العمل في الخليج... شروط المعاناة الصامتة

 

شبكة النبأ: الإجراءات والقرارات المتشددة التي تتخذها بعض حكومات دول الخليج العربي كالسعودية والكويت وباقي الدول الأخرى، ضد العمال الأجانب لاتزال محط اهتمام المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تدين باستمرار مثل هكذا ممارسات قمعية تخالف كل المعاهدات والاتفاقات والمواثيق الدولية خصوصا وأنها تأتي في ظروف اقتصادية صعبة كما يقول بعض المتخصصين، وقد أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس واتش" تقريرا يقول ان حقوق العمال الأجانب في السعودية منتهكة، ليس فقط من جانب أرباب العمل ولكن من جانب السلطات السعودية أيضا. ويقول التقرير ان العمال الأجانب يواجهون حالات تعذيب، ويجبرون على تقديم تنازلات، ويقدمون لمحاكمات غير عادلة عندما يتهمون بارتكاب جرائم.

من جانبها تقول وزارة العمل السعودية انه مع وجود قرابة 8 او 9 ملايين عامل أجنبي في السعودية، فانه من الطبيعي ان تحدث بعض المشكلات لكن هذا لا يعبر عن سياسة عامة تهمل حقوقهم وقد اتخذت السلطات السعودية في الفترة الأخيرة قرار مجحف ضد العاملين على أرضها تم بموجبه ترحيل الآلاف منهم بشكل اجباري، وهو ما عرضها لانتقادات وضغوط شديدة، وفي هذا الشأن يقول مسؤولون في اليمن إن السعودية رحلت نحو 200 الف عامل منهم 20 الف يمني مما زاد من عدد العاطلين في اليمن البالغ تعداده 25 مليون نسمة ويحاول التعافي من الاضطرابات السياسية المستمرة منذ عامين. وقال أحمد عبد الله البيضاني وهو سائق شاحنة في الخمسينات من العمر ويعمل لدى شركة نقل مقرها مكة المكرمة إن الشرطة اعتقلته خلال زيارة لميناء ينبع على البحر الأحمر.

وقال البيضاني وهو أب لاثني عشر ابنا "لم تحترم الشرطة التصريح المكتوب الذي كان معي (لزيارة ينبع) أو تدخلات كفيلي وعاملتني كأنني عامل مخالف." وأضاف "جرى احتجازي لمدة اسبوعين قبل نقلي إلى جدة حيث احتجزت مع مئات الأشخاص لستة أسابيع اخرى قبل ترحيلي."

وقال عبد القادر همام مساعد نائب وزير شؤون المغتربين ان نحو 80 في المئة من اليمنيين في السعودية اشتروا تأشيرات من شخصيات يعتقد على نطاق واسع انهم يحصلون على تصاريح من السلطات السعودية لتوزيعها على معارفهم واقاربهم لكنها تصاريح عمل غير سليمة.

وقال همام إن اليمنيين لجئوا لهذه الطرق للحصول على تأشيرات لأن الإجراءات المعتادة للحصول على تأشيرة سليمة ترقى الى حد الاستعباد. وأضاف انهم غالبا يدفعون ما يصل الى 16 الف ريال للحصول على تأشيرة. وقال همام إن الأشخاص الذين جرى ترحيلهم قد يكونون على استعداد للانضمام لصفوف المتشددين في اليمن الذي يواجه متمردين إسلاميين وانفصاليين ومضى يقول ان البطالة تؤثر على الأمن وعندما يعاني الأمن في جزء من شبه جزيرة العرب فإن الأجزاء الأخرى تتأثر. وتظاهر عشرات اليمنيين أمام السفارة السعودية في صنعاء. ويقول يمنيون ان الكثير من البنية التحتية السعودية منذ اكتشاف النفط في الثلاثينات بناها عمال يمنيون قبل ان تبدأ المملكة في الاعتماد على العمالة الاسيوية. وقالت متظاهرة تدعى اروى "السعودية بناها اليمنيون ويجب الا ينسوا هذا."

في السياق ذاته فقد أعلنت السعودية عددا من التسهيلات والاستثناءات لجميع المنشات والأفراد الأجانب لتصحيح مخالفات نظامي العمل والإقامة والاستفادة من المهلة التي أصدرها العاهل السعودي. وحذرت وزارتا الداخلية والعمل بان الجهات المختصة ستبدأ في الحملات التفتيشية وتطبيق النظام على المخالفين من أصحاب العمل والعمالة الوافدة فور انتهاء المهلة في3 تموز/يوليو 2013.

ومن ابرز التسهيلات المعلنة إعفاء جميع الوافدين المخالفين لنظامي الإقامة والعمل الراغبين في تصحيح أوضاعهم والبقاء للعمل في المملكة من العقوبات والغرامات المرتبطة بمخالفاتهم باستثناء الرسوم، لمن وقعت مخالفاتهم قبل الرابع من ابريل 2013، الى جانب انه في حالة المغادرة النهائية خلال فترة المهلة التصحيحية يتم الإعفاء من رسوم الإقامة ورخصة العمل والعقوبات والغرامات المرتبطة بالمخالفات عن الفترات السابقة.

ولا تشمل المهلة التصحيحية التي أصدرها الملك عبدالله بن عبدالعزيز اعتبارا من الرابع من نيسان/ابريل، المتسللين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية. وبحسب التنظيم الجديد "يمكن للعمالة الوافدة المتغيبة عن العمل (الذين عليهم بلاغات هروب) او انتهت صلاحية أقامتهم تصحيح أوضاعهم اما بالعودة لصاحب العمل الحالي او نقل خدماتهم لصاحب عمل اخر". ويسري نفس الأمر على العمالة المنزلية الهاربة.

وسمحت الإجراءات الجديدة للمتأخرين عن المغادرة من القادمين للحج والعمرة قبل 3 تموز/يوليو 2008 بتصحيح أوضاعهم كعمالة منزلية لدى الإفراد او كعمالة لدى منشات القطاع الخاص وفق شروط معينة، بالإضافة الى السماح بتعديل المهن بغض النظر عن نطاق المنشاة ونشاطها خلال فترة التصحيح بخلاف المهن المقصورة على السعوديين فقط. وأشارت وزارتا الداخلية والعمل بان "فرصة الاستفادة من تصحيح الأوضاع تشمل جميع الجنسيات بلا استثناء، ويسمح للمنشات خلال هذه الفترة بتجاوز النسب المحددة للجنسيات في تركيبة كل منشاة تسهيلا لعملية التصحيح".

وكانت الفترة السابقة شهدت زيارات ماراثونية للعديد من الوزراء ومسؤولي عدد من الدول الى السعودية وعلى راسها الهند وبنغلاديش الى جانب مصر واليمن. وفي رده على سؤال قال فايالار رافي وزير شؤون المغتربين الهندي بان "عدد الجالية الهندية في السعودية يصل الى 2,4 مليون شخص". من جانبه، في السياق ذاته، قال سيبي جورج نائب رئيس البعثة الهندية بالرياض ان "نحو 60 الف عامل هندي سجلوا أسماءهم في السفارة والقنصلية الهندية بجدة رغبة في مغادرة المملكة او تصحيح أوضاعهم ونقل كفالاتهم في أعقاب قرارات وزارة العمل السعودية الأخيرة لتنظيم سوق العمل".

بدورها، قالت ديبو موني وزيرة الخارجية البنغلادشية خلال زيارة للسعودية ان "هناك رغبة سعودية في اتخاذ التدابير اللازمة لتسهيل نقل الكفالة للقوى العاملة (لبلادها) ليتمكنوا من تصحيح أوضاعهم". ويذكر انه يمنع على العمالة البنغلادشية في المملكة منذ سنوات نقل الكفالات نهائيا فيما يسمح بالاستقدام في حدود ضيقة وللمهن النادرة كالطب وغيرها. وعبرت الوزيرة عن "املها في اتجاه ايجابي لاستقدام المزيد من القوى العاملة" من بلادها.

من جانبها، عقدت وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية امة الرزاق علي حمد اجتماعا مع مفرج الحقباني نائب وزير العمل السعودي و"جرى خلال اللقاء بحث قضية العمالة اليمنية في السعودية وما تواجهه من صعوبات بعد تطبيق التعديل الاخير لنظام العمل في المملكة". ووفقا لاحمد الحميدان وكيل وزارة العمل للشؤون العمالية، فان "السعودية تستقبل سنويا أكثر من 1,5 مليون وافد يعملون في شتى المهن" مبينا ان الوزارة اكتشفت وجود أكثر من 342 الف منشأة تعمل بعمالة وافدة لا يوجد فيها سعودي واحد، وانها وظفت أكثر من 615 الف سعودي في القطاع الخاص، منذ الإعلان عن برنامج "نطاقات" الذي يهدف الى تعزيز سعودة الوظائف. بحسب فرانس برس.

وأشار بان "المعدل العام للبطالة، وصل في عام 2011 الى 12,4 في المئة، وجاءت نسبة الذكور 7,4 في المئة، بينما جاءت نسبة الاناث 33,4 في المئة، في حين انخفضت البطالة في النصف الثاني من العام الماضي الى 12,1 في المئة، وجاءت نسبة البطالة في الذكور 6,1 في المئة، وارتفعت لدى الاناث إلى 35,7 في المئة". وشددت السعودية على ان تشغيل او ايواء الوافد المخالف يعرض مرتكبها لعقوبة السجن عامين وفرض عقوبات مالية تصل الى مئة الف ريال ( عن كل مخالفة. كما انه تاخر الوافد عن المغادرة يعرضه لعقوبتي السجن والغرامة.

السعودية والفيليبين

من جانب اخر وقعت السعودية والفيليبين اتفاقية مدتها خمس سنوات تجدد تلقائيا لتنظيم عملية استقدام العمالة المنزلية بطريقة من شانها ان تحفظ مصالح الطرفين، بجسب مصدر رسمي. وأوضحت وزارة العمل ان الاتفاقية تعكس الرغبة في تعزيز التعاون "بطريقة تحقق مصالح البلدين وتحفظ سيادتهما والالتزام بالأنظمة والتعاليم والآداب والعادات وقواعد السلوك التي يجب مراعاتها أثناء فترة أقامة العمالة في السعودية".

ووقع الاتفاقية نائب وزير العمل السعودي مفرج الحقباني ووزيرة العمل الفيليبينية روزاليندا بالدوز. واكدت الوزارة ان "الاتفاقية هي الأولى من نوعها التي يتم توقيعها مع الدول التي يتم استقدام العمالة المنزلية منها". وتابعت ان مدة الاتفاقية خمس سنوات يتم تمديدها تلقائيا لفترات مماثلة، وتتضمن تشكيل فريق عمل مشترك للاجتماع بشكل دوري لمناقشة وحل الإشكالات المستجدة التي قد "تطرا على ان لا يتعارض التعاقد مع الأنظمة والتعليمات المعمول بها في المملكة".

وتتضمن الاتفاقية "توفير بيئة أقامة مناسبة للعامل المنزلي وابرام عقد عمل يحدد التزامات صاحب العمل من رواتب وإجازة سنوية، وتسهيل فتح حساب بنكي من قبل صاحب العمل لإيداع الأجر الشهري". وشدد الجانبان على "اتخاذ الإجراءات النظامية والقانونية تجاه الشركات والوكالات والمكاتب المخالفة لضوابط الاستقدام في البلدين".

وكانت السلطات الفيليبينية أعلنت إجراء محادثات مع السعودية بعد فرض الرياض حظرا على العمالة المنزلية الفيليبينيه عقب نزاع حول الاجوار وظروف العمل. والسعودية بين اكبر البلدان التي تستقبل عمالة فيليبنية حيث يقدر ان 1,3 مليون من اصل تسعة ملايين عامل فيليبيني في الخارج يعملون في المملكة. بحسب فرانس برس.

وقد اعلنت السعودية قبل عامين وقف منح تراخيص عمل للخادمات الفيليبينيات والاندونيسيات بسبب عدم الاتفاق على شروط العمل. وكانت السعودية رفضت المطالب الفيليبينية بتحديد راتب شهري اساسي بقيمة 400 دولار للخادمات. كما رفضت أيضا مطلب الحكومة الفيليبينية بتقديم معلومات عن أصحاب العمل فضلا عن ظروف المعيشة وأماكن السكن التي تستقر بها العاملات، وقالت ان ذلك يخرق خصوصية السعوديين.

قرارات عنصرية

قررت الكويت منع الوافدين المقيمين على أراضيها من ارتياد العيادات الخارجية للمستشفيات العامة في فترة قبل الظهر التي ستخصص للمواطنين فقط، وهو تدبير وصفه ناشطون بأنه "عنصري" وقد اتخذ وزير الصحة محمد الهيفي، وهو نفسه طبيب جراح، قرارا يقضي بان تستقبل العيادات الخارجية للمستشفى العام في منطقة الجهراء غرب الكويت، الكويتيين فقط في الفترة الصباحية اعتبارا من مطلع حزيران/يونيو.

ويقضي القرار الذي نشرته وسائل أعلام كويتية بان تخصص فترة بعد الظهر للوافدين. وسيطبق القرار في مستشفى الجهراء لمدة ستة اشهر "كفترة تجريبية تمهيدا لتطبيقه في باقي المستشفيات" الحكومية. ولا يشمل القرار الأقسام الأخرى في المستشفيات او العيادات خارج المستشفيات. واتى القرار بعد ان اشتكى كويتيون من الانتظار ساعات طويلة للحصول على العلاج في المنشآت الصحية العامة بسبب ازدحامها بالمرضى الوافدين.

ويعيش في الكويت 1,2 مليون مواطن إضافة الى 2,6 مليون وافد، معظمهم من دول أسيوية مثل الهند وباكستان وبنغلادش والفيليبين إضافة الى دول عربية مثل مصر وسوريا. وتقدم الكويت الرعاية الصحية لمواطنيها مجانا فيما يدفع الوافدون رسما قدره حوالي 175 دولارا سنويا للحصول على الرعاية الصحية إضافة الى دفع مبالغ رمزية لبعض الخدمات مثل التصوير بالأشعة.

وندد ناشطون كويتيون بالقرار ووصفوه بان "عنصري". وكتب المحامي المعارض على صفحته في تويتر "لا أستغرب قرار الفصل العنصري الذي أصدرته وزارة الصحة ضد غير الكويتيين". وأضاف "هناك من يظن أن قيم العدالة والمساواة والحرية كلها قيم كويتية فقط". وتمارس دوائر رسمية أخرى هذا النوع من الفصل بما في ذلك دائرة المرور التي تستقبل معاملات الكويتيين فقط في الصباح.

الى جانب ذلك نددت منظمة غير حكومية بترحيل السلطات الكويتية أجانب ارتكبوا مخالفات جسيمة لقانون المرور داعية الحكومة الى التوقف عن هذه الممارسات "القمعية". وذكرت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان في بيان ان "الإجراءات القمعية ضد الأجانب تنتهك المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان".

ونقلت صحيفة الأنباء عن مسؤول في وزارة الداخلية قوله ان 1258 أجنبيا تم ترحيلهم بسبب ارتكابهم مخالفات جسيمة لقانون المرور وذلك ضمن حملة بدأتها السلطات قبل فترة. وطالبت الجمعية الكويتية وزارة الداخلية بوقوف عمليات الترحيل وإخضاع المخالفين للإجراءات القضائية المعتادة. ومن هذه المخالفات، قيادة مركبة بدون رخصة سوق صادرة عن الإدارة العامة للمرور واستخدام المركبة في غير الغرض المخصص لها تحميل ركاب ووافدين ضبطوا يتجاوزون بشكل متعمد الإشارة الضوئية الحمراء. وتؤكد السلطات ان الذين تقرر إبعادهم تبين ارتكابهم لهذه المخالفات في السابق. بحسب فرانس برس.

وتؤدي الحوادث المرورية الى مقتل 400 شخص وإصابة الآلاف بجروح سنويا في الكويت حيث يعيش 3,8 مليون نسمة يشكل الأجانب نسبة 68% منهم تقريبا. يذكر ان وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ذكرى الرشيدي أعلنت ان السلطات تعتزم طرد مئة ألف أجنبي سنويا خلال السنوات العشر المقبلة من اجل خفض عدد العمالة الأجنبية بحوالي مليون شخص. وينص قانون صدر قبل عشرة أعوام على ان يكون الأجانب من حملة الشهادات الجامعية براتب 400 دينار كويتي (الف يورو) شهريا مع أقامة لا تقل عن سنتين اذا أرادوا الحصول على رخصة لقيادة السيارة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/آيار/2013 - 15/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م