بريطانيا وتسليح المعارضة السورية... خيار لا رجعة فيه

 

شبكة النبأ: دفعة جديدة وقوية هذه المرة، جاءت الى سوريا المشتعلة بالحرب الأهلية، لكن ليس باتجاه التوصل الى حل سلمي يعيد الأمن والاستقرار الى هذا البلد، إنما لإذكاء نار الحرب وتعزيز التخندق السياسي والطائفي ، حيث تصر القوات الحكومية في عملياتها العسكرية على قدرتها في سحق الجماعات المسلحة المتمرسة بالدرجة الاولى في المدن وبين الأحياء  السكنية، فيما تواصل عملياتها العسكرية على شكل حرب عصابات وحرب مدن لتضعيف البنية العسكرية وفرض ارادتها السياسية على النظام القائم.

بعد فشل الجماعات المسلحة وقوى المعارضة المتعددة الجهات والانتماءات في تحقيق هدفها منذ عامين على الإطاحة بالنظام الحاكم في دمشق، يبدو واضحاً أن الغرب وتحديداً بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة، وجدتا الأرضية خصبة وصالحة لنمو وتصاعد نيران الحرب رغم ما تكلفه للشعب السوري من إراقة دماء ودمار هائل. فهذا الفشل عالجته بقرار من الاتحاد الأوربي برفع الحظر عن توريد الأسلحة الى المعارضة السورية وإبقائه على النظام الحاكم، وذلك بعد جولات مطولة من المداولات والمناقشات، وصفها وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بـ "الصعبة"، إذ كانت المخاوف، وماتزال في  الغرب من أن تقع الأسلحة الاوربية المهداة للمعارضة، في أيدي جماعات إرهابية ذات وجه قبيح في العالم، مما يوقع الغرب في حرج كبير هو في غنى عنه في الوقت الحاضر.

الجماعات المسلحة بشكل عام، تتصور منذ البداية، أن فكرة التسليح الدولي، من شأنه أن يحقق لهم هدفهم بالإطاحة بالنظام الحاكم، لاسيما وانهم يحاولون من خلال وسائل إعلامهم الترويج لإسم "الجيش السوري الحر"، على أنه تشكيل عسكري له صفة وطنية، يقاتل على جبهات عدة، إلا ان الغرب غير المحتاج الى هكذا ترويج وتسويق إعلامي، يرى بدقة وجود جماعات إرهابية ودموية تقاتل الى جانب هذا الجيش الذي يقوده ضباط منشقون، ولا تريد أن تتورط في إعطاء هذه الجماعات أسلحة حديثة ونوعية أكثر مما هي تمتلك من الاسلحة الخفيفة التي تحصل عليها بفضل الهبات المالية القطرية والتسهيلات التركية. ولذا نرى رد الفعل الفاتر من "الائتلاف السوري المعارض" على هذه المبادرة التي وصفها بـ "المتأخرة". وربما هذا الموقف يزيدها تعقيداً وتمزقاً على ما هي عليه، مع اقتراب عدد ضحايا الأحداث الدامية منذ عامين على (100)ألف قتيل، ودمار هائل في المدن والأحياء السكنية والبنية التحتية، ربما بحاجة الى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بنائه.

ويأتي القرار الأوربي في وقت نجح النظام السوري وبمساعدة روسية كبيرة في تغليب الخيار الدبلوماسي على العسكري، وجاء هذا في آخر لقاء جمع بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، كما ضمنت روسيا هذا التوجه خلال المباحثات التي جرت بين رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الروسي في موسكو، وهذا بمعنى تقوية الجبهة العسكرية للنظام على الأرض، الامر الذي لا يريده الغرب، وربما الذي دفع الدول الأوربية المعارضة لتسليح المعارضة مثل النمسا والسويد وبلجيكا وهولندا، للموافقة على القرار، هو إسراع روسيا الى توقيع عقد صفقة صواريخ بالستية من طراز (أس أس 300) عالية الدقة الى سوريا، وقالت أنها على وشك تسليمها الى سوريا، وهي صفقة تتم ضمن السياقات الدولية المعترف بها، وليس على شاكلة تسليح المعارضة الذي يصطدم مع المواثيق الدولية، وهذا يجعل العواصم الاوربية وواشنطن حذرة جداً من أي موقف عسكري في وقت تخوض الخيار الدبلوماسي مع قرب موعد اجتماع "جنيف" المزمع عقده في شهر حزيران الجاري.

وزير الخارجية البريطاني وليان هيغ، وهو عرّاب تسليح المعارضة السورية قال للإعلام: " أن بريطانيا ليس لديها خطط فورية لإرسال أسلحة إلى سوريا.."، وقد أوضح الغاية من هذا القرار بالقول: "القرار كان صعباً بالنسبة لبعض الدول لكنه كان ضرورياً وقراراً صحيحاً لتعزيز الجهود الدولية الرامية للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع في سوريا"، ورأى فيه رسالة أوروبية مهمة وواضحة تحث نظام الرئيس السوري بشار الأسد على "التفاوض بجدية"، وهو بذلك يلوّح بالخيار العسكري من على طاولة المباحثات في جنيف. وفي الولايات المتحدة قال باتريك فنتريل نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية: "إنه رغم أن القرار يعود في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي، فإن بلاده تدعم تخفيف الحظر على الأسلحة كجزء من جهود المجتمع الدولي لإظهار دعمه الكامل للمعارضة السورية". وأضاف فنتريل: "أن هذا الأمر يمنح الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليونة لمساعدة المعارضة كما يرون"، مكررا أن بلاده تعطي الأولوية حاليا لـ"مساعدة غير قاتلة" للمقاتلين السوريين المعارضين. وحسب مصادر صحيفة "لوس انجلوس تايمز" الامريكية فان الرئيس الامريكي "عارض إدراج الدروع الواقية من الرصاص لمقاتلي المعارضة، وايضاً نظارات الرؤية الليلية الى قائمة المساعدات غير القتالية".

الخطاب الغربي يعطي رسالة يبين وجود مخطط رهيب بعيد المدى للإبقاء على "الوضع الراهن"، وهي تندرج ضمن الاستراتيجية البريطانية القديمة في المنطقة، وعدم إعطاء زمام المبادرة الى الأطراف المحلية، من جماعات معارضة، في شقيها السياسي والعسكري، لأن تتحرك وتحقق تغييرات نوعية وجوهرية على الأرض، وليس أدلّ على ذلك؛ العراق، الذي تحقق فيه التغيير الكبير وسقوط نظام حزب البعث وشخص الطاغية صدام، لكن ليس من خلال السياقات الثورية والمبادئ والمتبنيات الوطنية، إنما من خلال مخطط واسع النطاق تلتقي فيه مصالح سياسية واقتصادية، لأطراف اقليمية ودولية، وهذا لن يتحقق إلا باستمرار حالة الحرب والصراع الدامي لأجل غير مسمّى.

ويبدو ان الكاتب في "واشنطن بوست" الامريكية القريبة من مراكز القرار في  البيت الابيض، يحمل مصداقية كبيرة عندما قال في مقال له: "إن أميركا ستساعد المعارضة السورية لا لتكسب الحرب في أسرع وقت لأن ذلك فوق قدرة أميركا، بل للحفاظ على الحرب في الحدود التي يمكن السيطرة عليها".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/حزيران/2013 - 22/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م