حتى الان وقبل ايام من إجراء الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة في
ايران يصعب على المراقبين التكهن بنتائجها ولايعرف بالضبط مدى مشاركة
او عدم مشاركة الذين يحق لهم التصويت او هل ستكون هذه الانتخابات حرة
ونزيهة ولايتم التلاعب بنتائجها كما ظل المعارضون والاصلاحيون الزعم
بذلك طيلة الاعوام الماضية، ام انها ستتحول حقا كما وصفها المرشد
الأعلى في ايران السيد خامنئي بالملحمة السياسية خاصة وان أجهزة
الإعلام الرسمية في ايران ادعت وقتها ان الاستطلاعات التي قامت بها
تشير الى ان المشاركة في الانتخابات الرئاسية ستتخطى 70% من مجموع
الناخبين البالغ عددهم حوالي 50 مليون ناخب وفقا لتقرير وزارة الداخلية
الإيرانية، فيما ادعت مواقع المعارضة الإيرانية ان هذه المشاركة لن
تتجاوز 40% في أفضل الحالات وان الكفة – حسب ادعاء هذه المواقع- تميل
لصالح مرشح التيار الوسطي الشيخ حسن روحاني المدعوم بقوة من الشيخ
رفسنجاني رئيس مجلس مصلحة النظام الذي استبعد من المنافسة الانتخابية
بواسطة مجلس رقابة الدستور خشية من احتمال فوز رفسنجاني في الانتخابات
وتوسيع نفوذه وتصعيد دوره في الساحة الإيرانية على حساب سلطة المرشد
الأعلى.
ولقد سمح مجلس رقابة الدستور بالإبقاء على اثنين من المرشحين
المحسوبين على الإصلاحيين وهما روحاني ومحمد رضا عارف، والأخير تنحى
قبل ساعات من المنافسة بعدما طلب منه مجلس قيادة الإصلاحات المؤلف من
10 أشخاص يترأسهم الرئيس السابق محمد خاتمي.
ويعتقد خاتمي ان بقاء عارف في المنافسة الى جانب روحاني سيضعف مكانة
الأخير وبما ان روحاني تقدم على عارف في استطلاعات غير رسمية بنسبة 3
الى 1 فان خاتمي او المجلس الإصلاحي قرر تنحية عارف من المنافسة
ومطالبته بالتنازل لصالح روحاني علانية لكي يسطر الاصلاحيون - كما
يخططون – على حوالي 30% من أصوات الناخبين الذين ستتوزع أصواتهم بين
مرشح إصلاحي واحد ينتمي الى التيار الوسط الذي يقوده الشيخ رفسنجاني
المتحالف حاليا مع جماعة خاتمي وبين المرشحين الأصوليين الذين ينتمون
الى جبهات عقائدية وسياسية متباينة في الرأي والموقف.
المرشحون الآخرون وحسب الاستطلاعات الرسمية داخل إيران لهم حظوظ
للفوز في الانتخابات لاسيما المرشحون الاساسيون للتيار الأصولي وهم
ولايتي وقاليباف وجليلي.
الاول (ولايتي) مدعوم بالأساس من مؤسسة مراجع الدين في مدينة قم
وهو مستشار المرشد للشئون الخارجية وكان وزيراً للخارجية لفترة استمرت
16 عاماً، وهو ضليع في الدبلوماسية والشئون الخارجية ويدعم نظرية
التحالف مع أوروبا لمواجهة الضغوط الأمريكية على ايران.
ويدعي انصار ولايتي انه سيحصد على 20% من الأصوات في المرحلة
الاولى من الانتخابات اذا توزعت على 6 مرشحين.
اما عمدة طهران (قاليباف) فهو يحاول التركيز على الوضع الداخلي
والاعمار اكثر من الشئون الأخرى ولديه مشروع لتحويل كافة المدن الى
اشبه بالعاصمة طهران من الناحية العمرانية والخدمات المدنية. ونظراً
لقدرة البلديات المالية والإعلامية الواسعة فان أنصاره يقولون من انه
يتقدم بفارق كبير عن سائر المرشحين الآخرين.
قاليباف وقبل الترشيح تحالف مع جليلي وحداد عادل تحت جبهة سميت
بجبهة الصمود، وقد انسحب منها وتنحى عن المنافسة حداد عادل لسبب بسيط
هو عدم قدرته حصد 1 بالألف من أصوات الناخبين ولكنه زعم انه تنحى لصالح
فوز جبهة الصمود.
المرشح الآخر للأصوليين هو سعيد جليلي أمين مجلس الامن القومي الذي
يحظى بدعم أجهزة الامن والإعلام والتعبئة المسلحة الى جانب زعم أنصاره
انه مقرب جداً من المرشد وانه نسخة طبق الأصل عن احمدي نجاد في ولايته
الأولى أي انه سيظل ملتزماً بشكل تام بسياسة وقدرة المرشد.
وتزعم بعض تقارير المعارضة الإيرانية ان جليلي يترأس ما تسمى
الجماعة الملتزمة بنهج المرشد، فرئيس مكتبه ونائبه هو علي باقري شقيق
نسيب المرشد وابن شقيق مهدوي كني رئيس مجلس الخبراء ومقرب جداً من نجل
السيد خامنئي (الشيخ مجتبى).
لكن البعض يرون من ان المرشد يرجح ولايتي ايضاً ويراه مناسباً لهذه
الفترة الزمنية خاصة تشابك سياسة إيران الخارجية وتعاظم العداء الدولي
ضدها.
اما بشأن المرشح رضائي قائد الحرس الأسبق فهو يعتمد على أصوات
مقاطعات جنوب ايران وقسم من قوات الحرس والتعبئة الى جانب الداعين
لإجراء إصلاحات داخل القوى الأصولية دون السماح بمشاركة قوى المعارضة
او الإصلاحيين في إدارة السلطة.
ويزعم معارضو رضائي انه دعا الى اجتماع في احدى المقاطعات
الإيرانية في اطار حملته الانتخابية فلم يحضر هذا الاجتماع سوى 3
أشخاص!.
المرشح الأسوأ حظاً او الأقل تصويتاً هو وزير الاتصالات الأسبق
محمد غرضي الذي يسخر مواطنون من تعليقاته السياسية وخططه الاقتصادية
بالرغم من ان شعاراته الانتخابية عقلانية وتركزت على تأكيده لخفض سعر
العملة الصعبة وحل أزمة البطالة والتضخم والغلاء.
على ضوء هذه الأمور يمكن الاستنتاج التالي:
• اذا عجز وفشل الاصوليون في الاتفاق على مرشح أساسي واحد فانه من
المحتمل جداً ان يحقق الشيخ روحاني فوزاً عليهم خاصة وان الاستطلاعات
غير الرسمية تؤكد ذلك.
• في حالة تنحي المرشحون الاصوليون لصالح مرشح واحد فانه من المحتمل
ان يستمر احتكار السلطات الثلاث بيد الأصوليين لأعوام قادمة خاصة وان
قوى المعارضة تزعم من ان إرادة القيادة خاصة قادة الحرس ترجح مجيء رئيس
جمهور اصولي بدلاً من أي مرشح من تيار الوسط او الذين يزعمون
الاستقلالية السياسية.
• اذا صدقت مزاعم المعارضين بعدم مشاركة 50 او60% من الناخبين بسبب
القول المزعوم ان نتائج جميع الانتخابات محسومة مسبقاً!، فان احد مرشحي
الأصوليين سيخرج اسمه بالطبع من صناديق الاقتراع حتى وان لم تكن ممتلئة
بالأصوات.
• من المحتمل ان تنتقل الانتخابات لمرحلة ثانية اذا كانت المنافسة
نزيهة ولم يتلاعب أي طرف بنتائج الانتخابات ـ حسب زعم البعض ـ وهذا
يعني بقاء أبواب الاحتمالات مفتوحة واستمرار الصراع السياسي بين
الأصوليين والمعتدلين على السلطة التنفيذية، حتى وان يعتقد كثيرون من
ان هذا الصراع وهي ولمجرد ذر الرماد في عيون الرأي العام واحتواء
الاعتراضات الداخلية!.
• المرشحون والتعامل مع الدول العربية
وفقاً لتصريحات جميع المرشحين الحاليين انه في حالة فوز أي منهم
فان سياسة خارجية إيران لن تتغير كثيراً بالرغم من ادعاء تيار الوسط
انه ينوي الحوار المباشر مع "العمدة الأكبر، الشيطان الأكبر سابقا!" أي
أمريكا مباشرة بدلاً من الاتكاء على الحوار او التعامل مع الدول
المنقادة لسياستها!.
وبخصوص التعامل مع الدول العربية فان ايران بنظامها الحالي تؤيد
الإبقاء على دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا والتحالف مع الحكومة
العراقية ودعم القوى التي يصفها الإعلام الإيراني بالفصائل المقاومة في
لبنان وفلسطين ودول اخرى في المنطقة والعالم.
وبشأن الجزر الثلاث في الخليج فهذا الامر محسوم نهائياً ويعتبر
ملفاً قومياً ولا يمكن لأي فئة سياسية في ايران تغييره او الانتقاص
منه.
ربما سيكون هناك توجه لتحسين العلاقات مع السعودية في حالة الإبقاء
على وزير الخارجية الحالي (صالحي) بأمر من المرشد الأعلى ووجود نية
أيضا لتوسيع العلاقات مع مصر وتوجه إيران السياسي والتجاري نحو شمال
أفريقا والتركيز على الوضع السياسي الحساس جدا في العراق واحتواء
الخلافات مع اليمن والإبقاء على سياسة الود مع سلطنة عمان وكذلك مع
دولة الكويت ولبنان وتقديم نصائح لدولة قطر بعدم التدخل في الشأن
السوري والإبقاء على بوابة السودان مفتوحة لتوطيد العلاقات مع دول
افريقية وعدم تخريب قنوات تهريب السلع والبضائع مع دولة الإمارات لوجود
مصالح تجارية كبيرة ومشتركة بين الطرفين.
kh.a.a.rahim@gmail.com |