الحسين بحر تغرق فيه سفن دون أن تبلغ قعره، لآلئه تحتاج لخبير حتى
تكتمل القلادة النفيسة، كثير منا ضائع بين تكرار حلقات يجترها ولا يفهم
غير السطح الذي لا زال يحفر فيه بنهم !، أوليس للقرآن بطون؟! كذاك حديث
الحسين، بعض حديثه حفظناه، وبعض آخر في صناديق مغلقة لم نفكر في فتحها
فضلاً عن اخراجها للنور.
جنى علينا التاريخ جنايات كثيرة حتى أغرق التراث في الأنهار وتشبعت
الأسماك بلون الحبر، وزاولنا ذات الجناية بإغماض الجفون عما تبقى لنا
من تراث، جزء منه الكسل الذي يرهلنا كل يوم، وجزء آخر الغفلة، وجزء..،
وجزء..
وحتى لا نتبعثر نقول: إننا مدعون لاكتشاف ما تبقى لنا من تراث أهل
البيت (عليهم السلام)، وعلى الأخص تثبيت تلك الكلمات النوراء غير
المنتشرة والمشهورة، ومن ثم استنطاقها والعمل بضياء هداها.
العاطفة تهتز في أعماقنا طرباً كلما حلت (ساعة ميلاد)، فهل تكفي هذه
الفرحة؟! إن المطلوب تحريك المحبة والفرحة إلى مسرح الواقع، ليصدق
عليها عنوان "المودة"، أما ثقافة: (القلوب معك والسيوف عليك) فهي ثقافة
بلهاء يعتنقها (شيعة أبي سفيان)!، وسورة العصر تدفعنا للـ (عمل الصالح)
دون الاقتصار على الإيمان وحده، بل الفرق كبير في ميزان التقييم إذا
اختلف الظرف فشتان بين (ساعة الرخاء) و(ساعة العسرة) !!
ما أكثر من يركض إذا طاب له الدين، ويهرول هرباً إذا مس مصالحه؟!
دعائم الدين معروفة عندنا ولكننا أهملنا فريضة (الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر) التي هي أسٌ ديني نهض به الحسين (عليه السلام) وتثاقلنا عن
حمله، ذات يوم في حضرته (عليه السلام) اغتاب رجلٌ عنده رجلاً، فلم
يمهله حتى قال له: (يا هذا كف عن الغيبة فإنها إدام كلاب النار!!)،
إننا نتنصل عن المواجهة حتى لا نخسر الآخرين أو ندفع الضرائب، فأين نهج
الحسين في حياتنا؟!
التحلي بالقيم وإتباع المنهج هدف رئيس نتعلمه من الحسين (عليه
السلام) وإن تغيرت الدنيا وتنكرت وأدبر معروفها، فهو (عليه السلام)
يوثق منهجه في كتابه لأهل الكوفة مع ابن عقيل مشدداً على هذه الصفات
الحقة قائلاً: (ما الإمام إلا العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن
بالحق والحابس نفسه على ذات الله).
إذا كان ذلك في ساحة العمل، فإن في ساحة التنظير من يغتر بذاته
وتنتفش أرياشه غروراً وتباهٍ، بينما يعرف (العالم الحقيقي) هناته فلا
يتكبر ويذعن وهي دلالة علمه، كما يخبرنا الحسين (عليه السلام): (ومن
دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر).
إننا - نحن المتخمون بالنعم - لا نرقى لمصاف أولئك العلماء، يكفي
علينا خطيئة الغفلة عن شكر النعم لتسحقنا، فاللسان ثقيل عن شكر المنعم
وهذا ما يحذرنا منه الحسين (عليه السلام) بقوله: (الاستدراج من الله
سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر).
|