حول ما يظهر من مشاهد قتل مروعة في عدد من بلدان الشرقين الأوسط
والأدنى وشمال أفريقيا، ثمة رأيان: الأول: هو أن المجتمعات بدت على
حقيقتها في هذه الأزمات، وأن هذه المجتمعات مأزومة قبل دخولها هذه
الأزمة، فقد بدت عنيفةً مع نفسها، وأظهر عنفها هذا قسوة - غير عادية -
حتى أصبح لكل واحد في المجتمع قصص محزنة فيها تفاصيل يندى لها جبين أي
مجتمع، وهو عنف لا يولد بين ليلة وضحاها، وأصبحت "اللحمة الدينية أو
القومية أو المجتمعية أو الوطنية" لحوماً بشرية تناثرت على امتداد
الوطن.
وبالتالي فإن أصحاب هذا الرأي يرون في هذه الأزمة تكشفت عيوب
المجتمع، وإن ما كنا نظنه وحدة مجتمعية لم يكن إلا وهماً. وإن العصبيات
المتفجرة اليوم كانت مغطاة بقشة من النفاق الاجتماعي أو الخوف من قبضة
السلطة.
أما الرأي الثاني فيقول: إن أزمة بهذا الحجم، حيث السيارات المفخخة
والانتحاريين في كل مكان، وقطع الرؤوس، والتهام القلوب، وعلى مدى
سنوات، كما في العراق وسوريا، لم تستطع أن تنزع من غالبية هذه
المجتمعات قيمها الإيمانية وصفاتها الحضارية.
وأساس هذا الرأي أن هذه المجتمعات وجدت نفسها أمام نفسها في
مواجهات قاتلة، في الوقت الذي تحتقن ضغوطات تحفز في النفوس الحذر من
الآخر والخوف من المستقبل، ورغم ذلك حافظت هذه المجتمعات على رباطة
الجأش مكنتها من التعايش مع الأزمة في الحدود الممكنة، وحافظت أيضاً
على إدراك سليم لما جرى ويجري عند غالبية المجتمع.
وبالتالي فإن أصحاب هذا الرأي يرون إن الأزمة لم تكن أزمة مجتمعات،
فهي لم تنقسم بسبب تنوعها، بل بناء على اختلاف آرائها وفكرها ومصالحها.
يبدو أن هذه المجتمعات منقسمة في قراءة ما يحدث، وبالتالي فإنها
ستتأخر في انتشال نفسها من أزمات خطيرة تدفع المجتمعات إلى الانقسام،
بعد أن أغرقتهم هذه الأزمات في مستنقعات الكراهية والتكفير والدماء،
وهي أزمات اجتماعية بجذور ثقافية، حاضرة اليوم معنا، ويبدو أنها
سترافقنا إلى المستقبل القريب، وربما إلى أبعد من ذلك.
* أجوبة المسائل الشرعية
http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm
|