مما لاشك فيه إن الأزمة السورية لها انعكاساتها سواء على المستوى
الإقليمي أم على المستوى الدولي، هذه الانعكاسات تتباين في تأثيراتها
بحسب مصالح الدول المتأثرة بالآزمة. ولهذا فإننا بحاجة الى توضيح
العلاقة بين تأثير الأزمات الإقليمية على تغيير التوازنات الإقليمية
وعلاقتها بالتوازنات على المستوى الدولي.
- العلاقة بين التوازنات الإقليمية والتوازنات الدولية:
هناك علاقة تأثيرية بين التوازنات الدولية والتوازنات الإقليمية،
فالتوازنات الدولية في أحد أوجهها هي انعكاس للتوازنات الاقليمية. بل
ان قدرة دولة ما على تحقيق توازن استراتيجي دولي مرهون الى حد بعيد
بقدرتها على تعظيم نسبتها في تشكيل تفاعلات السياسة الدولية، وهذه
القدرة تتحدد بمقدار ما تمتلكه من نفوذ في الاقاليم بمختلف انحاء
العالم. ولهذا فأنه تكون بحاجة الى:
1- أن تمتلك رؤية وقدرة وحضورا في التوازنات الاقليمية.
2- وفي مرحلة لاحقة أن تمتلك القدرة على ضبط مسارات التوازنات
الاقليمية، لتتماشى مع رؤيتها لمصالحها.
ولهذا نجد انه في اية قضية اقليمية من شانها ان تؤدي الى تغيير في
طبيعة التوازنات، نجد حضوراً واضحاً للولايات المتحدة الامريكية، وكذلك
للقوى الكبرى وبحسب درجة اهمية الاقليم لمصالحها.
بهذا المعنى فان ما يجري في منطقتنا العربية من تغييرات وأزمات
تحظى بأولوية متقدمة ضمن الأولويات الامريكية، وهذه الأولوية تتأتى
بسبب أهمية المنطقة للمصالح الامريكية. ولهذا نجد ان الولايات المتحدة
الامريكية تحرص على أن :
1- تكون حاضرة في جميع قضايا المنطقة.
2- تعمل جاهدة لتعزيز نفوذها.
3- ضبط مسارات التغيير وبما لا يلحق ضرراً بمصالحها ومكانتها في
المنطقة.
في قبالة ذلك نرى محاولات من قوى دولية كبرى اخرى، كالصين وروسيا،
على سبيل المثال وليس الحصر، تهدف الى:
1- محاولة موازنة الدور الامريكي في المنطقة.
2- اعتراف امريكي بوجود تأثيراً نسبياً لهذه القوى.
4- الحصول على منافع في مناطق اقليمية اخرى، مما يعزز فرصها في
تحقيق التوازن الاستراتيجي العالمي.
- المواقف الدولية والإقليمية من الآزمة السورية:
تتمثل دوافع المواقف الدولية والاقليمية من الآزمة السورية ودرجتها،
بأهمية مصالح الدول في المنطقة العربية، وبالقدر الذي يمثل بقاء النظام
أو تغييره تهديداً لمصالح هذه الدولة أو تلك، أو ضمانة لمصالحها.
وفقاً لذلك، انقسمت هذه المواقف الدولية الى:
أولاً - المحور المؤيد للنظام السوري:
دول هذا المحور يرىإمكانية حل جميع القضايا بواسطة الحوار، وهذا
المحور تمثل بروسيا، بشكل أساسي، ودول أخرى. فروسيا ومن معها تجد أن
تغيير النظام في سوريا سيلحق الضرر بمصالحها، كون مثل هذا التغيير يشمل
أحد أكثر الأنظمة في المنطقة التي لها علاقات مميزة مع روسيا. وبالتالي
فإن تغيير النظام سيقلص الى حد كبير النفوذ الروسي في المنطقة، لا سيما
وأن نفوذ الولايات المتحدة الامريكية يشملمعظم دول المنطقة. وهذا الأمر
سيؤثر سلباً على المكانة الدولية لروسيا.
ثانياً - المحور المعارض للنظام السوري:
دول هذا المحور تسعى لتغيير النظام في سوريا، وأن أي تفاهمات ممكنة
يجب أن لا تشمل بشار الأسد. هذا المحور تمثله الدول الغربية، وبشكل خاص
الولايات المتحدة الامريكية، التي تجد في تغيير النظام في سوريا يحقق
لها أهدافاً مرغوبة، كون هذا النظام، مع إيران وحزب الله، يمثل أحد
أركان محور المعارضة للسياسة الامريكية في المنطقة. وبالتالي فإن
تغييره سيعمل على اضعاف هذا المحور، وهو لا تسمح به أطراف هذا المحور
الممثلة بإيران وحزب الله.
وفي المواقف الاقليمية، أيضاً انقسمت الى محورين. وفي الواقع فإن
انقسام المواقف الاقليمية في كثير من أوجهها يمثل انعكاساً لانقسام
المواقف الدولية تجاه الآزمة السورية، وهي:
أولاً – المحور المؤيد للنظام السوري:
هذا المحور يؤيد النظام السوري، ويسعى الى بقاءه. وتمثل كل من إيران
وحزب الله هذا المحور بشل أساسي. وتكمن الدوافع وراء هذا الموقف كون أن
تغيير النظام في سوريا يضر بمصالح هذا المحور، بل أنه يشكل تهديداً
لوجدهما، لا سيما حزب الله.
ثانياً – المحور المعارض للنظام السوري:
يمثل هذا المحور عدد من الدول العربية، ودول إقليمية مثل تركيا.
وتتمثل دوافع دول هذا المحور في اطار حسابات الحراك الطائفي السائد في
المنطقة، وهي حسابات خاطئة كونها ادخلت المنطقة في حالة من عدم
الاستقرار، لا يسلم أحد من تداعياتها.
ومن بين جميع هذه المواقف تميز الموقف العراقي الذي عبرت عنه
الحكومة العراقية في أكثر من مناسبة، والذي أكد على أنه مع خيار الشعب
السوري، والذي يمكن التوصل اليه بطرق سلمية، وليس كما هو حاصل الآن من
إراقة لدماء الشعب السوري. فالموقف العراقي يتمثل في أنه ليس له مصلحة
في الوقوف مع النظام ولا مع أي طرف أخر، إنما مصلحة العراق بالوقوف مع
خيار الشعب السوري. ومن هذه الرؤية حذر العراق من العواقب التي ستترتب
على قرار رفع الحظر عن السلاح للمعارضة السورية، الذي من شأنه أن يطيل
أمد القتال في سوريا، وهو ما سيلحق المزيد من الأذى بالشعب السوري.
* باحث في العلاقات الدولية /جامعة بغداد |