ثقافة مزوّرة.. أدباء مزوَّرون

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: عشنا فترة طويلة نخاف النقد، نتحاشاه، لأننا نعرف نتائجه، الاقصاء والتهميش والملاحقة والتشريد والقتل، كانت أسلحة الجلاد السياسي او الثقافي ضد النقد أو الرأي الآخر على وجه العموم، ولكن لا تتطور الشعوب ولا تتقدم الدول إلا من خلال إزميل النقد، الذي يجب ان يبقى يضرب صخور المسارات الخاطئة حتى يتم نحتها وتصحيحها.

اليوم نكتب النقد بحذر أقل من السابق، لا نفكر كثيرا بالعواقب، لكن الاقصاء لا يزال موجودا للاسف، فهناك من يتصدر النخب الثقافية والسياسية وسواهما، لا يزال يفكر بطريقة (أما تكون معي أو انت عدوّي)، إذ تغيب لديه ثقافة الرأي المعارض تماما، وهناك للاسف من يغذي هذا المنهج من العامة، فتبدأ عملية صناعة الدكتاتور في الثقافة والسياسة وفي المجالات الاخرى، فيما نحاول بكل ما نستطيع أن نغادر هذا المنهج، وهذا السلوك، أي (منهج صناعة الدكتاتور)، لأننا شبعنا من الدكتاتورية قرونا وعقودا، وتحملنا آلامها ومآسيها بما يكفي من العذاب والقهر والحرمان.

اليوم نحن بحاجة الى النقد الواضح الذي لا يخشى شيئا، معتمدا على الحقائق، منتقدا كل الاخطاء مهما كان مصدرها او حجمها او نوعها، وانطلاقا من هذه الرؤية أقول إن ثقافتنا مزوّرة ومشجعة على التزوير ايضا، وسأطرح فكرتي وأدلتي بوضوح وفقا لقناعتي التي لا ازعم انها قاطعة او صحيحة تماما، بل هي قابلة للنقاش والاخذ والرد.

عندما أقول ثقافتنا مزورة، فأنا استل رأيي هذا من أنشطة بعض المنظمات الثقافية الأهلية، وبعضها مستل أيضا من المؤسسة الثقافية الرسمية، وخير وأقرب مثال، الانتخابات التي جرت مؤخرا في منظمة ثقافية عراقية اسمها (اتحاد الادباء والكتاب في العراق)، هذه المنظمة لها تاريخ مشرف منذ تأسست على ايدي ادباء عراقيين معروفين ومتميزين، ولها دور لا يمكن غمطه في تأسيس وتطوير ثقافة وادب سجل حضورا يشار له بالبنان، وكنا جميعا نتوقع دورا ثقافيا وادبيا رياديا لهذا الاتحاد، بعد ان بدأت مرحلة جديدة في تاريخ العراق منذ نيسان 2003، لكن الذي حصل هو تزوير الثقافة وتزوير الادباء معا.

واقصد بهذا منح عدد لا يستهان به من الاشخاص، هويات الانتماء للاتحاد العريق، بعيدا عن الضوابط المتوخاة، الامر الذي جعل من هؤلاء إلعوبة بأيدي قيادة الاتحاد التي تشبه (الزمرة المتعاضدة) والمتكاتفة على اقتراف الخطأ، من اجل حماية مصالحها، ممثلة بالامتيازات التي يمنحها لها المركز القيادي في الاتحاد، (الايفادات وعقد الصفقات وما شابه)، وحصر ذلك في ادباء وكتاب محدودين لا يمثلون الادب والثقافة العراقية، وكلنا نتفق على أن الثقافة القائمة على التزوير، لا يمكن ان تنهض بأعباء التطوير المأمولة منها، فكيف يمكن ان نرتجي من مجموعة قيادية تحمي نفسها أو مصالحها بالتزوير، أن تطور الادب والثقافة وتعكس هذا التطور على حياة الشعب ككل؟.

فضلا عن فشل قيادة الاتحاد في كتابة نظام داخلي، ينظم عمل هذه المنظمة، ولا يتركها تحت رحمة الاهواء الشخصية، ورغبات الطغيان الفردية، فالكل كما هو معروف ينظر الى المثقفين والادباء على أن انشطتهم تشكل النموذج الافضل لسواهم، من الطبقات الاخرى في المجتمع، بمعنى ان السياسي يتعلم من الادباء والمثقفين، ويجعل منهم دليلا للعمل الصحيح خاصة ما يتعلق بالحقوق المدنية والحريات وما شابه، لذلك فإن أي خطأ يرتكبه المثقفون في هذا المجال، يعد بمثابة الضوء الاخضر لغيرهم، كي يقترفوا كل الاخطاء التي تتماشى مع رغباتهم ومصالحهم.

لذلك فإن الانتخابات التي جرت مؤخرا، على الرغم من أنها جرت بهدوء، كما اعلن رئيس الاتحاد لدورتين وتسع سنوات، ورشح نفسه مرة ثالثة وفاز هو ونائبه، لكن تبقى عملية الاعداد لهذه الانتخابات في الخفاء وعدم كتابة النظام الداخلي الذي يحكم دقة هذه الانتخابات وسواها، وكذلك عملية تزوير الهويات، كل هذه الادلة تجعل من المستحيل ان تكتسب هذه الانتخابات درجة النزاهة المطلوبة، خاصة اذا علمنا ان رئيس الاتحاد السابق ونائبه لدورتين سابقتين، فازا لمرة ثالثة على الرغم من بلوغهما سن متقدمة، تستدعي تسليم مسؤولية القيادة للشباب او الكهول من ذوي التجربة في الادارة الثقافية الناجحة.

وختاما لابد من القول ان كل ثقافة قائمة على التزوير، لا يمكنها الاستمرار والتطور، فضلا عن كونها عاجزة أصلا عن تقديم النموذج الجيد والصورة المصغرة المثلى، للسياسيين وللطبقات المجتمعية الاخرى، لهذا يستدعي الامر من الدماء الشابة التي فازت في هذه الانتخابات واحتلت اماكنها في المجلس المركزي، أن تمنع الرئيس السابق من الوصول الى الرئاسة، ونائبه كذلك، ويجب ان يتم تغيير الناطق الاعلامي من منصبه ايضا، وتغيير أشخاص المناصب الاخرى، واتاحة الفرصة للاخرين ممن صعدوا الى المجلس المركزي لكي يقودوا الاتحاد بطريقة اخرى، متطورة ولها القدرة على كتابة نظام داخلي جديد للاتحاد، واعادة دراسة ملفات الادباء وكشف المزورين، حتى نكون ازاء وسط ادبي ليس فيه ادباء حصلوا على هذه الصفة بالتزوير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/حزيران/2013 - 24/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م