مالي... معركة لم تنتهي

 

شبكة النبأ: على الرغم من الانجازات العسكرية المهمة التي حققتها القوات الفرنسية وباقي القوات المتحالفة في مالي والتي أسهمت بإنهاء سيطرة الجماعات الإسلامية وإضعاف قدراتها العسكرية، يرى بعض المحللين ان المعركة لاتزال مستمرة خصوصا وان تلك الجماعات قد بدأت بتنفيذ بعض العمليات الانتقامية في سبيل تغير النتائج الحالية الأمر الذي قد يعيق تنفيذ بعض الوعود المعلنة والتي تهدف الى إعادة الحكم الديمقراطي بعد انقلاب السنة الماضية، وفي هذا الشأن فقد شهدت مدينتا ميناكا وغوسي في شمال مالي هجومين انتحاريين اسفرا عن مقتل اربعة انتحاريين واصابة جنديين ماليين، بحسب ما افادت مصادر عسكرية. وقال مصدر عسكري نيجري وأخر مالي ان الهجوم الاول وقع في مدينة ميناكا الواقعة على بعد نحو 300 كلم شرقي غاو واستهدف معسكرا للجيش النيجري دون ان يوقع ضحايا باستثناء الانتحاري.

واوضح المصدر العسكري النيجري ان "انتحاريا اقتحم بسيارة مدخل ثكنتنا العسكرية في ميناكا حوالى الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينتش. استخدمنا اسلحتنا وفجر الانتحاري نفسه وقتل لكن لا ضحايا في صفوفنا"، موضحا ان الجنود النيجريين "كانوا في حالة تأهب". واكد مصدر مالي في ميناكا هذه المعلومات. وقال ان "انتحاريا فاتح البشرة نجح في دخول معسكر القوات النيجرية في ميناكا. فجر الانتحاري الذي كان يقود السيارة نفسه ورد الجيش النيجري".

اما الهجوم الثاني فقد وقع في غوسي البلدة التي تقع على بعد نحو 185 كلم جنوب غرب غاو. وقتل فيه ثلاثة انتحاريين واصيب جنديان ماليان بجروح. وقال المصدر فجر ثلاثة انتحاريين انفسهم في غوسي. واصابوا جنديين ماليين. هذه الحصيلة المؤقتة التي لدينا. واكد مصدر اداري في الشمال الهجوم الانتحاري الثاني مضيفا ان الانتحاريين الثلاثة وصلوا الى غوسي في شاحنة انطلقت من غاو. بحسب فرانس برس.

وأضاف المصدر "عند وصولهم الى حاجز عسكري في غوسي فجر الانتحاريون الثلاثة السود البشرة انفسهم امام العسكريين الماليين. واصيب جنديان ماليان بجروح". والمسلحون التابعون لتنظيمات اسلامية متطرفة بينها القاعدة، سيطروا لعدة اشهر في 2012 على شمال مالي قبل ان تتمكن قوات فرنسية ومالية من طردهم من معظم هذه المناطق اثر عملية عسكرية فرنسية افريقية بدات في 11 كانون الثاني/يناير 2013. غير ان بعض المجموعات "المتبقية" تنفذ بشكل منتظم عمليات ضد الجيش المالي والقوات الاجنبية في المنطقة.

على صعيد متصل فجّر خمسة "جهاديين" أنفسهم قرب غاو في شمال شرق مالي، على مقربة من دورية للجيش المالي وقتل 2 من جنودها، كما أفاد مصدر عسكري مالي. وقال المصدر إن "دورية عسكرية مالية كانت في بلدة هماكولاجي، شمال غاو. وفجر جهاديون أنفسهم لدى مرورها، ما أدى إلى مقتل عسكريان ماليان على الفور. كما قتل الجهاديون ال5". وأضاف المصدر "عززنا الإجراءات الأمنية في المنطقة".

ونسب الاعتداء الانتحاري إلى حركة "توحيد الجهاد" في غرب أفريقيا المتحالفة مع "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والتي كانت تسيطر على مدينة غاو قبل أن تستعيدها القوات الفرنسية والأفريقية. وقال ضابط مالي كبير ان جنديين ماليين وما لا يقل عن اثنين من المتشددين الإسلاميين قتلوا في هجوم انتحاري استهدف وحدة للجيش في شمال البلاد.

وقال الكولونيل قاسم جويتا وهو قائد كبير للقوات المالية في بلدة جاو الشمالية إن الهجوم وقع عندما توجه الجنود نحو مشتبه به على دراجة نارية كانت تقف بجوار سيارة انفجرت عند اقتراب الجنود. وأضاف أن ثمانية جنود أصيبوا وأن الاشتباكات لا تزال مستمرة المنطقة المحيطة بقرية تسمى هاماكولاجي على بعد 45 كيلومترا إلى الشمال من جاو. وجاو هي أول بلدة كبيرة يجري تحريرها من سيطرة الإسلاميين وهي محور للعمليات العسكرية للقوات الفرنسية والمالية. لكن البلدة مازالت تتعرض لهجمات على غرار حرب العصابات يشنها المتشددون منذ أن تشتتوا في صحراء وجبال مالي.

الى جانب ذلك قتل جندي فرنسي في اقصى شمال مالي، وفق ما اعلنت الدوائر الاعلامية في الرئاسة الفرنسية. وهذا الجندي الفرنسي السادس الذي يقتل في مالي منذ بدء تدخل فرنسا في وبدأت فرنسا سحب جنودها البالغ عددهم حوالى 4500 المشاركين في العملية في مالي كما باشرت بنقل المسؤولية الى قوات المهمة الدولية للدعم في مالي وقوامها 6300 رجل.

الا ان باريس اعلنت ان حوالى الف من جنودها سيبقون في مالي الى ما بعد العام 2013 لتؤازر عند الضرورة قوات الامم المتحدة التي ستخلف قوات المهمة الدولية للدعم في مالي. وخسرت المجموعات الاسلامية المسلحة التي تم تدمير القواعد التي كانت تقيمها في شمال مالي، القدرة على القيام بعمليات منسقة الا انها لا تزال قادرة على مضايقة القوات المالية والجنود الفرنسيين كما حصل خلال الاسابيع الماضية في محيط غاو وتمبكتو.

من جهة اخرى اعلنت وزارة الدفاع الفرنسية إن جهاديا فرنسيا مشتبها به أسرته القوات الفرنسية في مالي وهو واحد من بضعة مواطنين فرنسيين في منطقة الساحل الأفريقي يشتبه في مشاركتهم في القتال ضد بلادهم. وكانت السلطات الفرنسية تبحث عن جيل لو جان منذ تشرين الأول/ اكتوبر حينما نشر شريط فيديو على موقع يوتيوب حذر فيه فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة من التدخل في مالي.

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع "إني أؤكد أسر إرهابي فرنسي في مالي على يد الجيش الفرنسي". وأضاف إن الرجل هو لو جان وقد أسر. وتابع "في الوقت الحالي تحتجزه القوات الفرنسية ويجب تسليمه إلى سلطات مالي". وتقول مصادر ديبلوماسية انه من المعروف إن حفنة من المواطنين الفرنسيين سافروا الى منطقة الساحل في شمال مالي للتدريب للقتال في صفوف المتشددين الإسلاميين. وقالت انباء إعلامية ان لو جان كان معروفا باسم عبدالجليل.

وقالت إذاعة "آر.تي.إل" ان لو جان اسرته القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي العام الماضي واتهمته بالتجسس لحساب الغرب لكن الجماعة افرجت عنه فيما بعد. وقال الرجل الذي عرّف عن نفسه بأنه لو جان في شريط فيديو على يوتيوب انه كان ضابطا في البحرية التجارية وكان قد عمل ايضا لحساب جماعة أطباء بلا حدود الخيرية الفرنسية.

شمال مالي

في السياق ذاته اندلع قتال في شمال مالي بين انفصاليين من الطوارق ومسلحين محليين يقودهم عرب، بعد ايام من حصول مالي على تعهدات بمعونات بقيمة 4.2 مليار دولار لمساعدتها على التعافي من صراع مع متمردين إسلاميين لهم صلات بتنظيم القاعدة. وأكدت مصادر عسكرية ومصادر من المتمردين وقوع الاشتباكات رغم التباين في تحديد الجماعات التي شاركت في القتال.

ويبرز العنف كيف ان جيوب المقاتلين، الذين فروا امام الهجوم الذي قادته فرنسا واستمر اربعة اشهر ضد متشددين مرتبطين بالقاعدة في الشمال، يقوضون جهود استعادة سلطة الدولة قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 تموز/يوليو. وقالت فرنسا ان "الارهابيين" هزموا. وقالت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهي جماعة متمردة من الطوارق، ان قواتها تعرضت لهجوم في بلدة انفيس من رتل من المقاتلين الاسلاميين. وقال المتحدث باسم الحركة في باريس موسى اتشاراتوماني ان "القتال استمر لعدة ساعات وان اثنين من مقاتلي الحركة وسبعة من الاسلاميين قتلوا ".

وقالت الحركة الوطنية لتحرير أزواد انها تقاتل حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا وهي حركة اسلامية سيطرت على بلدة غاو لشهور حتى وقت سابق هذا العام وشنت سلسلة من الهجمات المضادة بأسلوب حرب العصابات على البلدة منذ ان تم استعادتها في الهجوم الذي قادته فرنسا. بحسب فرانس برس.

وقال ضابط في الجيش المالي بعد ان طلب عدم الكشف عن هويته ان "قتالا عنيفا وقع ويبدو انه ناجم عن الصراعات التقليدية بين العرب والطوارق الذين يشكلون الجماعات المسلحة في شمال مالي". لكنه قال ان "الاشتباكات جرت بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد وجماعة عربية تتخذ من شمال تمبكتو معقلا لها". ولم يتسن التحقق من هذه المعلومات من مصدر مستقل.

من جانب اخر ابدى الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري "ثقته" بان المتمردين الطوارق في الحركة الوطنية لتحرير ازواد الذين يحتلون مدينة كيدال في شمال شرق البلاد، "مستعدون لحوار صادق". وقال الرئيس المالي اثر لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس "انا واثق بان الحركة الوطنية لتحرير ازواد مستعدة لخوض حوار صادق وعميق مع بقية مالي".

واضاف الرئيس المالي ان "الحركة الوطنية لتحرير ازواد تضم ماليين، مواطنين لنا عاملناهم في شكل مختلف عن الجهاديين وتحاورنا معهم وتناقشنا". وتابع "في اللامركزية التي تلحظ انتقالا مهما في الاختصاصات والمسؤوليات والوسائل، انا واثق بان الحركة الوطنية لتحرير ازواد ستجد ما يلائمها".

وخلال لقائه الرئيس الفرنسي الذي استمر اكثر من ساعة، كرر تراوري ان "الانتخابات ينبغي ان تعقد في موعدها وقد بادره هولاند "هذا موقفنا ايضا". وذكر الرئيس الفرنسي بانه بعد اكثر من اربعة اشهر على بدء العملية العسكرية الفرنسية، "تم تحرير كل اراضي مالي" و"اليوم لقد انتقلنا الى مرحلة اخرى" مع نشر قوة لحفظ السلام في تموز/يوليو.

على صعيد متصل دعا قادة جيوش الدول الأعضاء في مجموعة غرب افريقيا الى تسوية مسألة كيدال المدينة الواقعة شمال مالي التي ترفض الحركة الوطنية لتحرير ازواد وجود جيش مالي فيها، متسائلين ما اذا كان يجب اعتبار هذه الحركة المتمردة بعد الآن "عدوا". وقال رئيس اركان جيش ساحل العاج الجنرال سومايلا باكايوكو للصحافيين بعد لقاء مع عدد من نظرائه في المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا "تطرقنا الى مسألة كيدال". واضاف "تقدمنا بتوصيات (ستسلم الى قادة المنطقة) تعبر عن الامل في تسوية هذه المسألة على مستوى سياسي".

وذكر بان "المخطط المبدئي للعملية" التي تقوم بها البعثة الدولية لدعم مالي (القوة الافريقية) لم تكن الحركة الوطنية لتحرير ازواد "تعتبر عدوا". واضاف "اذا كان هناك تغيير في هذا المجال، فيجب ابلاغ العسكريين لنتمكن من القيام بالتحركات اللازمة". وتابع ان "الوضع في كيدال يتطلب التوضيح واتخاذ قرار لتحديد المواقف النهائية للجميع لتجرى الانتخابات في أفضل الظروف.

من جانبه قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الانتخابات المقررة في تموز/يوليو "يجب أن تجري على جميع أراضي مالي"، ما يؤكد ضرورة بسط الإدارة المدنية في جميع أنحاء البلاد. وقال هولاند، في مؤتمر صحافي مقتضب في ختام لقاء في الإليزيه مع نظيره النيجري محمدو يوسفو، "يجب أن نقوم بما في وسعنا لتستقر الإدارة المالية المدنية في كل مكان لتنظيم هذه الانتخابات. وستساهم فيها فرنسا عبر حضورها العسكري وأسلحة أخرى".

وشدد على أن "هذه الانتخابات يجب أن تجري على كل أراضي مالي". وقال هولاند إنه "لم تنجح عملية سرفال عسكرياً فقط، بل يمكن أن تنجح الآن على الصعيد السياسي أيضاً. وفي مكافحة الإرهاب، تعتبر السياسة سلاحاً أيضاً". وعملية سرفال هي التدخل الفرنسي ضد المجموعات الإسلامية في مالي.

وأكد هولاند أن "الديموقراطية والانتخابات والأمن والتنمية الجيدة، كل ذلك يساهم في مكافحة الإرهاب". من جهته، اعتبر الرئيس النيجري أن "الإرهابيين وتجار المخدرات مهزومون عسكرياً، حتى لو استمروا في تنفيذ عمليات عشوائية". وأضاف "عسكرياً، يمكننا أن نعتبر أن الجهاديين قد هزموا". وشدد على أن "المهمة المقبلة للأمم المتحدة في مالي يجب ألّا تكون من النوع التقليدي، بل قوية وهجومية".

الى جانب ذلك بدأ الجيش الألماني مهمة تدريب جنود تابعين للقوات المسلحة في مالي. وقال متحدث باسم القوات الألمانية في مدينة كوليكورو، التي تبعد نحو ساعة عن العاصمة باماكو، إن القوات الألمانية بدأت بتدريب 35 جنديا ماليا على التعامل مع المعدات الضرورية في التدريب الهندسي العسكري.

ومن المقرر أن يتدرب الجنود على إزالة الألغام وحواجز الطرق. تأتي هذه الخطوة في إطار مهمة تابعة للاتحاد الأوروبي، والتي تهدف إلى تدريب الجيش المالي الذي يعاني سوء التجهيزات لكي يصبح قادرا على قتال إسلاميين متشددين في شمال البلاد. وتشارك ألمانيا في تلك المهمة بنحو 80 مدربا عسكريا وطبيبا في كوليكورو.

520 مليون يورو

من جهة أخرى قال باروسو إن مؤتمر المانحين سيساعد مالي لتصبح دولة أكثر استقراراً وديمقراطية وأكثر إزدهاراً ويتعهد الاتحاد الاوروبي بتقديم حوالي 520 مليون يورو اي ما يعادل (442 مليون دولار امريكي) "للمساعدة في إعادة إعمار مالي وقال رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو إن المؤتمر "سيساعد الدولة الافريقية الغربية لتصبح دولة أكثر استقراراً وديمقراطية وأكثر إزدهاراً".

وتحتاج الحكومة في مالي الى حوالي 4.3 مليار يورو للعمل على بناء المؤسسات الحكومية والعسكرية في البلاد وإصلاح البنية التحتية المتضررة، وتنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، اضافة الى اقامة حوار مع المجموعات المتمردة في الشمال، وتدعيم الاقتصاد في البلاد. وقال رئيس مالي المؤقت ديوكوندا تراوري إن "يأمل بأن تستطيع الدول المانحة تأمين حوالي 2 مليار يورو خلال المؤتمر".

واضاف تراوري في مؤتمر صحافي بعد لقائه باروسو " أعتقد انها بداية جيدة"، مشيراً إلى انه " من الواضح أن المجتمع الدولي والاتحاد الاوروبي سيقدمان مزيداً من الدعم لمالي، وهذا الأمر ربما يكون غداً أو بعد غدأو خلال اسبوع او شهر". واشار الى أن الاتحاد الاوروبي رحب بخارطة الطريق الانتقالية في البلاد والتي تسعى لإعادة الديمقراطية والاستقرار في البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/حزيران/2013 - 22/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م