نظرة الإسلام الى العامل الوراثي في الجريمة

عبدالكريم العامري

 

شبكة النبأ: كرس العلماء والباحثون جهودهم العلمية والمختبرية، لمقارنة ودراسة الأدوار الوراثية والبيئية في خلق مناخات ارتكاب الجريمة في المجتمعات، وقد اتبع الباحثون أساليب متعددة في سبيل الوصول الى إثبات وراثية الإجرام، وأهمها:

أولا ـ المقارنة بين المجرم وبين الإنسان البدائي.

ثانياـ فحص أشجار، ومقارنة جرائم المجرم مع بقايا اشجار العائلات التي ينتمي اليها غير المجرمين.

ثالثاـ قياس التشابه في الجريمة بين الآباء والأمهات.

بينما عرفت المصادر الإسلامية العامل الوراثي بأنه: ميل طبيعي في الفرع لمشابهة أصله في تكوينه الجسماني، وفي وظائف أعضائه، وحددها جماعة من علماء الوراثة فقالوا: إنها مشابهة الفرع لأصلة.

يتفق علماء النفس والتربية مع هذا التعريف، إذ أن الإنسان في بدء حياته وتكوينه، إنما هو خلية صغيرة واحدة تسمى ( يجوب) وهذه الخلية هي أعجب ما في هذا الكون، من أغمض الأسرار وأدقها، تدل على عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى، هي تنشأ نتيجة عملية إخصاب بين خليتين هما في غاية الدقة : البويضة والحيوان المنوي. وعندما تتحد هاتان الخليتان تنتجان نواة فرد جديد، في تلك اللحظة يقضى بأن سيكون ذكرا أو أنثى، طويلا أو قصيرا ، ذكيا أو غبيا، عسلي العينين أو ازرقهما، ففي هذه الخلية تنطبع جميع الصفات والمميزات، ولا يمكن أن تتغير. فالوراثة إذن هي: مجموعة المميزات التي تتركز في البويضة المخصبة، لذلك أكد العلماء على حجم التشابه الذي يتم بين الآباء والأمهات وبين الأبناء؛ حيث يكون عندها مصداقا للنتيجة التي توصل لها العلماء: مشابهة الفرع للأصل في مظاهره الشكلية، وخواصه الذاتية، وهو أمر حاصل بين جميع الكائنات الحية.

كشف الإسلام عن ظاهرة الوراثة، حيث أشارت كثير من النصوص المروية عن أهل البيت (عليه السلام) الى حقيقتها ومعالم أثرها على الإنسان ونسله. قال تعالى في قصة نبي الله نوح عليه السلام وهو يصف كيف يلعب هذا العامل دوره الفعال، في تكوين جيل مفسد في الأرض، على غرار آبائه وأمهاته: ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) سورة نوح/ 27.

وقال الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) : ( الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه) .

كلا الدليلين يدلان على أثر العوامل الوراثية في تكوين  شخصية الإنسان، منذ تكوينه جنينا في بطن أمه، ونشأته على تقاليد أسرته من الآباء والأمهات والفروع التي ترتبط بهما.

اهتم أهل البيت (عليهم السلام) عبر توجيهاتهم المتكررة اهتماما بالغا في ذلك، وأولوا هذه الناحية الجهد المتزايد.. فقد قال الإمام الصادق (عليه السلام) لمن يريد الزواج : ( انظر أين تضع نطفتك ومن تشركه في مالك، وتطلعه على دينك وسرك، فإن كنت لا بد فاعلا فبكرا تنسب الى الخير، والى حسن الخلق..فإن الخال أحد الضجيعين) .

ليس هناك من العلماء الإسلاميين الذين درسوا الفقه الإسلامي، واطلعوا على أقوال وتعاليم وسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) واجتهادات الفقهاء في هذه الزاوية، من يعتقد بأن ظاهرة الإجرام تورث فيما يرثه الإنسان من صفات وعيوب، وإنما نحسب أن الإنسان، يولد وهو يحمل في بعض الأحيان بعض الصفات التي تعرقل عملية أهليته الاجتماعية، وأنه يكتسب أثناء طفولته، صفات تعوق وصوله الى الكمال.

الوراثة ليست كل القضية، هي لا تفرض على الإنسان أي شيء إلا بقدر استجابته لها، فالقيادة الحقيقة للإنسان إنما هي بيد إرادته، وهي بالطبع منطقة حرة لا تستطيع أية قوة من القوى اجبارها على سلوك معين.

والإنسان ليس عبدا لسلوك وصفات والديه، ولا يولد مجبورا على طريقتهما في الحياة، بل إنه قادر على أن ينتهج طريقا مناقضا لطريقهما.

كم رأينا من الآباء الصالحين الذين فسد أبناؤهم وانحرفوا عن خط السماء ؟ وكم رأينا من الآباء المنحرفين والمنغمسين في الفساد والجريمة، قد نهج أولادهم طريق الصلاح والخير في الحياة.

نجد في قصة موسى والخضر المذكورة في القرآن الكريم، قصة الأبوين الصالحين اللذين كان انحراف ولدهما محتما لولا أن عاجله الخضر بضربة قاضية أنقذته وأنقذت والديه من عذاب الجحيم. أشار القرآن الكريم لهذه الحقيقة بقوله : ( فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا) سورة الكهف/74  ، كان الجواب : ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) سورة الكهف/ 80.

إذن : لا يصح أن يبرر الواحد منا قائلا: إن أبي كان منحرفا، أو متخاذلا، أو كسولا، وإن علي ان اكون كما كان، وإن ذلك قدر محتوم لا استطيع الانفكاك منه، ذلك لأن الإنسان حر، ولا يستطيع أي عامل خارجي اجباره على نمط معين في حياته .

لقد عالج الإسلام عبر نافذة التوجيهات الدينية والتربوية والعلمية، القضايا الانحرافية السلوكية في المجتمع الإسلامي، وفق نظريات القرآن الكريم، باعتباره الدستور والمنهج الوحيد الذي تمكن من صقل مواهب الإنسان، وسعى بكل نظرياته الأخلاقية أن يحصنه ضد مستنقعات الرذيلة والانحراف الأخلاقي، الذي استشرى في جسد الأمة الإسلامية، حتى أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، وتفككت الأسرة وانحلت قيمها، وأصبح تقليد الأجنبي ثقافة عالية، ينبغي السير وفقها على غرار منهجها الهابط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/حزيران/2013 - 22/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م