الحق في الخصوصية.. الحق في التلصص

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: اعجب من سلوكين متناقضين لدى مستخدمي خدمات الشبكة الالكترونية عبر منافذ التواصل العديدة والمتنوعة لها (الايميل – الفيس بوك – تويتر – الفايبر – السكايب) وغيرها الكثير مما لايمكن حصره، والذي يتسع ويتمدد يوما بعد يوم.

السلوكان المتناقضان اللذان اقصدهما هما التبرع عن طيب خاطر بكافة المعلومات الشخصية التي يتطلبها استعمال تلك الخدمات، مع كثرة المحاذير التي يحذرنا منها خبراء التقنية المعلوماتية، مع الرغبة في التلصص على معلومات الاخرين التي كثيرا مانبحث عنها، ونتبادلها مع بقية المستخدمين بمتعة وسرور.

ربما الحق في الخصوصية يكمن في معرفتنا بانتهاكها من قبل الاخرين، مع غض النظر عن هذا الحق في حالة حصوله وعدم معرفتنا به..لكن بالمقابل بقاء الرغبة في التلصص على معلومات الاخرين دون النظر الى خصوصياتهم ومدى قبولهم بانتهاك تلك الخصوصيات.

في احدث جدل دائر حول حق الخصوصية، الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة «واشنطن بوست».والتي صنفت على انها على درجة عالية من السرية.. الوثيقة تشير الى اختراق وكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الخوادم الرئيسة لتسع شركات إنترنت أميركية كبرى بشكل مباشر، وتقوم باستخلاص محادثات مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ورسائل بريد إلكتروني ووثائق وسجلات اتصال تمكن المحللين من تعقب أهداف أجنبية.

المواقع التي تشير اليها الوثيقة هي: (مايكروسوفت) و(ياهو) و(غوغل) و(فيس بوك) و(بال توك) و(إيه أو إل) و(سكايب) و(يوتيوب) و(أبل).

البرنامج الذي تتحدث عنه الوثيقة يحمل اسم (بريزم) وتم إطلاقه من بقايا برنامج الرئيس جورج بوش الابن السري للمراقبة المحلية من دون إذن قضائي في عام 2007، عقب إجبار أخبار من وسائل إعلام إخبارية ودعاوى قانونية ومحكمة مراقبة المخابرات الأجنبية الرئيس على البحث عن سلطة جديدة.

يركز البرنامج المصدق عليه من المحكمة على حركة الاتصالات الأجنبية، التي عادة ما تتدفق عبر الخوادم الأميركية. وهي حسب تصريح رسمي (المعلومات التي تم جمعها في إطار هذا البرنامج تعتبر من بين أهم وأقيم المعلومات الاستخباراتية الأجنبية التي نجمعها، وتستخدم في حماية بلدنا من نطاق واسع من التهديدات. إن الكشف غير المصرح به عن معلومات عن هذا البرنامج المهم والقانوني في مجمله مستهجن ويهدد صور الحماية المهمة لأمن الأميركيين).

كانت هناك العديد من ردود الافعال التي صدرت من قبل اصحاب الخدمات تلك الوارد اسمها في الوثيقة السرية.

جو سوليفان، كبير مسؤولي الحماية بموقع (فيس بوك) قال تعليقا على ماتم نشره: «نحن لا نزود أي منظمات حكومية بإمكانية دخول مباشرة على خوادم (فيس بوك)». وأضاف قائلا: «وحينما يطلب من فيس بوك بيانات أو معلومات عن أفراد بعينهم، نقوم بفحص مثل هذه الطلبات بدقة للتحقق من مدى توافقها مع كل القوانين المطبقة، ولا نوفر المعلومات إلا بالمدى الذي يلزم به القانون».

وقال ستيف داولينغ، وهو متحدث باسم شركة «أبل»: «لم نسمع قط عن برنامج (بريزم). ونحن لا نزود أي هيئة حكومية بإمكانية وصول مباشرة لخوادمنا، وأي هيئة حكومية تطلب بيانات خاصة بالعملاء ينبغي أن تحصل على إذن قضائي».

وقالت «مايكروسوفت» إنها لا تشارك بشكل طوعي في أي جمع حكومي للبيانات وتتقيد فقط بأوامر لطلبات بشأن حسابات أو بيانات هوية محددة. وقالت متحدثة باسم «ياهو» إن الشركة لا تقدم للحكومة وصولا مباشرا إلى خوادمها أو أنظمتها أو شبكتها.

القضية مثار الجدل هي في مايتعلق بخصوصية الامريكيين تحديدا، وهي خاضعة لمتطلبات قانونية يحرص عليها القائمون على تلك الخدمات، لكن جميل جعفر، نائب المدير القانوني للاتحاد الأميركي للحريات المدنية يقول في تعليقه: «سوف أكتفي بمهاجمة فكرة أن المحكمة قد وقعت عليه (اي امر سحب المعلومات)، إذن، ما الداعي للقلق. هذه محكمة تعقد مقابلات سرية، ولا تسمح سوى للحكومة فقط بالمثول أمامها، ولا تنشر معظم آرائها. لم تلعب مطلقا دورا فعالا في مراقبة الحكومة».

اي ان المحكمة لاتتوانى عن تقديم الدعم للحكومة، وخاصة مايتنعلق بطلباتها ذات الصلة بالحصول على معلومات المستخدمين موضوع الشبهة، من غير الامريكيين، اما المواطنين الامريكيين فان الحصول على معلومات القسم الاكبر منهم فيتم عرضيا، ويكون التعامل مع تلك المعلومات خاضعا للسرية القصوى، كما صرح المسؤول الحكومي الامريكي.

موضوع الخصوصية يتعلق بامن المعلومات، والذي يعني (إبقاء معلوماتك تحت سيطرتك المباشرة والكاملة، أي بمعنى عدم إمكانية الوصول لها من قبل أي شخص آخر دون إذن منك، وان تكون على علم بالمخاطر المترتبة عن السماح لشخص ما بالوصول إلى معلوماتك الخاصة).

لكن هذا الفهم لايعني انك محصن ضد التجاوز على امنك، لانه يجب ان يفهم المستخدم أنه حتى ولو لم يقم بإعطاء معلوماته لأي شخص عبر الإنترنت، فقد يتمكن بعض الأشخاص من الوصول إلى نظام الكمبيوتر لديه للحصول على المعلومات التي يحتاجونها دون علم أو إذن منه.

وهو هنا خيط رفيع بين الحق في الخصوصية وانتهاكها.. كيف تحدث المشكلة الامنية؟ انها تحدث عندما يتم اختراق النظام لدى المستخدم من خلال أحد المهاجمين أو المتسللين (الهاكر) أو الفيروسات أو نوع آخر من أنواع البرامج الخبيثة.

وأكثر الناس المستهدفين في الاختراقات الأمنية هم الأشخاص الذي يقومون بتصفح الإنترنت، حيث يتسبب الاختراق في مشاكل مزعجة مثل تبطيء حركة التصفح وانقطاعه على فترات منتظمة. ويمكن أن يتعذر الدخول إلى البيانات وفي أسوأ الأحوال يمكن اختراق المعلومات الشخصية للمستخدم.

على ارض الواقع لاتوجد خصوصية معتبرة بالنسبة لمستخدمي الشبكة العنكبوتية، والجدل الدائر حاليا حول ذلك يتعلق بمقدار معرفة المستخدمين من حجم الاقتراب من تلك الخصوصيات وانتهاكها الذي تقوم به الوكالات الامنية في امريكا، وهو جدل يمتد الى الحريات الشخصية ومدى تعارض ذلك الانتهاك مع تلك الحريات المكفولة دستوريا..

اما في بلداننا العربية، فلا يمكن الحديث عن خصوصية للمستخدمين، طالما ان هذه البلدان لاتعترف بالحريات الشخصية، الا في النزر اليسير منها، اضافة الى عدم كفالتها دستوريا، فالدستور، والذي هو اعلى تشريع قانوني من الممكن انتهاكه من قبل القائمين على تنفيذه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/حزيران/2013 - 1/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م