الشذوذ الجنسي في مدارسنا

زاهر الزبيدي

لم أكن قد سمعت عن أي قصة من قصص الشذوذ الجنسي في مدارسنا الإبتدائية أو المتوسطة على الرغم من أننا نعتقد أن هناك حالات قد حصلت وتم التستر عليها من قبل إدارات المدارس أو أولياء الأمور خوفاً من الفضيحة والفصل العشائري والضجة الإعلامية التي ترافقها والتي قد تطيح برؤوس كثيرة إذا ما ظهرت، ولكن قبل أيام قليلة كانت هناك قصة غريبة اكتشفت في أحد المدارس المتوسطة في إحدى المناطق الشعبية من بغداد وهي حادثة إغتصاب لأحد طلاب تلك المدرسة بعمر 13 سنة من قبل طالب أخر بعمر 15 سنة من نفس الصف !

قصة غريبة،في تفاصيلها التي لم أتطرق لها فقد آثرت أن أحتفظ بها لنفسي، بعض الشيء عن مجتمع حديث العهد بالحرية التي دفع دمه في سبيل الحصول عليها فتراها تُغرِقه اليوم في فوضى إخلاقية كبيرة..، وعلى الرغم من أن هناك قصص أكثر بشاعة من تلك كإغتصاب الأطفال في مدينة البصرة أو عن ما حدث في مدينة الموصل، إلا إننا نرى أننا أمام مآساة حقيقية لا تقل خطورة عن الطائفية ولا حتى عن الهجمات الإرهابية.. نحن اليوم امام خوض تجربة كبيرة في هذا المجال علينا أن لا ندخر وسعاً في سبيل محاولة الحد منها أو التخلص منها نهائياً أملاً في تجنيب شعبنا أثارها المؤلمة بقسوة على نسيجة الإجتماعي.

المعروف عن الشذوذ الجنسي بكافة أشكاله وأنواعه أنه لا ينشأ إلا في بيئات محددة تترواح بين البيئات التي تعاني الكبت الشديد أو بيئات الإنفتاح الشديد التي تحصل فيها على ما تريده بدون عناء، وبالطبع فمجتمعنا الخارج للتو من إنعتاق كامل من الكبت الى فضاء مشوش من الحرية، ومع توفر الكثير من وسائل الإتصال والفضائيات والأفلام وعدم قابليتنا على التحكم فيما يدخل أسواقنا من عوامل الفساد الأخلاقي أو مبررات الشذوذ الجنسي نرى أننا أمام هذا التكديس الهائل في كافة مفاصل المجتمع لمقومات الشذوذ الجنسي مضافاً له عدم إستقرار الوضع الأمني في البلد.. نرى أن حتمية وقوع تلك الأحداث المؤسفة في مدارسنا أمراً وارداً وبشدة وهي واقعة ولن تظهر للعيان الكثير منها حفاظاً على سمعة المدارس أو المناصب فيها على الرغم من أننا لا نتحدث هنا عن نزعة جنسية مثيلية كاملة المحتوى والمضمون بل عن نزاع جنسية شاذة ووقتية تنتهي حال إنتهاء الظرف المسبب لها بالحصول على الشريك الطبيعي في الحياة.

 نتحدث عن نزعة غريبة عن مجتمعنا قد نتمكن، بالمتابعة المستمرة ورفد المدارس بكافة وسائل الوقاية منها، من الإنتهاء منها ـ فعلى الرغم من وجود الدوافع الكاملة الممهدة لحدوثها فهناك عوامل كثيرة تساعد في الانقضاض عليها بإستخدام إسلوب العقاب الصارم ومكافحة ظهور المثيلية الجنسية، أو أن يضع الموضوع بأكمله بيد القضاء العراقي للبت فيه.

ولكننا كيف نتمكن من التخلص في تلك المرحلة من مسببات حدوث حالات من الشذوذ هذه في تلك المرحلة؟ وكيف نؤسس لسياسة خاصة في مجال مكافحة الشذوذ الجنسي وتفعيل كافة القوانين السارية في هذا المجال؟ وكيف نؤسس لمرحلة قادمة قد تموج بها مدارسنا بكم هائل من التصرفات الشاذة؟ والتي تؤثر بشكل أساس على المستوى العلمي لأبناءنا ممن هم بحاجة اليوم الى جهد مؤسساتي تربوي إشرافي ونفسي كبير لمحاولة إمتصاص زخم تلك الأفعال الغريبة وتوجيه طاقاتهم باكمالها لهدف العلم والتعلم والغائب اليوم بشكل ملفت للنظر، فالمستويات العلمية لأبناء في الكثير من المدارس تعاني من تخلف وترد ملحوظ مؤشر عليها بدقة.

نحن بحاجة الى تطوير وتنمية الهوايات لدى طلاب تلك المدارس وهم في طور المراهقة وتثيرهم بقوة التصرفات الجنسية المثيرة التي يرونها عبر الفضائيات أو تلك التي يتناقلوها عبر هواتفهم النقالة أو ما يمكنهم من الحصول عليه، دون رقابة منزلية، عن طريق الأنترنت المنزلي أو في المقاهي المنتشرة في المدينة، فتطويرنا لتلك الهوايات قد يجدد في أنفسهم الأمل بالمستقبل الذي بات منزوع الرؤيا بسبب البطالة بحدها العالي وضربات الإرهاب التي لم تكلّ يوما عن الاقتتات من دماء أقاربهم، وهي بذلك تجعل المستقبل أمامهم مبهماً بلا جدوى وهم أول المنزلقين في الهاوية المظلمة قبل وطنهم بل سيكونون السبب الأهم في ذلك.

علينا أن نفتح أمامهم آفاقاً أوسع في مجال التربية النفسية الحقيقية لأعدادهم رجالاً، لا منكسري النفوس ضعفاء أمام شهواتهم يستدرجهم الشذوذ في أي لحظة للتجاوز على حريات وحرمات الآخرين.. فهدفنا الأسمى من التعلم هو التربية ومنها نستمد العزيمة للعلم والتعلم والدفع بإتجاه الإنتاج لشريحة مثقفة مصممة على المساهمة في بناء المجتمع لا تلك التي تثقل تطوره على مر الزمان محدثة فيه خلل بنوي وتربوي واضح ينعكس على الأجيال القادمة.

علينا الدخول الى أسر المراهقين الذين يقعون ضحية الشذوذ والوقوف على بعض أسباب حدوث تلك التصرفات فلا يمكن تحميل المدرسة وإدارتها الثقل الأهم فيما يحدث، فقد تتحمل الأسرة الوزر الأكبر في إنحراف ابناءهم وانجرارهم وراء إغراءات الشذوذ وحسب طبيعة التربية التي ينتهجها الأبوين في تربية أبناءهم.

لقد بدأ العالم منذ زمن بعيد في إستخدام كاميرات المراقبة في صفوف المدارس لتعلم الادارة كيفية سير العملية التدريسية وتؤشر حالات الخلل عند بعض التدريسين ومن جانب آخر تراقب التصرفات المريبة لبعض الطلبة ممن تسول لهم أنفسهم محاولة الدفع، بشتى الطرق، لممارسة هذا الشذوذ مع أقرانهم ممن هم أقل منهم عمراً أو حتى أقل منهم قوة وقد يقوموا بتصوير تلك الحالات لأغراض ومطامع أكبر تتمثل بالابتزاز والتفاخر بهذا العمل في بعض الأحيان !

ان حالة الشذوذ تلك ليست غريبة عن مجتمعنا العربي فالكثير من المدارس في أقطار الوطن العربي تشهد مثل تلك الحالات التي يتم إكتشافها والأكثر منها تلك التي لم تكتشف، وجميع تلك الحالات أوجدتها طبيعة المجتمع وأغلب العقوبات في هذا المجال هي إرسال هؤلاء الشاذين الى محاكم الأحداث لإتخاذ الحكم اللازم بهم ولكننا لم نعالج أساس المشكلة بل أن جذورها موجودة وتتفاقم إسباب حدوثها حتى لتمثل تحدياً كبيراً لأرباب الأسر وإدارات المدارس.

نحن بحاجة الى تأسيس جهاز رقابي علمي لغرض وضع التوصيات المهمة في هذا المجال نكون قد اقتربنا كثيراً من دور الإشراف التربوي في وزارة التربية واقتربنا إيضاً من توجيه أولياء الأمور واقتربنا أيضاً من فعاليات المؤسسات الدينية، وما أكثرها في العراق، كذلك نحن بحاجة اليوم مراقبة فعلية لكل أجزاء المدرسة، على الرغم من أنها قد لا تكون المكان الوحيد لممارسة الشذوذ، علينا مراقبة تلك الأجزاء المتروكة منها من خلال الإشراف التربوي ولا ضير من تعيين أكثر من مشرف تربوي في المدرسة الواحدة فالتربية أهم من العلم إحياناً..

علينا بلورة جهد حكومي كبير للتخلص من تلك الحالة وقطع دابرها والقضاء بشكل سريع على الكثير من عوامل تطورها.. قبل أن تصبح وباءاً لتنتشر لتقضي هي علينا.. رحم الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/حزيران/2013 - 2/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م