الشغب في السويد... تداعيات اجتماعية واقتصادية مقلقة

 

شبكة النبأ: أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها السويد التي تعتبر إحدى أكثر الدول هدوءا في العالم. لاتزال محط اهتمام الأوساط الإعلامية والشعبية خصوصا في السويد، وأثارت أعمال الشغب نقاشا بين السويديين حول اندماج المهاجرين والذين اصبحوا يشكلون ألان نحو 15% من السكان. والذي يواجه الكثير منهم صعوبات في تعلم اللغة او ايجاد وظيفة رغم العديد من البرامج الحكومية المخصصة لهم.

ويرى الكثير من المحليين الى ان الحكومة السويدية قد أغفلت الكثير من الأمور المهمة التي تخص أوضاع المهاجرين و تراكم مشاكلهم وهو ما آسهم بحدوث هذا الانفجار الخطير، وقد شهدت الأحياء الفقيرة في ضاحية ستوكهولم حيث تقطن غالبية من المهاجرين أعمال شغب حيث تم مجددا إحراق سيارات ومهاجمة شبان من المهاجرين لرجال الشرطة.

وقد امتدت الاضطرابات الى مدن بوسط البلاد لكن لم يسجل اي حادث خارج العاصمة. وأكدت الشرطة ان اعمال الشغب هذه التي اندلعت قبل أكثر من أسبوع تتجه الى الانحسار في نطاقها وحدتها. واكد المتحدث باسم الشرطة لارس بيسترويم للاذاعة السويدية انه "تم احراق بعض السيارات في أنحاء مختلفة من العاصمة ولكن ليس بالمقدار الذي كان يحصل في الايام السابقة".

وأضاف ان دورية للشرطة كانت تمر في حي فاربرغ جنوب ستوكهولم تعرضت للرشق بالحجارة من قبل شبان محتجين، مؤكدا ان ايا من عناصر الدورية لم يصب باذى وان الشرطة لم تعتقل ايا ممن هاجهموها. وفي حي يوربرو الواقع ايضا في الضاحية الجنوبية للعاصمة تعرض رجال الشرطة الى رشق كثيف بالحجارة بينما كانوا يحاولون اعتقال شخص هاجمهم، مما اضطرهم لاستخدام الغازات المسيلة للدموع لتفريق مهاجميهم، كما اضاف المتحدث. وللمرة الاولى منذ بدء أعمال الشغب هذه، توسعت رقعة الاضطرابات الى مدن اخرى قبل ان تعود وتنحصر بالعاصمة. واضرمت النار في السيارات والمباني في مدن اويريبرو وابسالا ولينكويبنغ المتوسطة الحجم.

واعتبر كيل ليندغرين المتحدث باسم شرطة ستوكهولم ان تعزيزات الشرطة الاتية من غوتبورغ ومالمو ثاني وثالث مدن البلاد اللتان شهدتا اضطرابات في خلال السنوات العشر الاخيرة ودوريات المواطنين استمت في خفض حدة التوتر. وقد اعتقلت الشرطة شخصا بتهمة محاولة الاعتداء فيما اوقفت 20 اخرين لفترة وجيزة قبل ان تطلق سراحهم بتهمة تعكير صفو الامن العام بحسب المتحدث.

واثارت اعمال الشغب هذه جدالا بين السويديين حول اندماج المهاجرين الذين يمثلون 15% من التعداد السكاني ويواجهون البطالة بنسبة اكبر من بقية السكان. وفي هاسبي بلغ معدل البطالة 8,8% في العام 2012 مقابل 3,6% في ستوكهولم. وفي الخارج تشوهت صورة السويد كمجتمع مسالم متمسك بمبدأ المساواة. والاضطرابات يعود سببها الى مقتل شخص (69 عاما) في هاسبي من سكان حي فقير في العاصمة على يد الشرطة. وقالت الشرطة انها لم تتمكن من السيطرة على هذا الرجل الذي كان يحمل ساطورا واكدت انها كانت في موقع الدفاع عن النفس. بحسب فرانس برس.

وباتت السويد بفضل سياسة الهجرة الليبرالية التي تعتمدها احدى ابرز الوجهات التي يقصدها المهاجرون الى اوروبا وبينهم رعايا من العراق وافغانستان والصومال والبلقان ومؤخرا من سوريا. وفي عام 2010، شهدت ضاحية رينكبي اعمال عنف لليلتين على التوالي، بينما اثار مئات الشبان في عام 2008 اعمال شغب ضد الشرطة في مالمو (جنوب) احتجاجا على اغلاق مركز ثقافي إسلامي.

وقال نشطاء في المنطقة ان الحادث أشعل الغضب في صفوف الشباب الذين يقولون انهم يعانون من وحشية وتمييز الشرطة. وقال احد مثيري الشغب في هسبي للاذاعة السويدية ان التمييز العنصري منتشر في المنطقة التي يعيش فيها وان العنف هو الطريقة الوحيدة للفت النظر. واضاف "احرقنا سيارات، ورشقنا الشرطة وسياراتها بالحجارة. ذلك جيد لان الناس أصبحوا الان يعرفون هسبي .

 هذه هي الطريقة الوحيدة لاسماع اصواتنا". الا ان الشاب البالغ 25 عاما والذي نشأ في هسبي قال انه لا يعتقد ان مثيري اعمال الشغب لهم علاقة بحادث القتل، مضيفا ان العديد من مثيري الشغب هم من الفئة العمرية 12-17 عاما. واضاف "أعتقد انهم يسرون جدا عندما يرون انفسهم على شاشات التلفزيون".

وترتفع حجم البطالة بشكل خاص في احياء مثل التي وقعت فيها اعمال الشغب وأظهرت دراسة حكومية أجريت حديثا أن نحو ثلث الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاما في بعض أفقر المناطق في كبرى المدن السويدية لا يدرسون أو يعملون. وتتسع الهوة بين الأغنياء والفقراء في السويد بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى وفقا لتقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بالرغم من أن الفقر المدقع لا يزال غير شائع.

وعلى الرغم من أن متوسط مستوى المعيشة لا يزال ضمن الأعلى في أوروبا فإن الحكومات فشلت في الحد من معدل البطالة بين الشبان والفقر وكانت مجتمعات المهاجرين الاكثر تضررا من هذا. وقالت صحيفة (افتونبلاديت) اليسارية إن أعمال الشغب مثلت "فشلا ذريعا" لسياسات الحكومة التي دعمت صعود أحياء المهاجرين في الضواحي.

وقالت اتا مارجريت ليف من حزب اليسار المعارض في صحيفة (سفينسكا داجبلادت) "فشلنا في إعطاء الكثيرين في الضواحي أملا في المستقبل." وجاء حزب الديمقراطيين في السويد وهو حزب مناهض للهجرة في المركز الثالث في استطلاعات رأي قبل انتخابات عامة مقررة العام المقبل مما عكس استياء من المهاجرين بين الكثير من الناخبين.

 الى جانب ذلك اعتبر خبير علم الاجتماع في جامعة مالمو ايي كارلبورن ان سكان المناطق ذات الغالبية من المهاجرين غالبا ما يعيشون معزولين عن سائر اطياف المجتمع السويدي. واضاف كارلبورن ان "العيش منذ الشباب في اماكن تعاني من التمييز يمكن ان يكون صعبا للغاية من نواح عدة. قد لا يكون هناك اي اتصال مع غيرهم من السكان وفي غالبية الاحيان لا اعتقد ان لديهم ادراكا كافيا للمجتمع السويدي".

ونسب وزير الاندماج الحالي اريك اولينهاغ اعمال العنف الحالية الى ارتفاع نسبة البطالة والعزلة الاجتماعية في المناطق ذات الغالبية من المهاجرين في البلاد. وفي هاسبي، بلغت نسبة البطالة الاجمالية 8,8% في 2012، مقارنة مع 3,3% في ستوكهولم، بحسب الارقام الرسمية.

على صعيد متصل قطع رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفيلت صمته ، ليعلن أن مجموعة من الشبان تعتقد أنها تستطيع ويجب أن تحدث تغيرات في المجتمع عن طريق العنف، مضيفا أن هذا غير مقبول و" نحن لن نسمح بأن يديرنا العنف" أكد أيضا على أن السويد بلد ديمقراطي ويؤمن بالقانون الذي يمنح جميع سكانه حقوقا متساوية بغض النظر إذا كانوا في كيرونا أو هوسبي. مضيفا أن أولائك الذين يؤمنون بالعنف كوسيلة لتحقيق اهدافهم غالبا هم خاسرون، لأنهم يعنقدون انهم يستطيعوا القيام بما يحلو لهم. وإذا نحن تراجعنا واستسلمنا لهم فهذا يعني أننا أمام خطر تغيير المجتمع والنموذج الذي بيني عليه

وذكر فريدريك راينفيلدت أنه قام بزيارة سابقة لضاحية هوسبي في نوفمبر الماضي، وكان لديه شعورا بأن الأمور تسير على الطريق السليم، لأنه لمس تغييرا في معدلات البطالة وزيادة في عدد المعلمين والإداريين في المدارس. لكنه اعترف ايضا ان هناك المزيد مما يجب فعله في هذه الضاحية مثل رفع كفاءة المدارس ونتائج التلاميذ والتقليل من العزلة أو بيئة الاغتراب معطيا مثلا محددا يتمثل بانتهاج سياسة اندماج اكثر فاعلية والمساهمة في التأسيس لحياة أفضل "للشبيبة" من خلال حصولهم على معرفة باللغة وبتقوية مهاراتهم من اجل شق طريقهم في الحياة

فان رومبوي يدعو

 في السياق ذاته دعا رئيس الاتحاد الاوروبي هيرمان فان رومبوي القادة الاوروبيين الى تركيز جهودهم على مكافحة بطالة الشباب التي بلغت مستويات قياسية في دول الاتحاد ال27. وقال فان رومبوي في رسالة الى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الاوروبي انه يرغب في ان يجعل من هذه المسألة احدى اولويات القمة المقبلة للاتحاد المقررة يومي 27 و28 حزيران/يونيو والتي ستخصص للبحث في الاوضاع الاقتصادية ومسائل النمو والتنافسية وفرص العمل.

وكتب رئيس الاتحاد في رسالته ان "عدد العاطلين عن العمل ولا سيما من الشباب بلغ مستويات قياسية"، مؤكدا ان البطالة "اصبحت احدى المشاكل الاكثر الحاحا في غالبية، اذا لم يكن كل، الدول الاعضاء. لهذا السبب علينا فعل كل ما يمكننا لادارتها سويا". واضاف ان قمة حزيران/يونيو توفر "فرصة لبذل الجهود على كل المستويات حول هدف مشترك: اعادة الشباب المتحمس الى العمل او الدراسة"، داعيا قادة الدول الاعضاء الى "المساهمة الفعالة" في مكافحة بطالة الشباب. بحسب فرانس برس.

وتستضيف المستشارة الالمانية انغيلا ميركل في 3 تموز/يوليو في برلين اجتماعا لوزراء العمل في دول الاتحاد يخصص للتباحث في سبل حل ازمة بطالة الشباب. وكشفت وزيرة العمل الالمانية اورسولا فون در ليين وزميلها في وزارة المالية فولفغانغ شويبله عن الخطوط العريضة للمبادرة الفرنسية الالمانية لمكافحة بطالة الشباب. وفي شباط/فبراير اعلن الاتحاد الاوروبي عن خطة لمدة سبع سنوات بكلفة اجمالية تبلغ 6 مليارات يورو لمكافحة البطالة لدى الشباب ومن المتوقع ان يبدأ تنفيذ هذه الخطة مطلع العام المقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/آيار/2013 - 19/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م