خبراء في هندسة الطسّات

كاظم فنجان الحمامي

(الطسّات) ومفردها (طسّة) واحدة من المعرقلات المرورية المبتكرة، التي انتشرت هذه الأيام في طرقنا وشوارعنا المحلية، وشاع استعمالها على نطاق واسع إلى جانب الحواجز الكونكريتية والمصدات الأمنية المنتشرة في عموم المدن العراقية، حتى صارت من الملامح الأساسية لمقتربات المدارس والطرق والجسور ونقاط التفتيش ومراكز الشرطة والمؤسسات الحساسة والأزقة الداخلية المؤدية إلى مقار المسؤولين ومساكنهم..

فالطسّات وتعني باللغة العربية الفصحى (المطبات) لها قاموسها الخاص في التطبيقات الهندسية العشوائية، ولها خصائصها العجيبة في تحطيم المركبات والعجلات الحديثة، ولها الدور الفاعل في إخراج القديمة منها من الخدمة، بيد أن المثير للدهشة انه لا يوجد شارع واحد في العراق لم تشوهه الطسّات، ولا يوجد زقاق واحد ليس فيه أكثر من طسّة، ولم تسلم منها حتى المنطقة الخضراء وتفرعاتها وساحاتها، وصار من المألوف رؤيتها داخل المحرمات الجامعية، وبين ردهات المستشفيات وصالاتها، ومن المرجح إنها أصبحت من التضاريس الجيولوجية الثابتة في ملاعب كرة القدم بشهادة نجوم نوادي الدرجة الأولى والثانية، الذين أبدوا تذمرهم مرارا وتكرارا من تكاثر الطسّات والمطبات في ملاعبنا المحلية، وعلى وجه التحديد بين خشبات المرمى وخط الجزاء، ويقال إنها السبب المباشر لمعظم الكرات الطائشة، التي سددها (؟؟؟؟؟)..

تصنيفاتها وتاريخها

تصنف الطسّات في العراق إلى أصناف متباينة في الأطوال والأحجام والألوان والغايات والاستعمالات، وتدخل من ضمنها الحفر والتشققات والأنفاق الصغيرة والحجارة المبعثرة على الطريق والإطارات المعطوبة المتروكة وسط الشارع، فالطسّات عندنا أما أن تكون صناعية أو طبيعية، وأما أن تكون مزدوجة أو منفردة، أو تكون ثابتة أو مؤقتة، أو تكون مرئية أو غير مرئية، أو تكون مرتفعة أو منخفضة، أو طولية أو عرضية، أو مغمورة بالماء أو جافة أو ممتلئة بالقمامة أو مغطاة بالقناني الزجاجية المهشمة، أما المستفيد الأول من ضحايا الطسّات فهم (البنچـرچـية) و(السمكرية) و(الحدادين) وأصحاب ورش صيانة السيارات والدراجات..

يقول خبراء الطسّات إنها من الأخطار المرغوبة في العراق، لكنها ليست عراقية الأصل، ويشاع إنها ولدت في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في ضوء ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز بعددها الصادر في السابع من حزيران (يونيو) عام 1906 انها استعملت أول مرة في مدينة (تشاذام Chatham) في ولاية نيو جيرسي، وكانت بارتفاع خمس بوصات، ثم طورها العالم الأمريكي (آرثر هولي كومبتون) عام 1953، وهو من الحاصلين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1927، واستطاعت مختبرات النقل والطرق البريطانية أن تدخل عليها بعض التعديلات عام 1973..

الطسّات الصناعية

انتشرت المطبات الصناعية بشكل عشوائي ملفت للنظر، وكانت لها سلبياتها ونتائجها التشويهية والاستفزازية، وكانت طرفا مباشرا في تكرر وقوع حوادث السير، لكنها ظلت في نظر عامة الناس، شر لابد منه، وخير لا غنى منه في خضم ما تواجهه شوارعنا من غارات المتهورين والطائشين، الذين لا يحترمون النظام ولا يعبئون براحة الناس وسلامتهم..

لم تصنع المطبات الصناعية إلا للأغراض التي تفيد قائد المركبة، وتحمي عامة الناس، وتقيهم شرور السرعات الفائقة، ويعدها البعض من أهم مستلزمات السيطرة المرورية، لكنها تكون في معظم الحالات متناقضة مع أهدافها من حيث الحجم والموقع، فبعضها يعجز عن درء الخطر، والبعض الآخر يقف عائقا بوجه حركة سير المركبات، من دون أن تراعي الجهات المعنية النواحي الفنية والتخطيطية والأمنية في ضوء المواصفات والمعايير الهندسية المحددة، ومن دون أن تدرس البدائل المناسبة..

يطلقون عليها بالانجليزي (عثرات الطريق Street Bumps)، ويطلقون عليها أحيانا: (مهدئة المرور Traffic Clamping)، أو (Road Humps) وتعني: حدب الطريق، (Hump) تعني: (سنام)، ولها مسميات أخرى حول العالم، ففي جامايكا يسمونها (الشرطي النائم Sleeping Policeman)، ويسمونها في نيوزلندا (كاسرة السرعة Speed Breaker)، أو (الحواجز المرنة Judder Bar)، أو (المنحدرات Ramps)، وتصنع من اللدائن البلاستيكية المعادة، أو من المواد الفولاذية، وربما كان العراق هو البلد الوحيد الذي جمع المطبات المستوردة من جميع المصادر بغض النظر عن أحجامها وأطوالها، ولم تقتصر استعمالاتها عندنا على الأنواع الشائعة، بل تجاوزناها نحو استعمال معظم المواد المستهلكة والتالفة كالإطارات المعطوبة، والحبال المسروقة من السفن، والأنابيب الصدئة والكتل الحجرية، والبراميل المثقوبة....

الطسّات العشوائية المحلية

السائر في شوارع مدينة البصرة وطرقها يكتشف ان معظم الطرق المعبدة حديثا، إن لم تكن كلها، قد تعرضت للتخريب والعبث، وتشوهت صورتها بالأخاديد المحفورة، والتلال الإسفلتية الصغيرة التي قطعت الطريق، وربما يشاهد الناس وهم يدلقون البنزين أو الكيروسين على قارعة الطريق، ويضرمون النيران في المواد الإسفلتية السريعة الاشتعال بقصد إضافة طسّة جديد إلى الطسّات القديمة، بيد أن الملفت للنظر هو ظاهرة الطسّات المصنوعة من الحبال الغليظة المجلوبة من السفن والمراكب البحرية، ولسنا مغالين إذا قلنا إن حجم الحبال البحرية المنتشرة في شوارع البصرة الآن يضاهي حجم الموجود منها في الأسواق، حتى يظن المتجول ان السفن الراسية على أرصفة موانئنا تبرعت كلها بحبالها وأسلاكها وإرمتها وأشرعتها، ووزعتها على الأحياء السكنية، لتتحول فيما بعد إلى طسّات مبتكرة لم تخطر على بال الجن الأزرق..

أشد ما يوجهه قادة المركبات هو صعوبة العبور فوق تلك الحبال الملتوية على قارعة الطريق، وكأنها حيات استوائية متمردة خرجت من جوف الأرض لتلتهم المركبات وتقطع الطريق عليها، أو تجبرها على السير بسرعات سلحفاتية..

حينما نسير في شوارعنا نحس إن الجهات المعنية بجماليتها وصيانتها لم تعد تمارس واجباتها الرسمية المنوطة بها، وكأنها طلقت شوارعنا طلاقا خلعيا لا رجعة فيه، فينفطر قلبك من منظر الشقوق والأخاديد والأنفاق التي حفرها الناس في الشوارع الجديدة، فتحولت إلى كمائن غير مرئية، حتى بات من المألوف رؤية خبراء الطسّات وهم ينفذون مشاريعهم العشوائية والارتجالية لخلق طسّة صغيرة في الطريق المار قرب منازلهم..

وبنظرة سريعة تطرح هذه الأسئلة نفسها: ترى من سمح لهؤلاء بتشويه صورة مدننا وشوارعنا؟، ومن سمح لهم بتخريبها وتدميرها بهذه الأساليب البدائية المزعجة؟، ومن سمح لهم بإلحاق الضرر بالسيارات والدراجات وأصحاب المقاعد المدولبة وعربات بيع الغاز المضغوط؟، ومن هو المسؤول عن تفاقم ظاهرة الحبال البحرية القاطعة لشوارعنا...

 أين الضوابط؟؟.

نرى انه من المفيد أن تتولى الجهات المعنية مراقبة الشوارع، وتفقد مواقع المطبات بهدف التحقق من توفر الضوابط والمعايير المرورية في المواقف النظامية والعشوائية، وحبذا لو تكرمت برفع المطبات من الشوارع الشريانية الرئيسة، ولا بأس من وضع لافتات تحديد السرعات في الأماكن المخصصة لها، وأن يصار إلى وضعها في التقاطعات غير المحكومة بإشارات ضوئية، وإصدار الغرامات المالية بحق الذين انتهكوا جمالية الشوارع، والتصدي لظاهرة تكاثر المطبات غير النظامية التي يقيمها المواطنون أمام دورهم ومحلاتهم وما تسببه من أضرار جسيمة لأصحاب السيارات. كتفكك الصواميل المثبتة لأجزاء السيارات، وكسر أحد النوابض الرئيسة أو إتلافها، وحدوث اعوجاج في القنطرة الأمامية الطولية أو العرضية الخلفية، وتلف قواعد المحرك، أو صندوق التروس، وانحراف زوايا اتزان السيارة، وتحطم الراديتور، أو أحد أجزائها السفلية القريبة من الصدمات..

ختاما نقول لما كان الغرض الرئيس من وضع المطبات هو تحذير سائق المركبة بأهمية التوقف، أو تخفيف السرعة، أو تغيير الاتجاه، أو لتهدئة الحركة المرورية والسيطرة عليها، أو لأغراض أخرى تتعلق بالسلامة العامة، فإنها يجب أن توضع في المواقع الصحيحة حيث تتطلب الحاجة وجودها فعلاً، على أن تلفت انتباه السائق، وتعطيه الوقت الكافي لتخفيف السرعة قبل الوصول إلى موقع المطب، ويتعين هنا استعمال الخطوط التحذيرية اللافتة للانتباه، والعلامات الأرضية العاكسة قبل الوصول إلى موقع المطب، وهي غير موجودة أصلاً في شوارعنا الداخلية، وأن لا يترك الحبل على الغارب لخبراء هندسة الطسّات الذين تمادوا في تخريب شوارعنا وتشويه صورتها...

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/آيار/2013 - 17/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م