فتاوى القتل اللا اسلامية... اجندات سياسية ومصالح تجارية

 

شبكة النبأ: يخشى الكثير من المراقبين من اتساع رقعة الخلاف الطائفي بين الأديان والمذاهب الإسلامية وغير الإسلامية بسبب فتاوى القتل والتحريض الطائفي التي تصدر من أشخاص لا يعتبرون أهلا لإصدار الفتوى وهو ما تسبب بإزهاق الكثير من الأرواح كما يقول بعض علماء المسلمين، الذين أكدوا على ان شيوخ الفتنة يسعون دائما الى الاستفادة من بعض الأحداث والمتغيرات السياسية لأجل خدمة مصالحهم الشخصية بغض النظر عن النتائج المتحققة، وبحسب بعض المتخصصين فان الفتاوى السياسية أصبحت ظاهرة متنقلة بين البلدان العربية وتجارة رابحه لدى البعض من المنتفعين من الدعاة والمشايخ المنتمين الى تيارات سلفية متشددة والساعين الى نشر فتاوى التحريض على القتل وزرع الفتنة وتكفير إضافة الى نشر الفتوى الأخرى الخارجة عن منطق العقل والدين ومنها فتوى جهاد النكاح وسبي النساء..الخ من الفتاوى الأخرى، التي أعلنت مؤخرا لأجل دعم وتعزيز قوة المجاميع المسلحة التي فشلت بتحقيق مكاسب عسكرية في سورية والتي أصبحت اليوم أهم حدث إعلامي ودعائي للعديد من الدعاة من امثال ويوسف القرضاوي و الداعية السعودي محمد العريفي و عدنان بن محمد العرعور وغيرهم الأشخاص الساعين الى ببسط نفوذهم في باقي دول المنطقة من خلال زعزعة الأوضاع وخلق حرب طائفية.

وفي هذا الشأن أعلن مؤتمر نظمته رابطة علماء المسلمين التي تضم علماء من السنة في القاهرة وجوب الجهاد في سوريا، معتبرا ما يجري في سوريا حربا على الإسلام من النظام السوري الذي وصفه ب"الطائفي"، وداعيا لمقاطعة الدول الداعمة له وعلى رأسها روسيا وإيران. وأعلن بيان المؤتمر الذي عقد في احد فنادق العاصمة المصرية تحت عنوان "دور العلماء في نصرة سورية" عن "وجوب الجهاد لنصرة المجاميع المسلحة في سوريا، بالنفس والمال والسلاح، وكل أنواع الجهاد والنصرة.

واعتبر البيان الذي القاه الشيخ السلفي المصري محمد حسان ان "ما يجري في ارض الشام من عدوان سافر يعد حربا معلنة على الإسلام والمسلمين". وطالب المؤتمر حكومات الغرب والمسلمين ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية بموقف حازم كما طالب بدعم تلك المجاميع بالسلاح.

كما اوصى بوقف التعاون مع الدول الداعمة للنظام السوري، وهي الصين وروسيا وايران ودعا المؤتمر لمقاطعة البضائع الإيرانية. واستنكر المؤتمر "تصنيف واتهام بعض فصائل الثورة الإسلامية بالإرهاب، في اشارة منه الى الاتهامات التي طالت جبهة النصرة التي بايعت تنظيم القاعدة، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

ونقل موقع رابطة علماء المسلمين عن يوسف القرضاوي أنادي الأمة العربية والإسلامية أن يقفوا ضد الروس موقفا حازما"، مضيفا "آن الأوان لإعلان الجهاد حتى تقوم الأمة بالدفاع عن حقوقها". وشارك في المؤتمر والشيخ حسن الشافعي رئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر بالإضافة للداعية المصري صفوت حجازي والداعية السعودي محمد العريفي ولفيف من العلماء السنة من مختلف البلدان العربية.

من جانب اخر دعا الشيخ صفوت حجازي علماء المسلمين إلي تشكيل ألوية عسكرية وإرسالها للقتال في سوريا. وقال حجازي، بدأت بالفعل إعداد مقاتلين من مصر وغيرها من الدول التي تنشط فيها الرابطة لإرسالهم إلي سوريا، مشيرا إلي أن الرابطة تقوم منذ أكثر من عام بإرسال السلاح لدعم المجاهدين في أرض الشام.

وتعد هذه هي المرة الأولى في مصر التي تعلن فيها شخصية اسلامية بارزة عن مبادرة صريحة لإرسال مقاتلين إلي سوريا بشكل منظم، وإن كان العامان الماضيان شهدا مشاركة من أفراد مصريين في القتال الدائر هناك. وظهر جليا خلال المؤتمر مدى العداء الذي صار عميقا بين السنة والشيعة بعد عامين من الصراع الذي اصطبغ بلون طائفي في سوريا. فقد شدد المتحدثون في المؤتمر عدة مرات على أن الغالبية الساحقة من المسلمين ينتمون للمذهب السني، واعتبروا بالتالي أن ما يحدث في سوريا هو حرب على الاسلام ومحاولة للقضاء على مذهب السنة.

من جهته حث خطيب بالمسجد الحرام في مكة المصلين على دعم مقاتلي ما يسمى المعارضة السورية "بشتى السبل" وهوما يعكس تنامي التوتر الطائفي عبر الشرق الأوسط. وتأتي دعوة الشيخ سعود الشريم في وقت يشهد زخما في ساحات القتال لصالح الأسد بعد اشهر قليلة من توقعات محللين بقرب نهايته وهو ما يجعل احتمال إلاطاحة به سريعا وانتهاء الحرب امرا بعيد المنال في المستقبل القريب.

وقال في خطبته "فالله الله ..إن اخواننا بحاجة إلى مزيد جهود وبذل المساعي والإصرار على إزاحة هذا الظلم والعدوان الذي لا رأفة فيه ولا رحمة بشتى السبل بلا استثناء." وتقدم السعودية الحليف الاقليمي الرئيسي للولايات المتحدة في مواجهة إيران دعما ماليا للمعارضة السورية.

وفي بيروت حيث الداعية السني البارز داعي الإسلام الشهال المصلين على مقاومة المحاولات الإيرانية الرامية للسيطرة على العراق ولبنان وسوريا كخطوة لغزو دول الخليج. ودعا كل الغيورين والمعنيين إلى مساعدة السنة ومساندتهم ماليا وأخلاقيا لإحباط هذه الخطة.

 من جهته حث خامنئي على وحدة المسلمين في وجه الغرب "الرأسمالي الفاسد" وإسرائيل واصفا إياهما "بقوى الهيمنة". ونقل عنه قوله "المخطط الرئيسي للعدو هو إثارة الانقسامات والصراعات بين المسلمين. لذا فإن الوحدة والتضامن والتعاون هي أكثر ما يحتاج إليه العالم الإسلامي."

وأكد رجل الدين السعودي البارز الشيخ صالح الفوزان في تصريحات نشرتها صحيفة المدينة تشكك السنة في مثل هذه الدعوات. وقال إن الشيعة "وإن تظاهروا بالإسلام وطلبوا التقارب مع أهل السنة فإنما ذلك من باب الخداع من أجل الاعتراف بمذهبهم الباطل حتى يتمكنوا من الكيد للإسلام والمسلمين ثم يوقعون بالمسلمين كما فعل أسلافهم." وأضاف "عرفت عداوتهم للإسلام والمسلمين من قديم وفي هذه الأيام ظهرت عداوتهم أكثر في حربهم لأهل السنة في سوريا وإجلائهم منها وتشريدهم وتخريب ديارهم."

وفي قطاع غزة قال الداعية المتشدد عماد الداية للمصلين إن القصير كشفت زيف حديث حزب الله عن قيادة حركة "المقاومة" لإسرائيل. وكانت حماس حليفة للأسد وحزب الله في الماضي. وسعى الداعية إلى استنهاض همم المصلين قائلا إنها حرب دينية وإن الشيعة كانوا دائما خنجرا في ظهور المسلمين.

وقد تكون أعداد من يتملكهم الغضب بدرجة تدفعهم إلى حمل السلاح في أنحاء الشرق الأوسط قليلة ولكن من شأن أي خطوة كهذه إضافة قتلى جدد الى 80 ألفا أو يزيد لاقوا حتفهم بالفعل في سوريا وإلى عدة آلاف قتلوا في الحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و1990 وفي العراق طوال العقد الماضي.

وعرقلت الخلافات بين القوى العالمية وخاصة الدول الغربية وموسكو الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سلام ترعاه الأمم المتحدة في سوريا أو تشكيل جبهة متحدة لكبح القوى الإقليمية التي تقوم بتسليح وتدريب الطرفين المتحاربين. وتدخلت إسرائيل في القتال بالفعل بقصف سوريا وتواجه الآن مشكلة على مرتفعات الجولان. ويريد البعض في الغرب من حكوماتهم التدخل لدعم المجاميع المسلحة التي تعاني الآن من انتكاسة كبرى.

وفي مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر حيث كان بعض الإيرانيين يقضون عطلة في الآونة الأخيرة دعا الشيخ محمد دراز بهلاك الشيعة ومن يواليهم. ودراز داعية متشدد ينتمي للحركة السلفية التي ترى أن الإخوان المسلمين أكثر تحررا مما ينبغي. وبينما لا يوجد سوى القليل من الشيعة في مصر إلا أن مخاطر الصراع الطائفي انطلق من الخليج في الشرق حيث توجد أقلية شيعية في السعودية إلى الغرب مرورا بالعراق وسوريا إلى لبنان وتركيا.

وتوفر سوريا وجارتاها المباشرتان لبنان والعراق ساحة للحرب بالوكالة بين القوى الإقليمية الأكبر التي من المستبعد أن تخاطر في الوقت الحالي بالدخول في صراع مباشر. لكن لا يظهر أي مؤشر يذكر على وجود زعماء يسعون إلى تهدئة المشاعر الطائفية. بحسب رويترز.

وكتب مارك لينش من جامعة جورج واشنطن في مدونة مجلة فورين بوليسي أن النهج المتشدد الذي تبناه القرضاوي بعكس نهجه التصالحي السابق يعتبر إشارة إلى ان الزعماء السنة قد يتنافسون فيما بينهم في هذا المجال مما يزيد من مخاطر خطاب حماسي مناهض للشيعة.

وقال لينش "يبدو أنه خلص الى أن الخطاب الطائفي المناهض للشيعة والداعم للمعارضة السورية المسلحة مفيد من الناحية الاستراتيجية ويضمن مكسبا سياسيا. من المتوقع أن تتسارع وتيرة التنافس بين السنة على تبني المواقف الأكثر تطرفا." وأضاف لينش "عندما تدرك الشخصيات الأكثر إحساسا بالمسؤولية خطورة القوى المدمرة التي أطلقوا لها العنان أو عندما يحاول القرضاوي العودة إلى نهجه المتسامح فربما يكون ذلك بعد فوات الآوان."

فتاوى قتل الأقباط

على صعيد متصل ارتفع سقف الفتاوى ضد الأقباط في مصر أخيرًا من التكفير إلى القتل، بدعوى أنهم حملوا السلاح أولًا في حادثي الخصوص، الذي راح ضحيته أربعة مسيحيين ومسلم، وأحداث الكاتدرائية التي راح ضحيتها قتيل قبطي. وأطلق سياسيون وإعلاميون محسوبون على التيار الإسلامي في مصر فتاوى تحرض على قتل الأقباط، ومنهم الأمين العام لحزب الجهاد الإسلامي محمد أبو سمرة، الذي أحل بفتواه إراقة دماء المسيحيين. وقال: النصارى يجوز قتلهم اليوم، وهم الذين خرجوا بالسلاح، فهؤلاء دمهم حلال عندنا، لأنه لا يعتبر من أهل الذمة بل هو مُقاتل".

هدد القيادي السلفي أحمد محمود عبد الله، الشهير بأبي إسلام، المسيحيين بالقضاء عليهم خلال يومين بسبب ممارسة الكنيسة التنصير في صفوف المسلمين. وقال في برنامجه على قناته "الأمة": "لسنا نحن من فتح باب الاعتداء عليهم، لكن هم من يمارسون التنصير في صفوف المسلمين منذ خمس سنوات". وأضاف تحدثت معهم كثيرًا، محذرًا من الفتنة، وقلت هذا الكلام لرفعت فكري، وهو قس مصري، وزدت: لو أنتم خمسة ملايين لن تستطيعوا تنصير إلا خمسة ملايين آخرين، ولكننا 80 مليونًا يمكننا نخلص عليكم خلال يومين".

وأثارت هذه الفتاوى الخوف في قلوب الأقباط. وقالت الصحافية القبطية حنان عبد الملاك إنها لم تعد تشعر بالأمان في مصر، ولم تعد تخرج للعمل إلا في أضيق الظروف، وتخشى على أطفالها أثناء الذهاب إلى المدرسة. وأضافت أن تلك الفتاوى تثير حماس البعض من الجهلاء وضعفاء الإيمان من المسلمين ضد إخوانهم من الأقباط، لا سيما في ظل زيادة حدة التدين المظهري في مصر. ولفتت إلى أن البعض ممن وصفتهم بمشايخ الفتنة يعتبرون أنهم يتقربون إلى الله من خلال سفك دماء الأقباط. ونبهت إلى أنها وزوجها فكرا في الهجرة أكثر من مرة، لكن الظروف المادية لا تعينهما على ذلك.

والقبطي عادل فكري يرى أن فتاوى تكفير وقتل الأقباط فاقت كل الحدود. وقال إن الأمور صارت فوضى في مصر بعد الثورة، مشيرًا إلى وجود إنفلات في الفتاوى، وداعيًا شيخ الأزهر إلى وضع حد لهذه الفتاوى الدموية، "التي لا تخدم سوى أعداء مصر، لأنها تسير بها إلى الحرب الطائفية، ففي المقابل، ستكون هناك فتاوى من القساوسة بإهدار دماء المسلمين، وعندها ستندلع الفتنة الطائفية، ولن يستطيع أحد إخمادها".

من جانبه، قال الدكتور ناجي نجيب، القيادي القبطي في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن بعض التيارات الإسلامية المتطرفة تمارس التخويف بحق الجميع، وخصوصًا المسيحيين. وأوضح أن هذه التيارات تستحل دماءهم وأعراضهم، وتحرض على تدمير دور عبادتهم، وتدعو إلى فرض الجزية عليهم، وكأن هؤلاء يقدمون بذلك خدمة أو قربانًا إلى الله.

ونبّه إلى أن الإسلام لم يأمر بمعاداة المسيحيين، بل حض على التعامل معهم بالحسنى، لأنهم الأقرب مودة للمسلمين، حسب ما تقول النصوص القرآنية، مضيفًا أن الإسلام يحفظ للجميع، بمن فيهم الذي لا دين له، حقوق المواطنة كاملة وأهمها العدل. ولفت إلى أن الله لا يدعو الى كراهية الآخر أو تكفيره، بل جعل الناس شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، وجعل هناك إختلافات ومذاهب في الدين الواحد رحمة بالناس، وليس من أجل أن يدمروا بعضهم البعض، وأن يستحلوا دماء بعضهم البعض.

واتهم نجيب رجال الدين في الجانبين المسلم والمسيحي ببث الكراهية، وقال "لا ينكر أحد أن هناك أزمة في الخطاب الديني من الجانبين المسلم والمسيحي يجب إعادة النظر فيه، ويجب أن يكف المشايخ والقساوسة عن بذر الكراهية في نفوس العامة والبسطاء، فالتحريض على القتل أو الإحراق أو الإعتداء على الكنائس أو المساجد عمل غوغائي، غير مقبول".

وإستنكر علماء الأزهر تلك التصريحات أو الفتاوى، وقال الدكتور علي أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا، إن فتاوى قتل الأقباط تخالف ثوابت العقيدة الإسلامية، وتجر مصر إلى مستنقع الفتنة الطائفية. وقال إن الإسلام لم يأمر بقتل أهل الذمة، سواء من المسيحيين أو اليهود، حتى ولو حملوا السلاح، "فالإسلام يعلي من شأن الدولة والمجتمع، ولم يترك القصاص بأيدي أهل القتيل، ولكن جعله بالقانون وفقًا للقضاء الذي يقوم مقام ولي الأمر". ولفت إلى أن هذه الفتاوى ليست في صالح الأمة، وتعمل على هدم الأوطان وليس على بنائها.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/حزيران/2013 - 12/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م