معتقلو غوانتانامو وباغرام... تركة ثقيلة في جعبة اوباما

 

شبكة النبأ: ملف السجون الأمريكية لايزال محط اهتمام الكثير من المنظمات وجمعيات حقوق الإنسان، حيث تدير الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة اكبر قوة عسكرية في العالم مجموعة من السجون والمعتقلات في العديد من دول العالم تضم الكثير من المعارضين والإرهابيين الذين تم اعتقالهم لأسباب مختلفة، ومنها معتقل غوانتانامو والتي بدأت السلطات الأمريكية باستعماله في سنة 2002، وبحسب بعض المراقبين فأن هذا المعتقل تمارس فيه الكثير إجراءات تعسفية بحق السجناء والمعتقلين خصوصا وان هذه السجون بعيدة عن رقابة المنظمات الإنسانية و الحقوقية وهو ما يعد خرق واضح لمبادئ حقوق الإنسان، وفي هذا الشأن فقد وافق مجلس النواب الامريكي على مشروع قانون دفاعي يتضمن اجراءات لوقف خطط الرئيس باراك اوباما لإغلاق سجن جوانتانامو.

وتؤكد هذه الخطوة المعركة الصعبة التي تنتظر البيت الابيض مع سعيه لإغلاق هذا السجن المثير للجدل. ووافق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون بأغلبية 315 صوتا مقابل 108 اصوات على مشروع القانون الذي يتضمن تخصيص 638 مليار للاسلحة والقوات والحرب في افغانستان. ويتناول مشروع القانون سلسلة من الامور السياسية من بينها جهود مكافحة الاعتداءات الجنسية في الجيش وبنودا لمنع اغلاق معسكر جوانتانامو في كوبا.

وعلى الرغم من اضراب مالا يقل عن 104 سجناء من بين 166 سجينا ومناشدات اوباما بان تكاليف الابقاء على هذا السجن باهظة جدا فقد رفض مجلس النواب بأغلبية 249 صوتا مقابل 174 صوتا تعديلا يطالب بإغلاق السجن بحلول نهاية 2014. ووافق المجلس ايضا على منع تسليم الولايات المتحدة لليمن اي سجين اعتقل خلال عمليات مكافحة الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2011 رغم اجازة مراجعات للجيش والمخابرات الامريكيين اطلاق سراحهم. ولا يؤدي تصويت مجلس النواب الى انهاء امال اوباما في اغلاق سجن جوانتانامو وفقا لوعوده خلال حملته الانتخابية ومازال يتعين موافقة مجلس الشيوخ على مشروع القانون ثم التوفيق بين نسختي مجلسي النواب والشيوخ قبل الاحالة لاوباما.

في السياق ذاته أرسلت البحرية الامريكية المزيد من الوفود الطبية الى معتقل جوانتانامو نظرا لاضراب متصاعد عن الطعام ينظمه السجناء وأثارت رابطة الطب الامريكية تساؤلات عما اذا كان الاطباء الذين يطلب منهم تغذية السجناء المضربين عن الطعام قسرا يحنثون بذلك بالقسم الذي يقطعونه على أنفسهم لدى بداية ممارسة مهنة الطب.

وقال اللفتنانت كولونيل سامويل هاوس المتحدث باسم سجن جوانتانامو ان الوفود الطبية وصلت وتضم نحو 40 ممرضا ومتخصصا وعاملا في المستشفيات المتدربين على توفير الرعاية الطبية الاساسية. وقال هاوس انه من بين هؤلاء هناك 20 سجينا فقدوا أوزانهم وان سلطات السجن تغذيهم بمحاليل من خلال أنابيب توضع في أنوفهم تصل الى المعدة. وذكر ان هناك خمسة يرقدون في المستشفى تحت المراقبة لكن حالتهم ليست خطيرة بما يهدد أرواحهم.

وأرسل رئيس الجمعية الطبية الامريكية رسالة الى وزير الدفاع الامريكي تشاك هاجل كرر فيها موقفه المعلن منذ فترة طويلة بان تغذية البالغين الراشدين الذين يرفضون الطعام قسرا واخضاعهم عنوة لعلاجات لانقاذ أرواحهم يشكل خرقا للقسم الذي يؤديه الطبيب. لكن الرسالة التي بعث بها الدكتور جيريمي لازاروس لم تصل الى حد مطالبة وزير الدفاع الامريكي بوقف تغذية السجناء قسرا في جوانتانامو.

وحثت الرسالة هاجل على "التعامل مع اي موقف يطلب فيه من الطبيب ان يخالف المعايير الاخلاقية لوظيفته." وقال اللفتنانت كولونيل تود بريسيل المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاجون) ان هاجل عاد لتوه من رحلة الى الشرق الاوسط ولم يتضح ما اذا كان اطلع على الرسالة. وسئل بريسيل عما اذا كان أطباء الجيش قد أثاروا مخاوف متعلقة بأخلاق المهنة اذا طلب منهم تغذية السجناء قسرا فقال "أستطيع القول بأنه لم يحدث شيء منظم ولا استطيع الحديث عن أفراد من الاطباء." واستطرد "أستطيع القول بأننا لن نسمح للمحتجزين بايذاء أنفسهم وهذا يشمل محاولة الانتحار وتتضمن الموت جوعا سواء كان ذلك قرارا ذاتيا او نتيجة لضغط."

ويقول الجيش الامريكي ان بعض سجناء جوانتانامو يضغطون على زملائهم للانضمام الى الاضراب عن الطعام وان بعض من يتغذون عن طريق الانابيب يشربون طواعية مكملات غذائية حين ينقلون من المبنى الذي توجد فيه الزنازين ويجدون أنفسهم وحدهم مع أعضاء الفرق الطبية. ويقول مسؤولون عسكريون ان عملية الطعام القسري تتم بلطف باستخدام أنابيب لينة وناعمة. بحسب رويترز.

لكن المحامي ديفيد ريميس الذي أخطر ان موكله اليمني ياسين اسماعيل يخضع للإطعام القسري أعطى صورة مختلفة تماما. وقال "هذا يمكن ان يكون مؤلما للغاية. أحد الموكلين قال انها مثل ادخال شفرة في انفك وعبر حلقك." وأضاف ان المحتجزين الذين يرفضون التغذية عن طريق الانابيب يجيء جنود يرتدون زي قوات مكافحة الشغب ويخرجونهم من زنازينهم. واستطرد "انها حقا نفس الطريقة التي تعامل بها الحيوانات." وتلقي كل الاطراف المسؤولية على حالة الاحباط التي انتابت سجناء جوانتانامو من فشل ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما في تنفيذ وعده باغلاق السجن الحربي الامريكي بحلول عام 2010.

بصيص نور

على صعيد متصل يرى اليمنيون الذين أضعفهم اضرابهم عن الطعام المستمر والذين يشكلون غالبية معتقلي غوانتانامو، بصيص نور في نهاية النفق بعد احد عشر سنة في هذا السجن المثير للجدل ويأملون ربما بالعودة الى بلدهم. وفي مواجهة اضراب عن الطعام لا سابق له في مدته ومداه، اعلن الرئيس الاميركي باراك اوباما رفع تجميد عمليات نقل اليمنيين المعتقلين بلا سبب في غوانتانامو.

ويشكل اليمنيون الذين يبلغ عددهم 86 معقلا غالبية السجناء ال166 الموجودين حاليا في المعتقل الاميركي الواقع في كوبا. وهم الاكثر عددا 56 من اصل 86 بين السجناء الذين قررت ادارتا الرئيسين السابق جورج بوش والحالي انه يمكن الافراج عنهم في غياب عناصر تدينهم.

وقال المحامي عمر فرح من مركز الدفاع عن الحقوق الدستورية ان "اكثر من ثلث نزلاء غوانتانامو يمنيون تقول الحكومة بنفسها انه لا سبب لوجودهم هناك". وكان اوباما قرر بعد الاعتداء الفاشل الذي وقع في عيد الميلاد في 2009 وكان مدبرا في اليمن، تعليق عمليات نقل اليمنيين لتجنب انسياقهم وراء افكار متطرفة. وقال المحامي فرح ان "رفع تجميد الاجراءات يشكل مرحلة مهمة لكن فقط اذا تمكن رجال مثل موكلي اليمني محمد الحميري الذي اعتبر انه يمكن الافراج عنه، من لقاء عائلاتهم".

ووصفت اندريا براساو الخبيرة في شؤون غوانتانامو في منظمة هيومن رايتس ووتش القرار بانه "وعد مهم". لكنها قالت انه "يجب الا يقال بعد ستة اشهر اننا لا نستطيع نقل (معتقلين) الى اليمن لاسباب امنية". من جهته، قال ديفيد ريمس الذي يدافع عن 15 يمنيا في المعتقل ان "موكلي لديهم امل في وضع ميؤوس منه".

لكنه اضاف "من الصعب رؤية بصيص نور في نهاية النفق، لانه في كل مرة نتصور فيها ان هناك نورا في نهاية النفق تبدو مصابيح قطار تقترب انه وهم" بينما "الوضع بالغ الصعوبة في غوانتانامو". وقد تحدث له عدد من موكليه المضربين عن الطعام. فقد تحدث عثمان عثمان وعبد المالك وهاب عن تغذية قسرية "مثل الحيوانات" وعمليات تفتيش تشمل مناطق حساسة في الجسم وحرمان من الاغراض الشخصية والمصاحف التي يتلاعب بها الجنود.

وقد اشار الى عودة الى سنوات الرئيس بوش التي تلت فتح المعتقل في كانون الثاني/يناير 2002 بعد اعتداءات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر 2001. وقال عثمان لمحاميه "لا اعرف لماذا اعاقب. لم اقتل دجاجة". وتحدث عن البرد القارص في الزنزانات وتقنيات التغذية القسرية القاسية بانابيب تدخل في الانف لتصل الى المعدة. وقال يمني آخر من موكليه ياسين اسماعيل "لا اريد ان تتم تغذيتي بالقوة، لكن اذا كنتم تصرون على ذلك فافعلوه بطريقة انسانية على الاقل"، كما قال ريمس. بحسب فرانس برس.

اما حسين المفردي فقال "عاملوني مثلما تعاملون (حيوان) ايغوانا او مثل حشرات". والايغوانا حيوانات محمية في غوانتانامو ويعاقب القانون من يقوم بصيدها بغرامة قدرها عشرة آلاف دولار.

واكد المتحدث باسم السجن صموئيل هاوس انه من اصل 103 معتقلين مضربين عن الطعام، كانت تتم تغذية 32 بالقوة الجمعة بينهم اثنان في المستشفى. وقال عمر فرح ان "الاضراب عن الطعام هو ما دفع الرئيس اوباما الى الحديث بسرعة (عن المعتقل) ويجب ان يتحرك بالسرعة نفسها". واضاف ان "الاضراب عن الطعام لن يتوقف ما لم تستأنف اجراءات النقل".

سجن باغرام

الى جانب ذلك لم يعد الاميركيون يسيطرون على سجن باغرام، لكنهم يعتقلون فيه عمليا ستين اجنبيا حتى اليوم بينهم يونس وامانة الله الباكستانيان اللذان اوقفا في العراق "بدون سبب معروف" ولا يعرفان متى سيغادران "غوانتانامو الافغاني". فقد سلمت الولايات المتحدة في آذار/مارس الحكومة الافغانية مفاتيح السجن الواقع على سفح جبل شمال شرق العاصمة الافغانية، ونقلت الى عهدها اكثر من ثلاثة آلاف معتقل فيه.

لكن هذا الامر لا يشمل نحو ستين من المعتقلين غير الافغان ومعظمهم باكستانيون وبينهم سعوديون وكويتيون هم ضحايا "ثغرات" قانونية ولم يلتقوا يوما بمحام او توجه لهم اي تهمة. وهم معتقلون "منسيون" في هذا السجن الاميركي. وبين هؤلاء امانة الله علي ويونس رحمة الله الباكستانيان الشيعيان اللذان ذهبا لزيارة العتبات المقدسة في العراق في 2004، كما قال اقرباؤهما.

وقد اوقفتهما القوات البريطانية لاشتباهها بانتمائهما الى تنظيم القاعدة ونقلهما الاميركيون الى افغانستان، الى سجن باغرام. وبعد عشر سنوات، امكن الالتقاء بعبد الرزاق شقيق امانة الله في بلدة تضم مصانع للنسيج على مشارف فيصل اباد التي توصف "بمانشستر باكستان". وفي صورة بالابيض والاسود احتفظ بها بعناية، يظهر شقيقه امانة الله وهو في العشرين من العمر معتزا بشاربيه ولحيته. ثم يظهر في صورة ملونة اكبر سنا.

وقال عبد الرزاق "كان اخي تاجر ارز. توجه الى ايران ورأى هلال محرم، فقرر ان يذهب الى العراق" لزيارة العتبات المقدسة. وكان الشيعة محرومين في عهد الرئيس العراقي صدام حسين من هذه الزيارات. لذلك تدفقوا باعداد كبيرة بعد سقوطه الى العراق، مثل امانة الله ويونس اللذين اوقفا معا. ولم تصدق القوات البريطانية روايتهما.

وبما ان الرجلين يتكلمان الاوردو لم ينقلا الى غوانتانامو بل الى افغانستان حيث لدى القوات الاميركية مترجمون لاستجوابهما. ولم تتلق عائلة امانة الله اي اتصال منه الى ان تسلمت رسالة في 2005. وقال شقيقه "كنا نعتقد انه قتل او خطف". وبعد اربع سنوات تحدث امانة الله للمرة الاولى الى اقربائه بالهاتف.

وقال شقيقه "اتذكر انني سألته هل تواجه مشاكل في السجن؟ فاجابني السجن بحد ذاته مشكلة". ومنذ ذلك الحين يتوجه عبد الرزاق عدة مرات كل سنة الى اسلام اباد التي تبعد 450 كلم عن قريته، ليتحدث مع شقيقه عبر سكايب في اتصال مباشر بين باغرام والفرع المحلي للصليب الاحمر.

واحيانا يقوم الاميركيون بالتشويش على المكالمة او قطعها اذا تناول الحديث مواضيع حساسة. وتستعد الولايات المتحدة حاليا لاجلاء الجزء الاكبر من جنودها البالغ عددهم 65 الفا من افغانستان قبل نهاية 2014. وقال عبد الرزاق "يجب عليهم الافراج عن شقيقي". لكن الامر ليس بسيطا.

وقال مسؤول اميركي طالبا عدم كشف هويته ان واشنطن تعتبر هؤلاء المعتقلين "مقاتلين اعداء" لا يملكون الحقوق نفسها التي يتمتع بها المتهمون امام المحاكم المدنية الاميركية. واضاف انهم سيبقون في السجن طالما ان الاميركيين لم يغادروا افغانستان. الا ان الاميركيين قرروا الابقاء على جزء من قواتهم بعد 2014.

اما يونس، فقد ابلغت المحكمة البريطانية العليا بتوقيفه، لانه اعتقل من قبل القوات البريطانية. ورأت المحكمة ان نقله وسجنه في باغرام "غير شرعي". ومع ذلك لم يتم الافراج عنه. وتساءلت المحامية ساره بلال التي تدافع عن معتقلين لم ترهم من قبل "مع الانسحاب من افغانستان يصبح السؤال الملح +ماذا ستفعلون بهؤلاء الرجال المعتقلين حتى الآن؟".

وفي باغرام كما في غوانتانامو يفترض ان تقرر الولايات المتحدة مصير المعتقلين الذين تعتبرهم خطيرين وتحتجزه بعضهم منذ سنوات، مما يساهم في تعزيز مشاعر الاستياء من الاميركيين في العالم الاسلامي. وقد افرجت واشنطن على مر السنين عن عدد منهم. لكن كل عملية لاعادة معتقلين الى بلدهم تواجه صعوبات كبيرة لانها تفترض انجاز اجراءات في افغانستان ثم في الولايات المتحدة قد تستمر سنوات.

وبذلك تلقى يونس ضوءا اخضر من المجلس العسكري الاميركي في باغرام قبل ثلاث سنوات لكنه ما زال معتقلا. ويقول كامل شاه انه مر بهذا الجحيم الاداري ويحاول اليوم استئناف حياته الطبيعية في جبال كوهستان حيث ولد شمال شرق باكستان. لكنه يشعر دائما انه خسر في باغرام اجمل سنوات عمره.

ويقول كامل انه توجه الى قندهار ليعتني بصديق مريض. لكن الاميركيين اوقفوه وسجنوه ولم يكن قد بلغ بعد السابعة عشرة من العمر. ويتابع "كانوا يقولون لي انت عضو في القاعدة، انت طالبان". وبعد عام نقل الى باغرام حيث التقى امانة الله. وقال "كنا (المعتقلون) في بعض الاحيان نتصور اننا لن نخرج ابدا من هذا السجن. كنت اقول لنفسي انني لست موجودا وانني مت اصلا". بحسب فرانس برس.

وبعد سنوات على اطلاق سراحه، ما زال يترتب على كامل ابلاغ الشرطة كلما اراد مغادرة القرية. وهو لا يحمل شهادة ولا وظيفة لديه ويعيش كيفما اتفق. ويأمل كامل في ان يبرئه الاميركيون رسميا كغيره من عدد من معتقلي باغرام الذين ينتظرون الى اليوم اعترافا لن يأتي ابدا على الارجح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 20/حزيران/2013 - 10/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م