مقتل الجندي... نقل معركة الارهاب الى لندن

 

شبكة النبأ: شهدت بريطانيا في الاونة الأخيرة اضطراب أمني خطير، وذلك على خلفية مقتل جندي في شوارع لندن على يد متطرفين إسلاميين، حيث أثارت هذه الحداثة مخاوف كبيرة لدى البريطانيين من انها عملية إرهابية تقف ورائها أهداف وأجندات خارجية تهدف الى زعزعت الأمن القومي البريطاني، فمنذ انتهاء الحادث وبريطانيا في حالة تأهب أمنية قصوى، وسط مخاوف من اعمال انتقامية أخرى.

إذ يرى معظم المحللين ان هذا التصعيد الأمني المضطرد في بريطانيا، هو نتيجة للسياسة التخبط المتبعة في مواجهة الإرهاب من السلطة البريطانية، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية البريطانية ومشاركتها في الحروب كقوى تحالف، فضلا تجنيد ودعم بعض المجاميع الإرهابية بصور غير مباشرة في بعض الدول الساخنة أمنيا، إذ يظهر هذا الحدث أمنية انف الذكر انقلب الإرهاب على داعمي الإرهاب وخاصة في أفغانستان والبلدان الإسلامية.

إذ تشير أصابع الاتهام الى تورط إسلاميين من أصل نيجيري، فعلى الرغم من اندماج مسلمي بريطانيا في المجتمع بشكل جيد، إلا أن غالبية البريطانيين يقابلونهم بالشك، حيث تشن بعض الأوساط البريطانية بشكل مستمر حملات تحرض على الكراهية ضد المسلمين، بالتعصب والعنصرية.

ففي بلد يعد المثال الأوربي في التسامح وقبول الاخر، من البديهية ان ينفي التطرف، لكن قيام بعض الاطراف في بريطانيا  بممارسات عنصرية ضد الإسلاميين الأصوليين أظهرتها بصورة متطرفة، وهو أمر طبيعي لأن التطرف ينتج تطرف موجه من الجانب الآخر، إذ تمثل تلك ممارسات خطوة لردع التشدد وتبرز مخاوف الحكومة البريطانية من انتشار الإسلام، وفي حقيقة الامر أن الضحية الأولى والأخيرة في الصراع هم  المسلمون المعتدلون في بريطانيا.

في حين رأى بعض الخبراء في هذا الشأن ان هذا الحداث الأمني هو عمل فردي على الارجح قام به افراد تأثروا عقائديا بمنتديات الكترونية تبث تسجيلات فيديو لعمليات قطع رؤوس او اعدام مصورة في سوريا او افغانستان او العراق تقوم بها جماعات اسلامية تتبنى فكر القاعدة المتطرف.

وعليه ان أهم المعطيات انفة الذكر المتعلقة بمختلف النواحي الأمنية للبريطانيين، تشير الى ان بريطانيا اليوم تعاني من تدهور امني بشكل غير مسبوق خاصة في الفترة الأخيرة، وربما تشهد الأوضاع الأمنية البريطانية تدهورا جديدا، قد يزعزع الهيبة البريطانية داخليا وخارجيا.

اضطراب أمنية خطير

في سياق متصل عندما ظهر مايكل اديبولاجو في شريط فيديو ممسكا بسكينين ملطخين بالدماء استخدمهما على ما يبدو لقتل جندي، ذهل البريطانيون لتلك اللكنة اللندنية القوية في حديثه عن دوافعه الإسلامية، فكيف يمكن لواحد منهم أن يجنح نحو هذا التطرف؟.

وتتضح الصورة شيئا فشيئا عن هذا الرجل البالغ من العمر 28 عاما، الذي قام مع نيجيري اخر بقتل الجندي لي ريغبي بالسكاكين في احد شوارع لندن قبل ان تطلق الشرطة النار عليهما، واديبولاجو المولود في لندن لوالدين نيجيريين مسيحيين متدينين، يعتقد انه اعتنق الاسلام في اواخر مراهقته ثم ازداد تطرفا.

والقليل يعرف عن المشتبه به الاخر، مايكل اديبوالي البالغ من العمر 22 عاما، والذي مثل اديبولاجو لا يزال في المستشفى تحت حراسة مسلحة. ويعتقد انه ينتمي لاسرة نيجيرية ومقيم في لندن، واصدقاء الطفولة كانوا من بين اكثر من روعهم شريط الفيديو الارتجالي وظهر فيه اديبولاجو بعد دقائق من قتل ريغبي ليقول لاحد المارة انه قتل الجندي لان الجنود البريطانيين يقتلون المسلمين كل يوم.

ويتذكره الاصدقاء كشخص ممازح لديه اهتمامات اي مراهق بريطاني اخر مثل كرة القدم والفتيات والعاب الفيديو والاستماع لموسيقى الراب، وقال احد زملاء الدراسة لصحيفة تايمز "لم يكن سيء السلوك لكنه كان يحب المزاح" واضاف "كان يقع في مشكلات من حين لاخر لكن فقط مع الاساتذة، مثلنا جميعا"، ويتذكر المعارف ان والدة اديبولاجو كانت مسيحية مؤمنة لكن ابنها لم يكترث للدين، وقال احد اصدقاء الاسرة لصحيفة ذي صن "ربته كمسيحي يتحلى بالاخلاق الحميدة والاحترام"، ويبدو ان اديبولاجو اعتنق الاسلام حوالى عام 2003 واثار قلق الاصدقاء والاسرة عندما بدأت افكاره تزداد تطرفا، وقال الامام انجم شودري، احد قادة جماعة "المهاجرون" المحظورة انه يعرف اديبولاجو تمام المعرفة وانه كان يواظب على حضور خطب رجل الدين المتطرف عمر بكري في لندن، وقال شودري لوكالة فرانس برس "كان يشارك في بعض نشاطاتنا في السنوات الماضية" واضاف "كان شابا مسالما جدا، ليس عنيفا على الاطلاق، لطيفا جدا".

وقال شودري ان اديبولاجو غير اسمه الى مجاهد واصبح وجها مألوفا في اجتماعات "المهاجرون" التي اصبحت محظورة بموجب قوانين مكافحة الارهاب البريطانية، واضاف شودري "فقدنا كل اتصال به منذ نحو 3 سنوات"، ونشرت صورة لاديبولايجو يتعارك مع الشرطة في تظاهرة لاسلاميين في 2006 امام محكمة اولد بيلي في لندن حيث كان تجري محاكمة متطرف بتهمة الحث على قتل جنود بريطانيين، وفي تلك التظاهرة دعا المتظاهرون الناس الى "قطع رؤوس من يسيء للاسلام". بحسب فرانس برس.

وقالت تايمز ان اديبولاجو كان يشاهد باستمرار في الاسابيع القليلة الماضية يخطب في السوق الرئيسي في وولويتش، المنطقة الجنوبية من لندن حيث قتل ريغبي ليس بعيدا عن ثكنته العسكرية، وقالت الصحيفة ان الاهالي اعتادوا على "ضجيجه" وخطبه "الانفعالية" وانه كان احيانا يوزع منشورات متطرفة، وقال احد الاهالي المسلمين ويدعى عبدالله لصحيفة تايمز انه شعر بالقلق ازاء موقف اديبولاجو المتطرف في صلاة مؤخرا.

وقال "كان يقول بعض الاشياء التي باعتقادي كانت غريبة جدا"، وفي الفيديو الذي نشر بعد الهجوم يدلي اديبولاجو ببعض التصريحات السياسية ومنها مطالبة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون "باعادة جنودنا الى الديار"، ويقول في الفيديو حاملا سكين مطبخ وساطور ملطخين بالدماء ان "السبب الوحيد الذي دفعنا لقتل هذا الرجل اليوم هو لان مسلمين يقتلون يوميا على يد جنود بريطانيين. مع هذا الجندي البريطاني، نطبق مبدأ العين بالعين والسن بالسن".

ويضيف في هذا التسجيل "انا اسف لأن نساء كن شاهدات على ما حصل اليوم لكن، في اراضينا، الكثير من النساء يرين هذه المشاهد نفسها. لن تكونوا يوما بأمان. اطيحوا بحكومتكم. انهم لا يهتمون بكم"، في وقت كان الجندي المقتول ملقى على الطريق على بعد بضعة امتار وراءه، وتقول تقارير ان اديبولاجو عاشر رفاق سوء وهو في عمر المراهقة رغم محاولات والديه ابعاده عنهم وقال بعض المعارف انه عمل في تجارة المخدرات.

وانتقلت الاسرة الى لينكولنشير بشرق انكلترا في 2002. وداهمت الشرطة منزلا في المنطقة يعتقد انه منزل الاسرة بين عدد من الاماكن التي داهمتها شرطة مكافحة الارهاب ، ويبدو ان اديبولاجو عاد الى لندن بعد عام، بالتزامن مع اعتناقه الاسلام، ليلتحق بجامعة غرينيتش، ويبعد حرم الجامعة بضع دقائق سيرا عن مسرح جريمة القتل.

كاميرون يدين قتل جندي بريطاني

من جهته وصف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اثر اجتماع ازمة حول مقتل جندي في وضح النهار في لندن، الجريمة التي ارتكبها شابان يتبنيان شعارات يطلقها الاسلاميون المتطرفون بانها ليست مجرد "هجوم على بريطانيا" ولكنها ايضا "خيانة للاسلام"، مؤكدا ان التطرف "سيهزم عبر البقاء موحدين".

وذكر بان الارهاب "اودى بحياة مسلمين اكثر من (المنتمين الى) اية ديانة اخرى". واعلنت وزارة الدفاع البريطانية ان الجندي المقتول خدم في افغانستان في العام 2009. واشارت الى ان الجندي ويدعى لي ريغبي انضم الى الجيش في العام 2006 وكان عضوا في الكتيبة الثانية في الفوج الملكي للرماة. واشار اللفتانت كولونيل جيم تايلور في البيان الى ان الضحية كان عازف ايقاع موهوبا وجنديا مدفعيا مجاربا ومميزا خدم بتميز في افغانستان والمانيا وقبرص.

وعقدت اللجنة الامنية "كوبرا" (اختصارا لكابينيت اوفيس بريفينغ روم ايه) اجتماعا ضم الى رئيس الوزراء، وزيرة الداخلية تيريزا ماي ووزير الدفاع فيليب هاموند ورئيس بلدية لندن بوريس جونسون ورئيسي جهازي الاستخبارات الداخلية (ام آي5) والخارجية (ام آي 6) ورئيس الشرطة (سكتلنديارد) وخبراء في الامن، وتناولت المحادثات خلال هذا الاجتماع خصوصا "تماسك المجموعات" المختلفة في بريطانيا, واشارت اوساط رئيس الوزراء الى ان "القوة والاتحاد" في ادانة الجريمة من جانب "المجتمع المسلم" لقيا "ترحيبا من جانب الوزراء". من جانبه اعتبر رئيس بلدية لندن ان "المسؤولية (عن هذا العمل) تقع بالكامل على الفكر الملتوي والمختل لمرتكبيه". بحسب فرانس برس.

واكدت مصادر عدة بحسب وسائل الاعلام البريطانية ان مرتكبي الهجوم معروفان من القوى الامنية قبل الجريمة، في فرضية تحدث عنها ديفيد كاميرون من دون ان يعلق عليها. ونقلا عن ناشط اسلامي معروف هو انجم شوداري الذي كان الذراع اليمنى للشيخ الاسلامي عمر بكري فستق في المنظمة الاسلامية المتشددة المحظورة في بريطانيا "المهاجرون.

الاستخبارات البريطانية تتعرض لضغوط متزايدة

من جانب آخر تعرضت الاستخبارات البريطانية لضغوط لتبرير كيف تمكن اسلاميان متطرفان قاما بقتل جندي بالسلاح الابيض في شوارع لندن، من الافلات من مراقبتها، وكان للاسلاميين اللذين يعالجان في مستشفى في لندن تحت حراسة امنية بعد تعرضهما لاطلاق نار من الشرطة في موقع الجريمة، معروفين من الاستخبارات التي اعتبرت انهما لا يطرحان تهديدا.

وستدرس لجنة برلمانية دور الاجهزة الامنية لكن الوزير اريك بيكلز قال انه حتى لو كان الرجلان معروفين من اجهزة الاستخبارات من المستحيل مراقبة الجميع في كل الاوقات، وصرح الوزير لتلفزيون بي بي سي "اعضاء البرلمان سيفتحون تحقيقا معمقا لمعرفة المعلومات التي كانت بحوزة الاجهزة الامنية لكنني رأيت خبراء امنيين يؤكدون صعوبة مراقبة الجميع في مجتمع حر"، واضاف "هناك فارق كبير بين الاراء المتطرفة وارتكاب جريمة".

وقال ضابط استخباراتي سابق انه من الصعب كشف الهجمات مثل الهجوم الذي ارتكب في وولويش حتى وان كان المهاجمان معروفين من السلطات منذ سنوات، وقال ريتشارد باريت المدير السابق لقسم مكافحة الارهاب في الاستخبارات البريطانية الخارجية ام-اي6 "افترض ان هؤلاء الاشخاص ينتمون الى مجموعة صغيرة لا يكون لها بالضرورة روابط في الخارج او داخل بريطانيا تلفت انتباه الاجهزة الامنية اكثر".

وتساءل "متى يتحول شخص يؤمن بالافكار المتطرفة وينضم الى مجموعة متطرفة الى متطرف عنيف؟"، وصرح لبرنامج "نيوز نايت" على الب بي سي "اعتقد ان كشف هذه الاشارات مهمة صعبة جدا"، وكانت الشرطة تستجوب الجمعة رجلا وامرأة كلاهما في ال29 بعد ان اعتقلا بتهمة التآمر للقتل في اطار هذه القضية.

السبب سياسة بريطانيا الخارجية

من جانبه قال زعيم جماعة إسلامية بريطانية محظورة كان يعرف أحد الرجلين اللذين طعنا جنديا حتى الموت في لندن إن السياسة الخارجية البريطانية هي المسؤولة عن ذلك الهجوم، وقال أنجم تشودري زعيم جماعة المهاجرون إن مايكل اديبولاجو حضر محاضرات كانت تنظمها جماعة المهاجرون وهي منظمة محظورة بموجب قوانين مكافحة الإرهاب في عام 2010 . وعرضت لقطات مصورة تظهر أديبولاجو ويداه مخضبتان بالدماء ويحمل ساطورا وسكينا بعد مهاجمة الجندي في وضح النهار. بحسب رويترز.

وقال عن اديبولاجو "لا اعتبره عضوا في المنظمة لا اعتقد أنه مرتبط بها فكريا.. كان على اتصال (بالمنظمة). اعتاد على حضور بعض الأنشطة"، وقال إنه لم يتعرف على المشتبه به الآخر في الهجوم لكنه لم ير صورا واضحة له، وقالت مصادر مطلعة على التحقيق إن المشتبه بهما بريطانيان من أصل نيجيري وإن السلطات رصدتهما قبل شن الهجوم، وقال مقربون من أديبولاجو الذي شرح في اللقطات المصورة دوافع شن الهجوم إنه نشأ مسيحيا ثم اعتنق الإسلام، وقال تشودري عن الهجوم "ليس من شأني أن أدينه أو أقره على ما فعل... اعتقد أنه إذا كان هناك من يستحق التنديد فإنها الحكومة البريطانية بسبب سياساتها. من الواضح تماما أنها هي السبب"، وتابع قائلا "أظن أننا صدمنا جميعا (بالفيديو). لكنه قال كل ذلك في هذا المقطع... لقد وجه اللوم (لرئيس الوزراء ديفيد) كاميرون وأنحى باللائمة على الجيش وعلى السلطات وقال إنه يتعين على الجمهور البريطاني أن يفعل شيئا لأنهم لا يفعلون شيئا بأنفسهم"، وأضاف تشودري "من البيانات التي أدلى بها يتضح أن ذلك كان مقصودا. السبب واضح .. إنها السياسة الخارجية البريطانية"، وقال إن حظر منظمات مثل منظمة المهاجرون زاد من احتمالات وقوع هجمات في بريطانيا.

من هو منفذ هجوم لندن مايكل اديبولاجو؟

بعد حادثة مقتل أحد الجنود البريطانيين بوضح النهار في العاصمة البريطانية، لندن، تقدم لكم CNN المعلومات المتوفرة حاليا عن المهاجم وخلفيته. بحسب السي ان ان.

- مايكل اديبولاجو هو بريطاني الجنسية، عمره 28 عاما وينحدر من أصول نيجيرية، بحسب ما أكده عدد من أصدقاءه ومرافقيه، بالإضافة إلى وسائل الإعلام البريطانية.

- ولد اديبولاجو في بريطانيا بمنطقة لامبث بالعاصمة البريطانية لندن، وترعرع في منطقة رامفورد بمقاطعة ايسيكس.

- نقلت صحيفة الغارديان البريطانية أن اديبولاجو تلقى علومه الإبتدائية بمدرسة مارشالز وارتداد جامعة غرين ويتش.

- يعتقد أن اديبولاجو اعتنق الديانة الإسلامية عام 2003، وبحسب صديقه المقرب، براء، فإن اديبولاجو كان يبدي شغفه بدينه الجديد.

- يصف البراء اديبولاجو بأنه "شخص محب، ويريد مساعدة الجميع،" ولكنه استدرك بالقول "لم استغرب من حصول هذا الأمر."

وعلمت CNN أن جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني أو ما يعرف بـ "MI5،" كان على علم بأن اديبولاجو كان يشارك في عدد من المظاهرات والاعتصامات للإسلاميين في بريطانيا، إلا أنها لم تكن على علم بأنه على وشك أن يشن هجوما.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/آيار/2013 - 16/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م