لو كان للمنافقين قرون!

د. الفائزي

 

النفاق السياسي والإعلامي ليس عادة ومهنة لدى معظم الإعلاميين والسياسيين وحتى الكثير من قادة المنطقة والعالم بل انه مرض مسري ومعدي يصيب الكثيرين الذين لا حياة ولا شرف ولا ذرة أخلاق ولا عزة لهم لا في الدنيا ولا الآخرة!

هذا الوضع ينطبق اليوم على المنافقين الإعلاميين والسياسيين والكثير من الحكام والقادة في المنطقة والعالم حيال تعاملهم مع الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي نجمت عن فوز ما يقال عنه المرشح الإصلاحي او ممثل شريحة التيار الوسط في إيران الدكتور حسن روحاني، فهؤلاء جميعهم بلا استثناء ولا تمييز مارسوا شتى أنواع النفاق والرياء مع القيادة الإيرانية ومع الرئيس المنتخب الشيخ روحاني الذي اختارته غالبية الشعب في انتخابات وصفت ن قبل الجميع بالحرة والنزيهة.

وفور الإعلان عن نتائج الانتخابات سبحان الله مغيّر الأحوال! تغيّرت النفوس وتبدلت الجمل وتحولت الاتهامات الى إيران من وصفها دولة تدعم الإرهاب وحكومة مارقة وبلد يسعى وراء صنع القنبلة النووية الى حكومة ديمقراطية وحكومة لا مثيل لها في العالم وبلد ينادي بالسلام الإقليمي والدولي.

 اذا كانت إيران بشكل عام حتى الأمس وبالتحديد قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة حسب وصفكم (اقصد السياسيين والإعلاميين والقادة المنافقين) دولة مارقة وأحد إضلاع مثلث الشر وتدعم الإرهاب فكيف تحولت إيران خلال لحظات الى دولة شرعية لا تدعم الإرهاب وليست محور الشر بل تسعى لاستتباب الامن الإقليمي وتدعم السلام العالمي؟!

أمريكا وإذنابها والقنوات الإعلامية التافهة والأقلام المأجورة ظلت حتى دقائق قبل الانتخابات التي جرت في إيران تكيل الاتهامات الى إيران بشكل عام حكومة ونظاما وشعبا وتدينها بشدة لدعمها الحكومة السورية او تسليح حزب الله لبنان او دعم المقامة الفلسطينية وتعمل في الخفاء – حسب زعمهم- لإنتاج وصناعة القنبلة النووية، فكيف تحولت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الى دولة جديدة ونظام يدافع عن الامن والاستقرار وحكومة معتدلة تستحق الثناء والتقدير؟! وانهالت مئات رسائل وبرقيات التهنئة على مكتب الرئيس الإيراني الجديد تمجده وتعترف صراحة وربما نفاقا بنظام (الجمهورية الإسلامية) وهو النظام الذي لم تطقه تلك الأنظمة والحكومات التي مارست شتى أنواع السب والشتم والإعلام المسيء والتآمر ضده طيلة العقود الثلاثة الماضية.

قطعا اننا لا نبرر ولا ندافع عن بعض الأخطاء والممارسات التي قامت بها بعض الجهات في ايران في التعمد او السلوك الخاطئ او الانجرار لمخطط تخريب العلاقات بين ايران والدول العربية والمجتمع الدولي بشكل عام وبالرغم خلافاتنا السياسية والإعلامية بشان بعض الأمور السياسية والخارجية والداخلية في ايران ولكن هذا لا يعني اننا نعمد على تخريب كافة الجسور مع ايران ولا نتحاور معها او نقاطعها ونحتقر شعبها وننكر حضارتها وتاريخها ونفرح أعداءنا المشتركين والمتحالفين ضدنا واقصد هنا بالتحديد قادة الكيان الصهيوني خاصة وان إيران لا تتحدد بشخص ولا مسئول ولا فئة ولا حزب ولا تيار ولا وجهة نظر بل إيران بلد حضاري له تاريخ يمتد عبر ألاف السنيين ولا يمكن لأي عاقل او منصف ان يحتقر او يقلل من شأن الشعب الإيراني لمجرد وجود خلافات مع حكومة إيرانية متشددة او معتدلة او وسطية! او خصومة شخصية مع مسئول فيها، وبعبارة أدق: المسئولون والحكام في إيران راحلون ويتغيرون ويتبادلون الأدوار ولكن إيران والإيرانيين باقون بقاء الدنيا والى يوم الحشر!

ومن المضحك المبكي ان (إسرائيل) وحدها لم تمارس لهجة النفاق مع إيران حيث اعتبرتها منذ البداية خطرا عليها ولم تغير لهجتها العدائية من ايران وظلت تصفها بالخطر الداهم والأكيد عليها منذ الثورة الإيرانية وحتى في عهد الرئيس خاتمي وكذلك في عهد الرئيس احمدي نجاد وحاليا تصف ايضا عهد الشيخ روحاني من انه ايضا استمرارية الخطر عليها ولا فرق لديها بين سياسة الإصلاحيين ولا الأصوليين ولا الوسطيين!، وهذه حقيقة مؤكدة لا نفاق ولا رياء فيها!

ومن المهازل المضحكة التي رأيناها في هذا السياق هو أقلام بعض الإعلاميين والسياسيين داخل إيران وخارجها. هؤلاء وحتى الثواني الأخيرة قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية ظلوا يمجدون بسياسة المتشددين ويصفون مرشحهم بربهم الأعلى والإله المبدئي الذي يمشي على الأرض مبجلا!

ولكن بعد ان هزمهم الشعب الإيراني بغالبيته الداعية للإصلاح والتغيير ونبذ العنف والتشدد الأعمى تحولوا خلال دقائق معدودة وكعادتهم النفاقية السابقة من أصوليين متشددين الى وسطيين وإصلاحيين لاستمرار نفاقهم السياسي ودجلهم الإعلامي وحتى ان بعض هؤلاء وصفوا الشيخ روحاني – بالطبع بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات- بالرب الأعلى وابدوا استعدادهم غير المبالغ فيه! لتضحية بأرواحهم تحت قدميه ونحر أولادهم فورا وبيع شرفهم الإعلامي والسياسي في سوق نخاسة المنافقين والدجالين إذا أمر بذلك!، والأكثر من شدوا وسطهم ورقصوا على نغم طبلة النفاق ومزمار الرياء والله لوكان للنفاق قرون لرأينا ملايين من القرون تظهر وتنمو أمتارا على رؤوس هؤلاء المرائين وحملة أقلام الرياء وتبويس أحذية الحكام مهما كانوا وفعلوا! وقسما بذات الحق اذا كان جليلي او قاليباف او حتى ولايتي او رضائي او غرضي فان هذا النفاق لكان بلون أخر ولزعموا انه أصوليين حتى العظم ومتشددين من الرأس إلى أخمص القدم!

شرف المهنة الإعلامية والسياسية تقضى أولا وأخيرا بالنزاهة والصدق وعدم الرياء . فيا ترى ماذا سيحدث ان واصل هؤلاء الإعلاميون انتقاداتهم ونصائحهم وحتى اعتراضاتهم للتيار الوسطي او الإصلاحي ؟ أليس من أصول شرف المهنة والأخلاق الإنسانية ان نحترم الرأي والرأي الآخر وهل هناك أسمى ان يكون الإعلامي والسياسي شخصا صادقا ونزيها وصاحب عقيدة ومبدأ حتى يحترمه الآخرون مع أي فكر موقف لديه؟، ام ان عالم النفاق مليء بالمال والعطايا والمزايا ولابد من استمرار بممارسة الرياء والدجل للحفاظ على المصالح الشخصية والفئوية فقط؟

يقول ابرز قدوتنا في الحياة الدنيا مخاطبا خصومه:

إذ لم يكن لكم دين فكونوا (على الأقل) أحرارا في دنياكم!

وحسب قول الشاعر الشعبي الذي ينطبق شعره على هؤلاء الإعلاميين والسياسيين المنافقين:

يا أهل النفاق والرياء والعار

يا أهل الطبلة والدف والمزمار

لا فرق عندكم إذا كان قدوتكم

من أهل البرزخ والجنة أو النار

dralfaezi@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 18/حزيران/2013 - 8/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م