخرج إلى الإمام(عجل الله تعالى فرجه
الشريف) وتقول له: (لا حاجة لنا بك، فارجع من حيث أتيت).
إن الأمر يحتاج إلى عمل وإخلاص وتضحيات جسام، فلولا تضحية سيد
الشهداء(عليه السلام)، وهو عزيز الله، بنفسه وكل ما يملك من مال وولد،
لما بقي للدين من أثر، واليوم لولا رعاية الله وسواعد الشباب ودماء
الشهداء لانقض التكفيريون الذباحون، الذين ينبشون القبور ويستخرجون
أحشاء الناس، على ضريح عزيزة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) الحوراء
زينب(عليها السلام)، لذلك، فإن الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف) لا
ينتصر على الطغاة والمجرمين بالمعجزة أو بالإمداد الغيبي فقط، جاء في
كتاب (الغيبة للنعماني) رواية، يقول فيها الراوي: (لما قدمت إلى
المدينة قلت لأبي جعفر الباقر(عليه السلام): إنهم يقولون - الناس -: إن
المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً. فقال الإمام الباقر(عليه
السلام): (كلا، والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول
الله حين أُدميت رباعيته، وشُج في وجهه).
ولاء المنتظرين... عملياً
تسميات عديدة تطلق على ما تمر به المنطقة، محاولة تفسيره وتسليط
الضوء على أخطاره الدامية التي اخترقت وأربكت بلدان المنطقة ومجتمعاتها،
وهذا الذي نراه يحصل من التخريب والتدمير والهتك والقتل، فهناك من وصف
ما يحدث بأنه فتنة يراد إشعالها بين مكونات المجتمع الواحد، وخاصة ما
بين الشيعة والسنة، أو هو تداعيات صراعات سياسية مستعرة بين أحزاب
وجهات في داخل البلد الواحد ولها انعكاسات عابرة للبلدان، أو هو نتاج
طموحات مذهبية أو قومية منتفخة، أو هو بفعل مصالح اقتصادية متنافسة حول
مستقبل الطاقة، أو هو صراع دولي يستعمل أدوات محلية، أو هو (سايكس بيكو)
جديد، يقسم المقسم، ويفخخ منطقة الشرق الأوسط بالعنف والكراهية لتأكل
شعوب هذه المنطقة الحيوية دينياً واقتصادياً نفسها بنفسها.
ربما كل هذا صحيح، لكن الذي يوازي كل ما يحدث في المنطقة، هو أن
الشيعة يشكلون معظم حطب هذه الحرائق المجنونة؟! وهنا سؤال: هل كان
بإمكان الشيعة أن يردوا مكائد هذه المؤامرات الدامية والحروب الطاحنة
التي أراقت دماء مئات الآلاف منهم، حتى أكدت منظمات دولية أن (الشيعة
هم الأكثر استهدافاً من قبل قوى الإرهاب في العالم خلال السنوات العشر
الماضية)، أو - على الأقل - هل كان من الممكن رد بعضٍ منها، بشكل يوفر
على الشيعة خسائر كان من الممكن أن لا تكون؟!
في شهر شعبان المبارك وفي أيام ذكرى صاحب العصر والزمان(عجل الله
تعالى فرجه الشريف)، حري بالجميع استحضار واقع الشيعة الدامي بفجائعه،
ووضع آلية لتعاون الشيعة في العالم تنسجم مع التحديات الجسيمة،
للانطلاق بخطة عمل تهدف إلى توطيد أمن شعوبهم، وتوفير الحياة الكريمة
الهانئة لهم، ومنح بلادهم سلاماً واستقراراً ورفاهاً، فقد أصبح الشيعي
محاطاً بالأخطار، وإن في تغيير هذا الواقع السيِّئ تجسيداً عملياً
لولاء المنتظرين، يقول الإمام الشيرازي(قده): (الإمام المهدي(عيه
السلام) أمّ المسلمين، وفي كل يوم وساعة يحتمل ظهوره ليشد أزر المسلمين،
وإذا قويت العقيدة به(عليه السلام) كان صمود الأمة أكثر، ومثابرتهم
أقوى في تحقيق الأهداف الكبيرة، وتوفير الحياة الكريمة، فلا يجد البأس
إلى أنفسهم سبيلا).
* أجوبة المسائل الشرعية العدد (189)
http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm |