عندما طرح السيد عمار الحكيم مبادرته حول الطاولة المستديرة كان على
درجة عالية من الواقعية بتسميتها الرمزية؛ لانه ليس من المعقول حل كل
المشاكل العالقة والمعقدة بين الاطراف السياسية من جلسة واحدة او في
اجتماع واحد... وانما كان هدفه من الدعوة ايصال رسالة طمأنة للشعب بانه
مهما تعاظمت خلافات الساسة فانهم ينحنون امام دماء الابرياء ويقفون
موحدين تجاه الارهاب، وهذا ما حدث بالفعل وكانت فرصة جيدة ومشجعة؛ حضور
معظم القوى السياسية او من ينوب عنها اضافة الى رؤساء السلطات الثلاث
مع غياب رئيس الجمهورية بسبب المرض وزعيم القائمة العراقية !!.
وما ان انتهى الاجتماع بمصالحة رمزية بين رئيسي السلطتين التشريعية
والتنفيذية، حتى انقسم المراقبين والمتتبعين وحتى فئات الشعب بين مؤيد
لنتائج الاجتماع على الرغم من رمزيتها باعتبارها شكلت ارضية جيدة لبدأ
حوار بين الجميع طال انتظاره. ومعارض؛ رفض فكرة ونتائج الاجتماع
واعتبرها لا تتناسب وحجم التحديات التي كانت تضرب الساحة الداخلية في
العراق ومخاطر الاوضاع الاقليمية المحيطة به... وبين هذا وذاك وبعد
مرور اسبوعين او اكثر تحققت نتائج ملموسة على الارض حينما احدث
الاجتماع تموجات سريعة في مياه الازمة السياسية الراكدة، بالمستويات
التالية:
1. المستوى السياسي
دفعَ الاطراف السياسية الى حسم مواقفها تجاه الازمات؛ وتجاه بعضها
بعض؛ وبالشكل التالي:
• حسم المجلس الاعلى الاسلامي خياراته على ضوء نتائج الانتخابات
المحلية، بالتحالف مع التيار الصدري.. ما ادى الى الاتفاق على تشكيل
تسع من حكومات المحافظات، لينهي ملفا كان يمكن ان يستمر بدون حلول
لأشهر او سنوات.
• زيارة السيد رئيس الوزراء الى اربيل ولقاءه برئيس الاقليم على
خلفية انعقاد جلسة مجلس الوزراء، اعقبها اتفاق الطرفين على تذليل
الخلافات بين المركز والاقليم من خلال تشكيل سبع لجان مشتركة لمتابعة
الملفات العالقة.. المستمرة منذ اكثر من سنتين.
• اشتراك قائمة متحدون بقوة في حكومة بغداد المحلية وحصولها على
رئاسة المجلس، شكل بابا لتوسيع المشاركة والتحالفات في محافظات اخرى
مثل ديالى، وفتح الباب واسعا لإغلاق ملف الاقصاء والتهميش الذي كان
يدعيه البعض.. باستثناء ائتلاف العراقية الوطني الموحد الذي لم ينخرط
في مفاوضات تشكيل حكومات المحافظات بالصورة المطلوبة رغم زوال الكثير
من مبررات غيابه السابقة.
2. المستوى الامني
احدث الاجتماع تطورا هاما على المستوى الامني لمسه المواطن قبل
السياسي، فقد انحصرت التفجيرات الاجرامية وتراجع مستوى الاغتيالات
ونجحت اجراءات زيارة الامام موسى بن جعفر (ع) ببغداد دون حوادث تذكر،
ونحن لا نقول بان الفضل للاجتماع الرمزي بل الفضل الحقيقي يعود لرسائل
الطمأنة التي وصلت الى الشعب اولا؛ والثقة لرجل الامن ثانيا؛ والتحدي
للمجموعات الارهابية ثالثا.
3. مستوى السلم الاهلي
توسيع آفاق التعاون بين الوقفين الشيعي والسني بعد الاجتماع من خلال
اقامة الصلوات الموحدة بينهما ولأكثر من ثلاث جمع متتالية، توجه ما كان
له ان يتعزز ويستمر لولا الاجتماع الرمزي.
وبعد كل ما تقدم، ما زال البعض يصر على انتقاد الاجتماع الرمزي
ويؤكد على انه لم يحقق شيئا !!. والاحرى بمن ينتقد ان يقدم البديل ومن
يؤيد ان يدعو الى مزيد من التفعيل.. فالاجتماع الرمزي يحتاج الى اكثر
من لقاء جماعي واحد او حراك منفصل، لان اطلاق المبادرات وتعزيز
الحوارات البناءة واشراك الممتنعين من قبيل زعيم القائمة العراقية
وايجاد حل لغياب رئيس الجمهورية وحسم الخيارات والجرأة في اتخاذ
القرارات، قد يكون كفيلا باكتمال صورة المشهد العراقي موحدا تجاه كل
القضايا والازمات.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/jwadalatar.htm |