القصير... معركة قلبت الطاولة

 

شبكة النبأ: معركة القصير احدى المعارك المهمة في ملف الصراع المسلح في سوريا حيث لاتزال هذه المعركة المهمة محط اهتمام الكثير من الاوساط والدول وخصوصا تلك الدول المعادية التي راهنت وبشكل علني على سقوط سوريا ونظامها القائم من خلال دعم ومساندة المجموعات المسلحة كما يقول بعض المراقبين، الذين أكدوا ان التطورات الميدانية الجديدة اثبتت وبدليل القاطع قوة وتماسك القيادة السورية وجيشها الذي يقاتل وبشكل مستمر منذ اكثر من عامين في مختلف الجبهات، ومن وجهة نظر خبراء عسكريين فإن لمعركة القصير أهمية جغرافية كبيرة فيما يتعلق بالطريق الجنوبي الذي يربط مدينة حمص بالساحل السوري، كما انها تفرض التحكم بالمداخل الجنوبية لمدينة حمص.

ونجاح عملية القصير سيمكن الجيش من تأمين محافظة حمص بشكل عام وتأمين طريق الساحل السوري والحفاظ على خط التواصل الطارئ مع العاصمة دمشق، والمعركة لها أهمية عسكرية وسياسية بالنسبة للنظام لأنها تزيد من اللحمة المعنوية حول الدولة في حين تؤدي الى مزيد من التفكك في صفوف المجاميع المسلحة وتبادل الشكوك والاتهامات حول أسباب الهزيمة، كما انها تقدم تجربة عسكرية جديدة من خلالها يكرس الجيش السوري مجموعة من قواعد الاشتباك التي يمكن تسميتها قواعد القصير وهي تشكل منطلقا لكيفية ادارة العمليات العسكرية مستقبلا في مختلف أنحاء سورية.

وفي هذه المعركة المهمة تمكن الجيش من القضاء على اعداد من المسلحين واستسلام اخرين فيما فر اعداد كبيرة منهم باتجاه البساتين وبلدة الضبعة. وتشير بعض المصادر بما فيها مصادر المعارضة الى ان اعداد القتلى قد تجاوزوا ١٢٠٠ قتيل، فيما ناهزت أعداد الجرحى الألف. وهناك نحو ١٠٠٠ مسلّح تمكن الجيش السوري من أسرهم، بينهم عدد من الغرباء، أي المسلّحين الأجانب الذين قدموا لنُصرة المسلّحين في القصير. وأشارت المعلومات إلى أنّ بين هؤلاء أسرى من الجنسية الأسترالية، إضافة إلى فتيات عدة من الجنسية الشيشانية، وواصل الجيش عملياته وقتل قادة مجموعات مسلحة بينهم ياسر الحموي زعيم ما يسمى بلواء أنصار الحق والمدعو ابو حمزة متزعم ما يسمى بكتيبة رجال الله. وبعد السيطرة على المدينة، تعهد الجيش السوري في بيان اصدره "سحق الارهابيين" اينما كانوا في سوريا.

وأشارت بعض المصادر ايضا الى أن الجهات الامنية المختصة في سوريا تمكنت من وضع يدها على غرفة العمليات المركزية للإرهابيين في شمال القصير ، وهي غرفة عمليات كان قد تم تفخيخها استعدادا لتفجيرها واخفاء ما فيها من ادلة ومعلومات خطيرة حول نشاطات هؤلاء الارهابيين والجهات الداعمة لها الا أن قوة خاصة من الجيش السوري اشتبكت مع المجموعة الارهابية التي كانت تشرف على عملية التفخيخ وقتلت 7 منهم في ما تمكنت من اعتقال اثنين بعد اصابتهما بجراح خلال الاشتباك ، وتعاملت وحدات من الجيش مع العبوات الناسفة التي تم تفخيخ المكان بواسطتها.

وذكرت المصادر ذاتها أن من بين المعتقلين من الارهابيين الذين تساقطوا في ايدي الجيش السوري خلال العمليات في القصير وريفها هناك 913 مسلحا من جنسيات عربية وأجنبية ، كما ان اعداد القتلى والجرحى من المسلحين بالآلاف ، وكانت القوات السورية تحرص على تحرير كل منطقة والعمل على حصر القتلى وتوثيق بياناتهم وتصويرهم قبل أن يتم ارسالهم الى مقابر خاصة للدفن ، وذلك لتسليمهم الى بلدانهم على أن يتم ذلك بشكل علني ، حيث رفضت سوريا عشرات الدعوات من عشرات البلدان لتسليم جثث رعاياها الذين كانوا يقاتلون الى جانب الارهابيين وذلك خلال اتصالات ولقاءات سرية واشترطت دمشق ان تتم العملية كاملة بشكل علني وباطلاع وسائل الاعلام السورية والعالمية .

من جهة اخرى ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن مدينة القصير السورية تعتبر موقعا استراتيجيا مهما، كونها تقع على الحدود اللبنانية. وقالت الصحيفة الأمريكية، إن سيطرة القوات النظامية التابعة على مدينة القصير كانت ضربة قوية للمتمردين، لأنهم بذلك نجحوا في قطع خطوط الإمداد التي تصل إليهم من لبنان، والتي تبعد عن المدينة نحو ستة أميال.

ويؤكد المحللون أن سيطرة الجيش السوري على مدينة القصير يعد مكسباً مهماً لسورية ويعزز موقعها التفاوضي في مرحلة التحضير لمؤتمر جنيف-2، ونكسة للمقاتلين والأجانب تضعف معنوياتهم. ويقول الخبير في معهد بروكينغز للدراسات في الدوحة شادي حميد أن لاستعادة الدولة السيطرة على القصير "تأثير مهم. إنها تأكيد لما كنا نراه منذ فترة لجهة ان النظام يكسب على الارض في مواجهة المجاميع المسلحة، وتزداد ثقته بنفسه. في المقابل، الامر له تأثير سلبي على معنويات المقاتلين المسلحين الذين يعانون من انقسامات داخلية ويخسرون على الارض". ويقول حميد "انها ضربة قاسية ورمزية. بالنسبة الى معنويات مقاتلي المعارضة". كما يضيف: "خلال العامين الماضيين. تعامل الناس مع سقوط النظام وكأنه أمر لا مفر منه، لكن اعتقد ان ما تؤكده القصير هو ان سقوط النظام ليس حتميا".

ويرى حميد أن هذه السيطرة "مهمة من الناحية النفسية، ليس فقط بالنسبة الى دمشق بل أيضاً بالنسبة الى المجتمع الدولي"، إذ أنه في أي مفاوضات مقبلة، تضع هذه السيطرة النظام في موقع أفضلية، وتوفر له رافعة اضافية". من جهته، يرى استاذ العلوم السياسية في جامعة باريس سود خطار ابو دياب أن الجيش السوري يبدو الأقوى على الأرض بعد أن تمكن من بسط سيطرته من دمشق الى آخر الساحل. أما الخبير العسكري في مركز "اينغما" للدراسات ناجي ملاعب فيعتقد أن سورية لتطهير مدنها الرئيسية قبل الاجتماع الدولي، ويعبر عن اهمية سقوط القصير لكونها كانت طريق امداد الجماعات المسلحة.

كارثة كبرى

في السياق ذاته وصفت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تحرير مدينة القصير السورية من قبل الجيش السوري بأنه كارثة استراتيجية لإسرائيل والولايات المتحدة . وقال موقع ديبكا فايل المقرب من الاستخبارات العسكرية ، إن هزيمة المتمردين السوريين في مدينة القصير كارثة استراتيجية كبرى بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة وأوربا الغربية . وبحسب الموقع ، ونقل الموقع عن مصادره في الاستخبارات العسكرية قولها إن المعركة من أجل السيطرة على دمشق انتهت وأصبحت من الماضي بعد أن تمكن الجيش السوري من دحر المتمردين بعيدا عنها ولم يعد بإمكانهم تشكيل أي تهديد لمركز العاصمة .

وطبقا لمصادر الموقع ، فإن هذا التطور جاء بعد أن شنت وحدات من الفرقتين الثالثة والرابعة وفوج من القوات الخاصة عملية واسعة دفعت المتمردين بعيدا عن مركز المدينة وعن مطار دمشق لدولي. وقال الموقع إن وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون تعرض لـ انتقادات لاذعة وسخرية مرة من قبل المستوى الاستخباري على خلفية تصريحه في الكنيست الذي أعلن فيه أن النظام السوري لا يسيطر سوى على 40 بالمئة من سوريا.

وطبقا للموقع ، فإن تصريح يعالون وصف من قبل الاستخبارات بأنه معيب وفاضح ويشير إلى جهل مطبق بما يحصل على الأرض في سوريا وهو ما من شأنه أن يترك آثارا سلبية جدا على القرارات التي قد تتخذها الحكومة في المستقبل بشأن الجبهة الشمالية.

الى جانب ذلك أكدت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية أن معركة القصير التي بداها الجيش العربي كشفت عن مرونة قتالية مفاجئة يتمتع بها ووضعت المسلحين في موقف دفاعي على جبهات رئيسية أخرى بما في ذلك بالقرب من العاصمة دمشق. وأضافت الصحيفة في سياق مقال حمل عنوان. الجيش السوري يبدي صموداً ومرونة غير متوقعة إن قدرة الجيش السوري القتالية لا تزال قوية مشيرة إلى أنه في الأسابيع الأخيرة سجلت القوات السورية انتصارات هامة في الجنوب والشمال ودحرت المسلحين الذين كانت عواصم غربية توقعت أن يستطيعوا في النهاية مهاجمة العاصمة واجتياحها فيما تشتكي المعارضة المقسمة بشكل كبير من أن أسلحتها والأموال المقدمة لها بدأت تنفد.

ويقول المحلل العسكري جوزيف هوليداي الذي عمل في وحدة الاستخبارات في الجيش الأميركي وعضو مركز دراسات الحرب إن هذه الانتصارات أجبرتنا حقا على إعادة التفكير في رؤيتنا التي أمنا بها خلال العامين الماضيين والتي تقوم على حتمية سقوط الحكومة السورية ولكننا الآن يجب أن نغير رأينا ونقدر بشكل أكبر قدرتهم.

ولفتت الصحيفة إلى أن سيطرة الحكومة السورية على القصير واستعادتها تعد ضربة كبيرة للمجموعات المسلحة في حمص وغيرها من المدن التي يسيطر عليه المسلحون ما يعزز من سيطرة الحكومة على الطرق الرئيسية في البلاد. وأقر شخص عرف عن نفسه بأنه أحد المسلحين في القصير بأن الأسلحة والدعم يصلان إلى المسلحين في حمص عبر القصير وفي حال سقطت المدينة فإن حمص كلها ستسيطر عليها الحكومة.

في السياق ذاته كشفت صحيفة واي ريد الأميركية ، من خلال تتبعها أشرطة منشورة من قبل مسلحين سوريين ، عن وجود مدافع أميركية مضادة للدبابات بحيازتهم من طراز إم 40 ، عيار 106 مم . وبحسب التحقيق الذي نشرته الصحيفة ، فإن المدفع المشار إليه لم يعد يستخدم من قبل الجيش الأميركي لكنه يستخدم من قبل حلفائه على نطاق واسع ، وقد لعب دورا كبيرا في أفغانستان وليبيا بالنظر لسهولة استخدامه ونقله ، فضلا عن أنه عديم الارتداد ، ما يجعله شبيها بالسلاح الفردي الخفيف كما أنه تفوق على صواريخ لاو المضادة للدبابات بسبب تعقيد استخدام هذا الأخير ، إذ إن من خاصيات المدفع وجود ثقب جانبي له في حجرة الانفجار تسمح بتسرب الغاز الناجم عن إطلاق القذيفة ، بخلاف المدافع التقليدية .

والمدفع المذكور هو في الأصل عيار 105 مم، ولكن أطلقت عليه هذه الصفة لعدم الالتباس بينه وبين إم 27 الذي سبقه في هذه السلالة . وطبقا للصحيفة ، فإن المدفع نفسه استخدم على نطاق واسع وفعال من قبل المسلحين الإسلاميين الليبيين الذين قاتلوا ضد نظام القذافي تحت إدارة الحلف الأطلسي الذي لا يزال العديد من دوله يستخدم هذا المدفع في جيوشه .

وقد اعتمدت الصحيفة في كشفها الأمر على شريط يظهر مسلحين وهم يستخدمون المدفع في في ريف حماة الشمالي ، الأمر الذي يعني أن وجوده في سوريا يعود إلى بضعة أشهر على الأقل . ومن المعلوم أن حلفاء الولايات المتحدة لا يعيدون تصدير أسلحتها إلى طرف ثالث دون تصريح مسبق من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). وكانت جهات عديدة كشفت في أوقات سابقة من العام الماضي والحالي عن وجود صواريخ أميركية مضادة للدبابات في أيدي المسلحين في حماة وريف دمشق وإدلب ومناطق أخرى

الموقف الروسي

من جانب اخر وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتقادات لاذعة للمعارضة السورية المدعوة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2 الذي أعلنت الولايات المتحدة تأجيله وقال بوتين بسخرية أمام الصحافيين وقادة الاتحاد الاوروبي انه يخشى على سلامة المشاركين الروس في المؤتمر وهم يجلسون امام مسلحين سوريين معارضين يذبحون ويأكلون اعداءهم.

وقال بوتين ان شبكات التلفزة اظهرت عناصر في المعارضة المسلحة يذبحون اعداءهم القتلى ويأكلون اعضاءهم. آمل الا يحضر مثل هؤلاء الى جنيف-2 لأنه ان حصل سيصعب علي تأمين سلامة المشاركين الروس وسيكون من الصعب المشاركة في العمل معهم. من جهة أخرى، دافع بوتين عن حق روسيا في بيع اسلحة للحكومة السورية ولكنه قال إن موسكو لم تسلم دمشق بعد نظام صواريخ إس-300 المتطور للدفاع الجوي.

ورغم ان حكومات غربية انتقدت روسيا لاعتزامها ارسال الانظمة الصاروخية لقوات الرئيس السوري بشار الاسد قال بوتين إن هذه العقود قانونية ولا تهدف الى تغيير الميزان العسكري في المنطقة. كما امتدح الرئيس الروسي أيضا نظام صواريخ إس-300 بوصفه واحدا من أفضل النظم في العالم وأضاف العقد وقع منذ سنوات ولم ينفذ بعد. في سياق آخر، قال الرئيس الروسي أيضا: ان اي محاولة خارجية للتدخل العسكري في الحرب الاهلية المندلعة في سورية منذ اكثر من عامين محكوم عليها بالفشل وستزيد الموقف سوءا.

على صعيد متصل أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن هناك مخاطر كبيرة من تدويل الأزمة السورية، وأن تحريف ما جرى في القصير غير مقبول، وندد بالتصريحات الأميركية المنددة بمعارك القصير ووصفها بأنها تصريحات منافقة. كما أكد لافروف، خلال مؤتمر صحافي مع أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي إحسان الدين أوغلو بموسكو، على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا، مشيراً إلى أن هناك الآلاف من المسلحين من جنسيات أجنبية يقاتلون في صفوف قوات المعارضة السورية.

من جانبه، أكد إحسان أوغلو أنه بحث مع المسؤولين الروس التطورات في سوريا، وأعلن تأييد منظمته لفكرة عقد مؤتمر "جنيف 2" لحل الأزمة السورية، إلا أنه شدد على أن المؤتمر يجب أن يساعد في وقف العنف في سوريا وأن يضمن انتقال السلطة. ووصف أوغلو الوضع في سوريا بأنه "يزداد صعوبة وهذا يؤثر سلباً على دول الجوار"، مشيراً إلى أنه تقدم بعدة مبادرات لإيجاد تسوية في سوريا، وأن الصراع السوري بدأ يأخذ طابعاً طائفياً في الآونة الأخيرة. وأضاف أوغلو أن الوضع في سوريا حرج جدا والضحايا في ارتفاع، مشيراً إلى أن عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي قد تم وقفها.

من جهة اخرى أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن "مشاورات روسية أميركية قريبة بخصوص قضية استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا". ولفت الى ان "الهيئة الانتقالية في سوريا يجب أن تكون من الحكومة والمعارضة الوطنية السورية". مشيراً إلى أن جميع القوى الراديكالية المتطرفة التي تقاتل على الأراضي السورية يجب ألا يكون لها أي مكان في عملية التسوية المستقبلية" في البلاد. وأعرب الدبلوماسي الروسي عن أمله في أن يتمكن الجانب الأمريكي من اقناع الائتلاف السوري المعارض بتحديد وفده التفاوضي إلى "جنيف - 2" قبل اللقاء التشاوري القادم .

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 9/حزيران/2013 - 29/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م