المرأة والقدرة على التغيير

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: بعد الحديث الطويل، العريض عن دور المرأة في المنزل وخارجه، وفي الحياة الاجتماعية والسياسية، وإمكانياتها وقدراتها، ومقارنة ذلك مع قدرات الرجل، وغير ذلك من الحديث الذي هو بالحقيقة يندرج في (عرض) القضية لا في (طولها)، إن صحّ التعبير، فلابد لنا من خطوة الى الأعلى، لنثبت أن المرأة بالأساس قادرة على التغيير بكل أشكاله ومجالاته..

فكون المرأة زوجة في البيت، تمارس دور الأمومة وحسن المعاشرة مع الزوج، فذاك أمر غريزي محبب الى النفس، واذا خاضت غمار العمل في خارج البيت، ثم أبدعت وقدمت وخدمت، بذلك تلبية لرغبة إنسانية خاصة في نفسها، وهو أمرٌ حسن قطعاً، ولا ننسى الأخت ودورها، ربما في مرتبة "ربة البيت"، فهي ايضاً في مسار الإحسان والعطاء الإنساني، يبقى الحسن والمطلوب؛ أن تشارك الرجل عملية التغيير في الحياة، سواءً داخل البيت أو خارجه.

هذه الخطوة المتقدمة يشير اليها سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي –دام ظله- في حديث له أمام جمع من النساء والفتيات، ويؤكد إذا "افلتت واحدة عن طريق أهل البيت عليهم السلام، فانها تكون طعماً لذئاب الإنحراف في العقيدة والأخلاق.. وهذه مسؤولية كل واحدة من المؤمنات أن تقوم بدورها..".

الوظيفة .. القيد

 هنالك اعتقاد يترسخ باستمرار لدى شريحة واسعة من النساء والفتيات، مفاده؛ أن الحصول على فرصة عمل خارج البيت، يُعد بمنزلة صياغة جديدة لشخصية المرأة، من الناحية الانسانية والاقتصادية والاجتماعية، فهي تكتشف دورها ومكانتها، وتتخلص من التبعية والحاجة الى الغير من خلال الحصول على مردود مالي، وهذا يتأتّى بالدرجة الاولى من خلال مسيرة  التعليم والدراسة، لذا نجد الحرص الشديد على مواصلة الدراسة لدى الفتيات، لاسيما في البلاد التي تُحظى بنسبة جيدة من الاستقرار السياسي والأمني، حيث تشجع العوائل فتياتها على مواصلة الدراسة بجدّ واجتهاد، مذللين أمامهم العقبات، حتى أن البعض مستعد للتضحية بالمال مع شحته، لإرتقاء الفتاة مدارج العلم، في فرعيه الأدبي والعلمي، وهنالك أمثلة على حرص شديد من فتيات يفتقدن الأب، فيحاولن تعويض هذا النقص بالدراسة وطلب العلم بشكل جدّي، ويحاولن كسب أعلى الدرجات لضمان المستقبل، وأن تعرف غداً أنها قادرة على توفير حاجاتها وحاجة والدتها وأشقائها الصغار، دون الحاجة الى شخص أو مؤسسة أو جهة معينة.

طبعاً؛ هذا أحد دوافع التعليم لدى الإناث في مجتمعاتنا، وهنالك دافع آخر، يتمثل في المكانة الاجتماعية، وعدم التوصل الى الصورة المُرضية والنهائية للعلاقة بين الرجل والمرأة في بيت الزوجية. وفي كل الأحوال، تكون النتيجة واحدة؛ تحمل المرأة خارج البيت مسؤولية نفسها لا غير، وهذا ما نلاحظه ليس فقط في شريحة الموظفات في الدوائر الحكومية، إنما في المواقع ذات العلاقة المباشرة مع ابناء المجتمع، مثل "الطب" و"التعليم"، فهنالك شعور واضح يغلب على الكثير – إن لم نقل الجميع- بأن الوصول الى مرتبة "الطبيبة" أو "المدرسة"، أو "المحامية"، أو غيرها، لم يأت بالهيّن، وعلى المرأة العادية، أو الطالبة في المدرسة، أن تلاحظ هذه المسألة ولا تتوقع الكثير بسعر زهيد..!

هذا الشعور يمثل بالحقيقة المعوّل الذي يزيد الفاصلة بين المرأة والمجتمع، ويجعلها حبيسة الهموم والمصالح الخاصة، بعيداً عن الهموم والمسؤوليات الاجتماعية، وإن كان الشعار المرفوع لدى الكثيرات؛ بأنهن يؤدين مسؤولية اجتماعية، إلا ان  الواقع في معظم حالاته لا يتطابق مع هذا الشعار.

هل من نموذج..؟

نعم؛ بكل تأكيد.. وهذا نستقيه من حديث سماحة المرجع الشيرازي – دام ظله- وهو يستشهد بالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، ويثير أمامنا التساؤل عما تريده الزهراء عليها السلام، من المرأة..؟ ونحن نسأل ايضاً.. ما الذي تستفيده نسائنا وفتياتنا من الصديقة الطاهرة عليها السلام..؟ ولا ننسى أن مجرد كون الزهراء سلام الله عليها، تلك الفتاة الصغيرة، بنت نبي ورسول الله، ومبعوث السماء، وخاتم الانبياء والمرسلين، يكفي لأن تأخذ لنفسها منزلة خاصة بين سائر الفتيات والنساء. لنلاحظ زماننا الحاضر.. ما تفعل الفتاة أو الزوجة او المرأة التي تُحظى بقرابة مع وزير أو رئيس أو مدير أو قائد، أو حتى مسؤول حكومي أو تاجر ثري..؟ ثم لنقرأ ما حفظه التاريخ الشحيح، من النقاط المضيئة والمشعة لحياة هذه السيدة العظيمة.

وفي هذا الحيّز نسلط بعض الضوء على الدور الاجتماعي والحضاري للصديقة الطاهرة وتحملها مسؤولية الأمة، وعدم ركونها في البيت، كونها بنت نبي ثم زوجة الوصي، وأم لإمامين وسيدي شباب أهل الجنة.

لقد كان الهدف الذي استشهدت من أجله الزهراء عليها السلام – يقول المرجع الشيرازي- هو نصرة  الدين والوقوف أمام الانحراف، وقد جسّدت ذلك في موقفها التاريخي العظيم أمام جموع المسلمين وأمام التاريخ والأجيال في مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث ألقت تلك الخطبة "الفدكية" العصماء التي لن تبلغها بلاغة أو منطق إمرأة، مهما طال الزمن.

ثم يستشهد سماحة المرجع الشيرازي بحديث عن الإمام الرضا عليه السلام، عن الواجب على المرأة وهما أمران: "تعلّم علوم أهل البيت سلام الله عليهم، وتعليمها للناس". ويؤكد سماحته، أنه إذا وجدت هنالك امرأة واحدة لا تعرف أهل البيت عليهم السلام، فان الواجب والتكليف على جميع النساء أن يبادرن الى مساعدتها على التعرف أكثر، فاذا قامت به واحدة من النساء أو اكثر سقط عن الأخريات.. ويوضح سماحته في المجال في مسألة التبليغ: "لو كانت هناك امرأة واحدة لا تعرف واجباتها ووظائفها، فإذا قمتنّ بالتبليغ لكنها لم تقبل، فأنتن معذورات. إن الواجب الكفائي يعني أنه ابتداءً يكون واجباً على الجميع، إلا أنه إذا قام به من فيه الكفاية، سقط عن الباقين، لكن لم تحرز الكفاية في هذه المجالات حتى إلى عشر سنوات بل إلى خمسين سنة قادمة؛ لأنه مهما كثر التبليغ فإنه ليس غير كافٍ".

إن "الخطبة الفدكية" تُعد بالحقيقة وثيقة تاريخية للأجيال تتوج الدور التبليغي والإرشادي للزهراء عليها السلام، فقد نبهت الناس بدايةً الى حقيقة أنفسهم، وفيما كانوا، والى أين ارتقوا بفضل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ورسالته السمحاء وأخلاقه العظيمة، كما بينت عظمة الإسلام ودوره في تنشئة الانسان و رقيه، كما حذرت من الإنحراف والضياع وخسارة كل الجهود العظيمة التي بذلت قبل رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله.

انتظار النتائج والثمار

ربما يشكك البعض من النساء بإمكانية النجاح الكبير وعلى نطاق واسع في أمر الهداية وتحمل المسؤولية الاجتماعية والدينية، نظراً للظروف المعقدة والشائكة التي تعيشها مجتمعاتنا.. لكن نذكر مرة أخرى بالظروف القاسية والصعبة التي عاشتها الصديقة الزهراء عليها السلام، والمثل الأعلى لنا جميعاً، فهي ربما ألقت تلك الخطبة أمام جموع المسلمين، ثم بعدها انفض الاجتماع وذهب كلٌ الى بيته وأهله، ولم تترك تلك الخطبة الأثر المباشر والسريع في النفوس، وإلا لكان مسار الأحداث الى غير ما رسمه تيار الإنحراف وطلاب السلطة. لكن ها هي الزهراء عليها السلام، في نفوس وضمائر المسلمين. 

وهنا نقطة غاية في الأهمية في الدور الرسالي المفترض أن تتحمله المرأة، وهو الإنعكاس المباشر على مصير وحركة المجتمع.. فالمجتمع البعيدة عن الظواهر الاخلاقية الشاذة والمريضة، والمتوفر على السلامة الذهنية والبدنية والروح العالية في الإبداع والانتاج والتقدم، هو الذي يمتلك إمرأة صالحة في البيت، تتحمل مسؤولية الأبناء والزوج، وتتكامل مع الأسرة والمجتمع على الصعيد الاقتصادي. فلا تكون مستهلكة للمال وحسب، ولا تكون متوقعقعة في ذاتها. إنما تشارك الجميع في دفع عجلة التقدم الى الامام.

عندما نلاحظ التجارب الاجتماعية للعقود الماضية، نجد أن العفة والأخلاق الحميدة والصفات الطيبة، كانت متوفرة عند أبناء المجتمع، والسبب كان يعود بالدرجة الاولى الى المرأة الحريصة على النهج التربوي القويم، والتضحية بكل شيء من أجل تنشئة أبناء يكونوا من عوامل تقدم المجتمع ورقيه. بينما لنلاحظ التجربة الراهنة، حيث يجمع الخبراء والباحثين الاجتماعيين الى أن سبب انتشار الجرائم والظواهر اللاأخلاقية في المجتمع، الى انعدام – أو شبهه- دور المرأة أو الأم في البيت، وعدم وجود العلاقة المطلوبة بينها وبين سائر أفراد العائلة.

وبالحقيقة؛ هذا يُعد الخطوة البسيطة الأولى والبديهية للمرأة ان تخطوها في مسيرة البناء الاجتماعي والحضاري للأمة، أما الخطوة الأهم والأبعد فهو ما يحدده سماحة المرجع الشيرازي عندما يطالب المرأة بأن تساهم في نشر الثقافة والوعي الديني، وهو في ذلك يشحذ الهمم ويعزز الثقة لدى النساء، ويؤكد بأن لكل عمل وجهد، نتيجة وثمرة، مهما طال الزمن، ويستشهد في ذلك بعلماء من المسيحية واليهود، إستبصروا بدين الإسلام الحنيف، ومنهم ذلك العالم النصراني الذي يتحدث عنه سماحته، والقصة تعود الى ما قبل (200) عاماً، في مدينة أورمية شمال ايران. وبعد مباحثات ومناقشات مع علماء الشيعة، توصل الى أن الحق والصدق الى جانب الإسلام، علماً أنه قد من العمر عتيّا. "فأسلم وصار شيعياً وجعل إسمه محمّد صادق وصار يلقّب بفخر الإسلام وألّف كتاباً بعنوان (أنيس الأعلام)". ويستشهد سماحته ايضاً بأحد علماء اليهود الذي أبدل اسمه بعد إسلامه إلى "محمد رضا"، وكان يسكن مدينة قزوين. فقد تشيّع بعد أن تمّت عليه الحجّة وله كتاب باسم (محضر الشهود).

وهنالك مثالٌ ساطع، ربما تكون المناسبة والمصادفة أن نذكره، وهو مما يستشهد به سماحة المرجع الشيرازي – حفظه الله – وهو "السندي بن شاهك"، المعروف بعدائه وناصبيته للتشيع ولشخص الإمام موسى الكاظم سلام الله عليه، حيث كان المسؤول عن سجنه وتعذيبه، وحتى استشهاده، "لكن الإمام الكاظم سلام الله عليه، استطاع في فترة سجنه أن يهدي أُخت السندي وحفيده إلى الحقّ. فصار الأخير، وكان اسمه "كشاجم" من علماء الشيعة.. وهناك الكثير من هذه النماذج الذين اهتدوا إلى المذهب الحقّ عندما قامت لهم البيّنة أمثال زهير بن القين الذي كان عثمانياً ثمّ اتّبع الإمام الحسين سلام الله عليه واستشهد معه".

وقطعاً هنالك الأمثلة الكثيرة على نجاح عملية الهداية والإرشاد الى طريق الحق، رغم وعورته وصعوبته، وهو ما يجب أن تشارك فيه المرأة المسلمة والواعية والحريصة على سلامة أسرتها ومجتمعها وأمتها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/حزيران/2013 - 26/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م