الملاحظ على خطاب سدنة الدين تناقضه الصريح لنصوص الدين وذلك
بتحريفه وفقنا للطلب وتلبية للتعصب.. حيث تسميةُ السلطة الإسلامية
نفسَها خِلافة ومعنى هذا المفرد أو المصطَلَح، وهل هي خلافةٌ لرسول
الله من الناحية الزَمَنية، كما تقول نَظَرية (أهل السُنّة)، أم هي
(خلافةُ الله) كما كتب الأُمويون والعباسيون الأوائل على نقودهم، وفي
مخاطبات الشعراء لهم، وفي رسائل كُتّاب الإنشاء في دواوينهم؟ وهذه
القضيةُ مُهمةٌ سواءٌ أَعتبر الخلفاء أنفُسَهمْ خلفاءَ لله أو خُلَفاء
لرسول الله؛ إذ ما هي صلاحياتُهُم في الشأن الديني في الحالتين؟
فالرسول كان يتولى الشأنين الديني والسياسي. وتختلفُ التفسيراتُ في
طرائق تصرُّف الخلفاء الأربعة أو أُمراء المؤمنين من بعده في ممارسة
المرجعية في الشأن الديني والدنيوي...وهنا تطالعنا حقائق نابعة من
القران والسنة وسيرة الرسول ومنطق العقل للعارف الفيلسوف
البيروني..بعيدة كل البعد عن اراء واهواء مفسري الدين وفق مأرب الامراء
وان غيبت جوهر الدين وألغت حقيقة النصوص وجانبت المعقول.
يؤكد العلامة المتضلع والمحقق االنحرير والحكيم الموسوعي ابي
الريحان محمد بن احمد البيروني في الجماهر في الجواهر ص24-25 في مايجب
ان يتحلى به من صفات لمن يتولى خلافة الرسول (ص) وقيادة الدولة
الاسلامية وتمثيل القيم الالهية قائلا: (ولهذا قصر الملك على قبيلة
لتنقبض أيادي سائر القبائل عنه؛ ثم على شخص فضل أشخاصها؛ ثم على نسل له
ولي عهده؛ فصار الملك ملكا لهم. ثم أضيف الى ذلك حال معجز بلغ غاية
القوة وهو التأييد السماوي والامر الالهي بالنص على النسب لايتعدى
عموده كما عليه الامر في الاسلام من قصور الامامة على قريش ومن وجبت له
المودة لهم بالقربى) فالبيروني يرى وجوب نص الهي بانحصار الامامة في
قريش التي هي القبيلة وعلى أسرة داخل قريش هم أولئك الذين وجبت مودتهم
في القربى اي أهل بيت النبي(ص). اشارة الى انه يرى لياقة في الذين وجبت
لهم المودة في القربى للزعامة الدنيوية والملك.
ويؤكد هذا كلام صريح له في السلطان وانه يجب ان يكون عدلا وهو ينزه
الله تعالى عن ان يضع للناس حجة يفسد في الارض حيث يقول : (واما ما ورد
في الخبر(ان السلطان ظل الله في الارض) فمعناه متجه على الذي يكون حجة
لا على المتسلط بالغلبة وكيف يتجه اليه مع ماورد ان (لاطاعة للمخلوق في
معصية الخالق)؟ وإنما قصر الخبر على من يتقبل فعله تعالى في إبقاء
العالم على نظام التعادل وحملهم على مناهج المصلحة حتى تشابه بفعله ظل
الشخص يتحرك بحركته ويسكن بسكونه.إلا ان يسهو بما جبلته كما قال أبو
بكر في قوته الغضبية: ( إن لي شيطانا يعتريني فاذا مال بي فقوموني). -انظر
تاريخ الطبري ج3ص 224 قول الخليفة ابي بكر:(إن لي شيطانا يعتريني فاذا
أتاني فاجتنبوني)-.
فأما من يعبث في الارض قصدا ويخرب البلاد عمدا ويخالف فعل الله مصرا
فتعالى الله عن ان يكون مثله ظله او حجة على خلقه من عنده ).
ان كلام العارف البيروني هذا في الامامة يتناقض تماما مع الاعتقاد
الرسمي لمدرسة السقيفة بها حيث نقرأ مثلا ما ذكره القاضي الحنبلي أبو
يعلى الفراء في هل تجب العدالة والعلم والفضل في الامام الحاكم؟ فنقل
رأى الامام احمد بن حنبل قال: (روي عن الامام احمد رحمه الله الفاظا
تقتضي اسقاط اعتبار العدالة والعلم والفضل فقال- في رواية عبدوس بن
مالك القطان- ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي امير المؤمنين لايحل
لاحد يؤمن بالله واليوم الاخر ان يبيت ولايره اماما عليه برا كان او
فاجرا فهو امير المؤمنين ) الاحكام السلطانية ص20
وروى مسلم في صحيحه عن رسولله (ص) قال:( يكون بعدي أئمة لايهتدون
بهداي ولايستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان
إنس.قال قلت: كيف اصنع يارسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع
للامير وإن ضرب ظهرك واخذ مالك. فاسمع واطع) صحيح مسلم باب الامر بلزوم
الجماعة (20:2-22)
وقال القاضي البقلاني في كتاب التمهيد ما ملخصه: (قال الجمهور من
أهل الاثبات وأصحاب الحديث: لاينخلع الامام بفسقه وظلمه بغصب الاموال
وضرب الابشار وتناول النفوس المحرمة وتضيع الحقوق وتعطيل الحدود ولايجب
الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في تشيء مما يدعو إليه من
معاصي الله.. واحتجوا في ذلك باخبار كثيرة متضافرة عن النبي(ص) وعن
الصحابة في وجوب طاعة الائمة وإن جاروا واستأثروا بالاموال وانه قال(ص)
: اسمعوا واطيعوا ولو لعبد اجدع ولو لعبد حبشي وصلوا وراء كل بر وفاجر)
معالم المدرستين (198:1-199).
فاين هذا الكلام من كلام الحكيم البيروني في وجوب ان يكون الامام
عادلا على خطى النبي (ص) مقتفيا لتعاليم السماء ومطبقا لاحكام القران
وسائرا في اثر سنة رسول الله (ص).
http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/helalAlfakardeen.htm |