شبكة النبأ: كلنا نتفق على ان فكرة
انتظار الأفضل، لا تنعني البقاء في حالة دائمة من السكون والانتظار حتى
يحين موعد الخلاص، بل المقصود بالانتظار أن نسعى نحو الافضل مع بقاء
الامل قائما بتحقيق العالم الافضل، خاصة ان البشرية تعيش سلسة ازمات
متلاحقة وصعبة، في ظل نظام عالمي سياسي اقتصادي ثقافي متشنج ومرتبك،
وينطوي على كثير من الظلم وغياب العدل والمساواة.
الامر الذي أدى الى حدوث فوارق شاسعة بين بني البشر، فهناك الغني
القوي الذي يعيش في بحبوحة وترف، ويفرض افكاره وارادته على الآخرين،
وهناك من يعيش على هامش الحياة حيث الفقر والقهر والحرمان يشكل طابعا
لحياته، في وضع كهذا، لن يستكين المظلومون الفقراء الذين يشعرون بالحيف
من المتجبرين، لذلك تبقى فكرة الانتظار والخلاص من الظلم قائمة الى
الابد.
لاسيما أنها مدعومة بآيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة مثبتة
بأسانيد لا تقبل التشكيك، فضلا عن اقوال الائمة الطاهرين عليهم السلام،
بخصوص ظهور الامام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، ليحل العدل وينتشر
السلام ويعيش البشر في عموم الارض، في حالة استقرار ورخاء وتقدم.
ورد في كتاب (فقه المستقبل) لمؤلفه الامام الراحل، آية الله العظمى،
السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في هذا المجال: (عن ابن عباس،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج
الله على الخلق بعدي لاثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي. قيل يا رسول
الله: ومن أخوك؟. قال: علي بن أبي طالب. قيل: ومن ولدك؟. قال: المهدي
الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق
بشيراً، لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى
يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلّي خلفه،
وتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب). كذلك ورد في
هذا الجانب قول سماحته: (في حديث عن الإمام الحسن عليه السلام، أنه قال:
أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ
القائم عليه -السلام- الذي يُصلّي روح الله عيسى بن مريم خلفه، فإن
الله عزَّ وجل يخفي ولادته، ويغيّب شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة
إذا خرج، ذلك التاسع من وُلد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطوّل الله
عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون أربعين سنة، ذلك
ليعلم أن الله على كل شيء قدير).
العصر المستقبلي المهدوي
في ظل الانتهاكات الخطيرة التي تتعرض لها المبادئ الانسانية، ويتحمل
وزرها عشاق السلطة ورعاة الظلم ودعاة الطغيان وأربابه، لم يبق سوى
الانتظار ومزاياه، فكرة وحلا لمعظلة الانسان مع الجبابرة، على أن يرتفق
مع فكرة الانتظار سعي جاد ومخلص ومستمر، لنشر العدالة وبث الحياة في
المبادئ التي تنصف الانسان، استعدادا للعصر المهدوي المستقبلي، الذي
سيملأ الارض قسطا وعدلا.
لذلك يصف الامام الشيرازي مزايا العصر المهدوي في كتابه (فقه
المستقبل)، قائلا سماحته: (الحياة المستقبلية في زمان الإمام المهدي -عجل
الله فرجه الشريف- هي أفضل حياة يشهدها البشر في هذه الدنيا في مختلف
المجالات، ويمكن البحث فيها من الجوانب التالية: السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والدينية والعمرانية والتجارية والأمنية والقضائية
والثقافية والحضارية وغيرها. ويظهر من الأخبار أن كل ذلك يكون في
القمّة، بل فوق ما يتمنّاه الإنسان، ولا يجده قبل ظهوره، كما تتميز
بالشمولية على كل المعمورة).
أن الانسان عندما يأمل خيرا، فإن هذا الشعور العميق سوف يدفعه الى
الجانب الايجابي من التفكير ومن العمل والتطبيق الفعلي لما يفكر فيه،
لذلك عندما نتمسك بفكرة ظهور الامام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)،
ونطالع بايمان تام النصوص القرآنية المباركة والاحاديث النبوية الشريفة
واحاديث أئمة اهل البيت الاطهار، إنما نحث أنفسنا على الالتزام بخط
الامام المنتظر عجل الله فرجه، ونسعى الى التمسك بمبادئه واهدافه،
ونؤمن ان العالم المليء بالظلم والقهر والجشع، لم يبق كما هو الآن، بل
سيتغير لصالح الانسان النظيف الذي يسعى الى احقاق الحق ومؤازرة الخير
على الدوام.
يقول الامام الشيرازي، بهذا الخصوص في كتابه المذكور نفسه: (سيكون
الخير أكثر مما يتوقعه البشر، كما ورد أيضاً في الأحاديث، فإن الأرض
تصبح غير الأرض وتقذف بخيراتها. والإمام -عجل الله فرجه الشريف- يضع
يده المباركة، أو يده المعنوية على العقول فتكمل، فلا ظلم ولا عدوان
ولا انحراف ولا تنازع ولا تهاتر، ولا ما أشبه).
هكذا سيكون عصر المستقبل المهدوي، عصرا يعيش فيه الجميع بعدالة
ومساواة ورضى عن النفس، فيعمل الجميع بجد ويسعون الى نشر بذور الخير
والصلاح في ربوع الارض، لأن الحكومة العليا، حكومة الامام المهدي (عجل
الله فرجه) حكومة عدل ومساواة ورحمة وعمل وانتاج، وحكومة تساوي بين
الجميع على اساس الكفاءة والموهوبة والقدرات الجسمانية والعقلية مع
النظر الى الظروف المحيطة بالانسان، وبذلك لا يمكن أن يتعرض احد للغبن،
علما ان الفقر ومظاهره سيذهب الى غير رجعة، في ظل نظام العدالة
والمساواة المطلق.
الحياة السياسية بعد الظهور
تتميز الحكومة المهدوية المستقبلية، بسياسة العدل والحرية والتقدم،
وهي أسس تقف عليها الامم المتقدمة، وسوف تكون الاسس التي يقف عليها
عالم المستقبل، بقيادة الامام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه).
يصف الامام الشيرازي الراحل الحكومة المهدوية والحياة السياسية، في
كتابه فقه المستقبل كما يلي: (الحياة السياسية تكون بأدق وأشمل معاني
العدل والحرية والتقدم، فإن الإمام عليه السلام معصوم ومؤيد بروح
القدس، فيطبق العدل والقسط بأدق تطبيقاته؛ ذلك لأن المعصوم لا يُخطئ
ولا يعصي، لا عمداً ولا سهواً ولا نسياناً ولا غفلةً حتى بقدر شعرة.
وحيث إنه هو المسيطر على الأرض، وأصحابه الحكام ومن إليهم في غاية
النزاهة، لا يكون أي ظلم أو عدوان أو انحراف).
انت حالات الانحراف التي يعج بها عالم اليوم، ستنتهي حتما في حكومة
المستقبل المهدوية، وسوف يعيش الانسان عصر الحرية بأبهى ما يكون عليه
التحرر والاستقلال، وسوف تغيب مظاهر القمع كافة فضلا عن انتشار حرية
الرأي، والقول كمنهج حياة بين البشرية جمعاء.
إذ يؤكد الامام الشيرازي ملامح ومزايا ذلك العصر المستقبلي، واصفا
اياه، بأنه عصر الحرية إذ: (تتوفر كل الحريات للناس في حكومة الإمام
-عجل الله فرجه الشريف-، فلا كبت ولا إرهاب ولا تعذيب، ولا غير ذلك من
المضيّقات، باستثناء المحرّمات الشرعية وهي قليلة جداً، ولاحقّ لأحد في
ارتكابها، والناس طبيعياً لا يرتكبونها لكمال عقولهم وإدراكهم قبحها).
وعن الوضع الاقتصادي للعصر المهدي المنتظّر يقول الامام الشيرازي في
كتابه نفسه: (حيث تكون القيم الإنسانية حاكمة، وحيث يكون المال
متوفراً، فإن الاقتصاد سيصل إلى أرفع مستواه، فلا حرص ولا جشع، ولا
استغلال ولا استعمار، ولا كبت ولا منع، ولا قيود ولا أغلال. فالإنسان
ينتفع بما أحلّه الله له من خيرات الأرض والسماء، والإنسان حرّ في
العمل، كما أن الأرض لله ولمن عَمَرَها، واستثمار المواهب والطاقات
ممكن، وإفساح المجال للأيادي العاملة في كل الحقول موجود).
وهكذا يكون لفكرة الانتظار حضورها الايجابي، إذ يسعى الانسان نحو
الغير، وهو مستعد للتغيير نحو الافضل، طالما هناك أمل يؤهل الانسانية
كي تعيش حالة العدل والسلام الدائم، بعيدا عن الجشع والاستحواذ والطمع
الذي تعاني منه البشرية جمعاء في عالنا الراهن. |