الجشع.. أكبر أمراضنا المستعصية!

زاهر الزبيدي

شارع السعدون، الحارثية، ساحة بيروت وغيرها من ساحات الطب المشهود لها بتلك الزحمة المؤلمة من أنواع المرضى أطفال وشباب وكهول من كلا الجنسين، المرض لا يعرف عمراً عندنا فهو يغزونا بلا خجل أو وجل.. تعج تلك الأماكن منذ الظهيرة حتى المساء بالآلاف منهم.. يحملون صور الأشعة ويتزاحمون حول إنتظار الأطباء ويحملون وصفات الأدوية المكتظة بخربشات الأطباء في رموز لا يعرف كنهها إلا أصحاب الصيدليات السياحية.. وصور الأشعة والرنين المغناطيسي والمفراس الحلزوني.. الذي يتحلزن وليلتف على موارد المرضى المالية مضيفاً إليهم مرضاً آخر.

فوصفة واحد لطفل مصاب بالتهاب اللوزتين تكلف أكثر من 50 ألف دينار من الأدوية المستوردة للقطاع الخاص، تجاري، يضاف لها 25 ألف دينار أجور الكشف مع 25 ألف دينار أجور إجراء صورة للأشعة X-ray للصدر مع 25 ألف دينار إذا ما تطور الأمر لإجراء زرع لمسحة تؤخذ من فم الطفل.. المجموع 150 ألف دينار قد يتعافى الطفل معها أو لن يتعافي ليظل أمل والديه معلقاً بتلك المناطق على أمل الشفاء، أما لماذا لا يتعافى فذلك أمر الله ولكن الطفل حينها قد أصبح مسرحاً لإختبار مجموعة من الأدوية عسى أن ينفع معها مضاد ما.

لقد تحولت تلك المناطق الى مولات طبية تجارية كبيرة يتم بها المتاجرة بأرواح الناس فأنت قد لا تحتاج الى صورة الرنين التي تكلف مئآت الآلاف ولكن الطبيب يصرّ أن تجلبها وقد لا تحتاج الى صورة الأشعة وقد لا تحتاج أيضاً الى تلك الماركات العالمية من الأدوية التي تعتبر مكلفاً جداً واثمانها تقارب العشرة أضعاف الدواء الهندي أو العراقي أو حتى السوري والأردني منها، إلا إن الطبيب يصر عليها أيضاً بل ويصر على أن تذهب للصيدلية التي يتفق معها مسبقاً وأن تحضر له الدواء فوراً ليراه.

مائة وخمسون ألف دينار قيمة قطرة للعين غير متوفرة في الأسواق فيقوم صاحب كشك الشاي القريب من عيادة الطبيب بجلبها بطرقه الخاصة من المستشفيات الحكومية ويختلف الإثنان على سعرها والعمولة، فوق الـ 150 ألف دينار، ولا يرضى صاحب الكشك بأقل من 25 ألف دينار لذلك.

السرطان، أو حتى الإيدز، ولا فايروس الكورونا، أو الكبد الفيروسي، ولا الكسور هي أهم أمراضنا ولكنه الجشع الذي انتشر فيروسه القاتل الى قلوب أصحاب المهن الإنسانية وتحولوا بقدرة شيطانية الى وحوش كاسرة تنهب ما تنهبه من جيوب المرضى ممن لا حول لهم ولا قوة إلا التشبث ببعض الأمل بالشفاء على يد أولئك الذين ارتضوا لأنفسهم أن تتلوث بهذا الفيروس القاتل مع نشرهم للإشاعة التي مفادها بأن الأدوية من الصنع العراقي والهندي والسوري والأردني لا تنفع مع الأمراض مما حدى بالناس الى البحث عن بديلها الغالي الثمن كالسويسري والانكليزي والأيرلندي فالباراسيتول العراقي بـ 250 دينار وشريط البنادول بـ 2000 دينار والفرق بينهما ثمان أضعاف السعر وكلاهما له ذات المفعول تقريباً، وهذا مثال بسيط وشائع جداً فجميعنا من أصدقاء الباراسيتول بل وأحبابه حتى أدمنتنا عليه المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية منذ الأزل.

نشد بقوة ونبارك على أمل أن ينجح " مشروع تسعير أدوية القطاع الخاص" الذي أعلنت عنه نقابة الأطباء، حيث وصل المشروع الى مراحله النهائية، كما أعلن عن ذلك السيد نقيب الصيادلة الدكتور عبد الرسول محمود، في خطوة قد تكون لها آثاراً سلبية إذا ما وجد تجار المرض طريقة لمقاومة المشروع بعدم جلبهم لتلك الأدوية أو تسريبها الى السوق السوداء.. هذا المشروع بحاجة الى تضافر الجهود الحكومية لإنجاح ودعم مبادرة النقابة تلك لما لها من أثر بالغ في التخفيف من وطأة الأسعار القاتلة على جيوب المرضى من أبناء شعبنا الذي ما أبتلي بمرض أشد قسوة عليه من الجشع.

وعسى أن نترك كل الأدوية والمضادات الحيوية ونحاول أن نجد دواءاً واحداً فقط للجشع حينها سوف لن نحتاج الى أي مشروع للتسعيرة، شفى الله مرضانا، وحمى الله العراق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/آيار/2013 - 17/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م