الانتخابات في إيران... ممارسة تبيح المحذورات

 

شبكة النبأ: تشهد المعركة الانتخابية السياسية الحامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية مراحل حاسمة تضفي نوعا من الإثارة والتشويق على الصراع الانتخابي الملتهب، نظرا لتقلبات والمفاجئات المستمرة، فبعدما دخل سباق الانتخابات الرئاسية مرحلة جديدة بمفاجأة ترشح اثنين من المستقلين كل من اسفنديار رحيم مشائي الذي يلقى دعم الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد وأكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق وأشهر شخصية سياسية في إيران، مما اثار غضب المرشحين المحافظين المقريين من المرشد الاعلى للجهورية اية الله علي خامنئي الذين يطالبون باقصائهما عن المعركة، لتأتي بعد ذاك مفاجأة أخرى بإعلان مجلس صيانة الدستور رفضه ترشح رفسنجاني ومشائي للانتخابات الرئاسية الايرانية.

فقد افسح رفض ترشيحي رفسنجاني ومشائي وهما من اعداء المحافظين، المجال في الانتخابات الرئاسية الايرانية المقررة في 14 حزيران/يونيو امام الموالين للنظام في غياب مرشحين بارزين من المعسكر الاصلاحي المعتدل، وبالمحصلة فان السباق سيكون اساسا بين مرشحين محافظين.

لكن مازال بامكان رفسنجاني ومشائي التظلم لدى المرشد الاعلى للجهورية اية الله علي خامنئي الجهة الوحيدة التي يمكنها الغاء قرارات مجلس صيانة الدستور.

إذ يرى الكثير من المحللين بأن القيادة العليا في إيران وأبرزهم الزعيم الإيراني الأعلى آيه الله علي خامنئي يعمل بكل السبل من أجل الحصول على المزيد من السيطرة، فله خلافات عميقة الجذور مع رفسنجاني ومشائي اللذان يمثلان تهديدا لسلطة الزعيم الأعلى، خشية إضعاف نفوذ رجال الدين والزعيم الأعلى في حال فوز أحدهما.

فيما رأى محللون آخرون ان اقصاء رفسنجاني سيخلق انقسامات داخل الاوساط الدينية والسياسية في ايران، لكن كما يبدو كبير المفاوضين في الملف النووي الايراني سعيد جليلي الاوفر حظا للفوز من بين المرشحيين المحافظين، وخصوصا لخامنئي القول الفصل في السياسة النووية وسياسات الدولة الاخرى ويعتقد انه يريد رئيسا أكثر طاعة من أحمدي نجاد. ويمكن لخامنئي ان يعيد رفسنجاني ومشائي الى سباق الرئاسة بمرسوم لكن محللين يرون ان هذا غير متوقع.

في الوقت نفسه هدد أحمدي نجاد من قبل بالكشف عن ادلة تدين خصومه بالفساد وان كان محللون يرون ان تحدي المؤسسة الحاكمة بهذا الشكل له مخاطر جمة.

لكن يرى بعض المحللين المتخصصين في النظام الانتخابي الايراني ان النفوذ الذي يتمتع به الزعيم الاعلى وحلفاؤه في المؤسسة الحاكمة يفوق أي دليل أو أي شيء لدى أحمدي نجاد وفريقه، ولا تريد المؤسسة الدينية والعسكرية المحافظة في ايران بقيادة خامنئي تكرارا الاحتجاجات الحاشدة التي حدثت في انتخابات عام 2009، وهم يعتقدون أيضا ان أحمدي نجاد الذي اختلف مع المحافظين في ايران منذ اعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية عام 2009 يحاول الاحتفاظ بالسلطة من خلال الدفع بحليف له إلى سدة الرئاسة.

لذا تفاوتت آراء المحللين حول ماهية صراع السلطة في ايران مستقبلا بين هدف تصدير أزمة وتفجير أزمة جديدة، فمنهم من يقول بأن هذا الصراع المحموم يسعى لتحقيق أجندة شخصية، في حين يرى محللون آخرون بان ذاك الصراع يهدف لخلق قوى جديدة بين الإطراف السياسية أكثر توازنا، وقد يعلن الصراع المحموم في ايران عن تحدي وصراع جديد يضع جميع اللاعبين الرئيسيين تحت وطأة المؤامرات في المرحلة القادمة، فعلى غير المعهود شهدت هذه السنة الانتخابية صراعات ونزاعات حامية الوطيس لاقتناص الرئاسة الايراني، وهذا يشعل لهيب صراع الانتخابات الرئاسية المقلبة، بفضل احتدام المعركة الانتخابية بين المحافظين ومنافسيهم، وهذا ما يبقى مشهد الانتخابات الأمريكية قيد الحسم حتى اللحظة الراهنة.

رفض ترشح رفسنجاني ومشائي

في سياق متصل اعلن في ايران عن رفض ترشح كل من الرئيس الاسبق اكبر هاشمي رفسنجاني واسفنديار رحيم مشائي، في الانتخابات الرئاسية ليوم 14 حزيران/يونيو التي يتوقع ان تشهد فوز انصار النظام القائم، واعلن التلفزيون الرسمي ان رفسنجاني الرئيس الاسبق (1989-1997) والبالغ من العمر 78 عاما ليس ضمن قائمة مجلس صيانة الدستور الجهة المكلفة فرز المرشحين من بين 686 شخصية سجلت اسماءها، واضاف التلفزيون ان اسفنديار مشائي المقرب من الرئيس المنتهية ولايته محمود احمدي نجاد لم يقبل ترشحه ايضا، ولم يحدد المجلس اسباب رفضه ترشحهما.

وقال مشائي بحسب وكالة فارس "اعتبر اسقاط ترشحي ظلما وساحاول اصلاحه باللجوء الى المرشد الاعلى"، وقال مقرب من رفسنجاني ان الاخير سيقبل قرار مجلس صيانة الدستور، والرجلان يمثلان عدوين لدودين للمحافظين الذين كانوا يطالبون برفض ترشحهما، وهم ياخذون على رفسنجاني دعمه لتظاهرات تلت انتخاب احمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009. والولايتان اللتان تولاهما رفسنجاني شهدتا اعادة اعمار ايران بعد الحرب مع العراق وانفتاحا نسبيا على الغرب ما يجعل من رفسنجاني مرشحا "بالوكالة" للاصلاحيين، بحسب دبلوماسي غربي، اما مشائي فينظر اليه المحافظون باعتباره بعيدا جدا عن خط المرشد الاعلى. كما انه يدفع ثمن قربه من احمدي نجاد الذي تعرض لانتقادات شديدة من المحافظين في ولايته الثانية، ولا يتيح الدستور الايراني لاحمدي نجاد الترشح لولاية ثالثة. بحسب فرانس برس.

وبالمحصلة فان السباق سيكون اساسا بين مرشحين محافظين وضمنهم بالخصوص وزير الخارجية السابق علي اكبر ولايتي (1981-1997) ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف ورئيس البرلمان السابق غلام علي عادل-حداد، وبين المرشحين ايضا رئيس المجلس الاعلى للامن القومي وكبير المفاوضين في الملف النووي سعيد جليلي الذي يحظى بدعم المحافظين المتشددين ومحسن رضائي الرئيس السابق لحراس الثورة الذي كان ترشح لانتخابات 2009، وتضم القائمة ايضا محافظين معتدلين هما حسن روحاني كبير مفاوضي الملف النووي في عهد الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي (1997-2005) ومحمد غرازي الوزير السابق في عهد رفسنجاني.

ولا يمثل التيار الاصلاحي سوى محمد رضا عارف وزير الاتصالات الاسبق في عهد خاتمي، ويبدو التيار الاصلاحي ضعيفا جدا بعد اربع سنوات من تظاهرات كبيرة تلت اعادة انتخاب احمدي نجاد. والمرشحان السابقان مير موسوي ومهدي كروبي اللذين نددا بما قالا انه تزوير واسع، هما الان رهن الاقامة الجبرية، وتنطلق الحملة الانتخابية رسميا الجمعة وتنتهي في 13 حزيران/يونيو، ويتوقع ان تهيمن الازمة الاقتصادية على الحملة الانتخابية.

افساح المجال امام المحافظين بعد ابعاد رفسنجاني ومشائي

على الصعيد نفسه احتج الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بشدة على اقصاء مجلس صيانة الدستور احد اقرب المقربين منه عن الانتخابات الرئاسية بعد اقصاء الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني، مفسحا في المجال امام الموالين للنظام، واعلن احمدي نجاد انه سيرفع القضية الى المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية ملتمسا اعادة ترشيح اسفنديار رحيم مشائي. ووحده المرشد الاعلى يستطيع ان يطلب ذلك من المجلس المكلف النظر واقرار طلبات الترشيح الى الاقتراع واعادة النظر في الملفات، واعلن احمدي نجاد على موقعه الالكتروني "انني اعتبر رحيم مشائي رجلا مؤمنا مؤهلا مفيدا يخدم البلاد ولهذا اقترحت ترشيحه، لكنه وقع ضحية ظلم"، واضاف "ساتابع هذا الملف حتى النهاية واطلب تدخل المرشد الاعلى"، لكن الرئيس الذي يتعذر عليه الترشح لولاية ثالثة على التوالي لن يذهب الى حد المواجهة ودعا انصاره الى "التحلي بالصبر" مؤكدا ان "بوجود المرشد الاعلى لن تحدث مشاكل في البلاد"، وقد تدخل آية خامنئي في 2005 لرفع اقصاء مرشحين اصلاحيين.

من جانبه اعلن رفسنجاني (1989-1997) انه لن يطعن في قرار استبعاده، وقال رئيس حملته الانتخابية اسحق جهانكيري ان "هاشمي رفسنجاني لن يحتج على اقصائه"، وفي تصرح نقلته وكالة الانباء الطلابية ايسنا قال ان الرئيس السابق (78 سنة) ان رفسنجاني "جزء من ركائز النظام وسيظل كذلك ان شاء الله"، ويأخذ الجناح المتشدد في النظام على رفسنجاني دعمه تظاهرات الاحتجاج على اعادة انتخاب احمدي نجاد في حزيران/يونيو 2009، ولم يبرر مجلس صيانة الدستور قراره لكن الناطق باسمه عباس علي كدخدائي تحدث عن الاخذ في الاعتبار حالة المرشحين "الصحية" في اشارة واضحة الى رفسنجاني.

واعتبر المحلل القريب من المحافظين امير محبيان في تصريحات نشرتها الصحافة ان "الرياح مواتية له" مؤكدا انه "محافظ اكثر من الاخرين ويؤمن اكثر بالقيم الثورية وهو اقرب الى اصحاب القرار في السلطة" كما قال صدقيان، والتقى جليلي العديد من رجال الدين في مدينة قم المقدسة، معقل التيار الشيعي الايراني وقال ان "ما حققناه من نجاح في السياسة الخارجية كان بفضل مقاومة (الدول الكبرى الغربية) وليس سياسة التسوية" في اشارة الى الاصلاحيين والمعتدلين المقربين من الرئيسين السابقين رفسنجاني ومحمد خاتمي (1997-2005).

لكن عليه ان يحترس من ترشيح محمد باقر قالباف الفخور بمشواره كعمدة طهران منذ 2005 وقائد الشرطة سابقا وعضو القيادة العسكرية، وفي مواجهة المحافظين لا يتمتع المرشحون المعتدلون والاصلاحيون بحظوظ كثيرة، وابرزهم حسن روحاني وهو رجل دين مقرب من رفسنجاني ومسؤول سابق عن المفاوضات النووية مطلع سنوات الالفين، في حين لم يبرز الاصلاحي محمد رضا عارف الذي كان مساعد الرئيس محمد خاتمي على الساحة السياسية.

لا يمكن للنساء الترشح للانتخابات الرئاسية

على صعيد آخر اعلن عضو في مجلس صيانة الدستور المكلف الاشراف على الانتخابات الرئاسية في ايران ان المراة لا يمكنها الترشح لهذه الانتخابات المقررة في 14 حزيران/يونيو، ما يقوض امال ثلاثين مرشحة، وقال اية الله محمد يزدي رجل الدين المحافظ والرئيس السابق للسلطة القضائية كما نقلت عنه وكالة مهر للانباء ان "القانون يحظر على النساء تولي الرئاسة"، لكنه لم يوضح ما اذا كان موقفه ينبع من تفسير شخصي او يعكس موقف مجلس صيانة الدستور المكلف الموافقة على الترشيحات للانتخابات الرئاسية.

وتتيح المصادقة على الترشيحات للنظام الايراني التاكد من التزام المرشحين لمبادىء الجمهورية الاسلامية، ومنذ الثورة الاسلامية العام 1979، رفض المجلس ترشح النساء للانتخابات الرئاسية مقابل السماح لهن بالترشح للانتخابات التشريعية، وستعلن بداية الاسبوع المقبل اللائحة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية في ايران، علما بان نحو سبعين شخصا بينهم ثلاثون امراة سجلوا ترشيحاتهم.

الخارجية الفرنسية تدعو لتمكين شعب ايران من اختيار قادته بحرية

الى ذلك اعتبرت وزارة الخارجية الفرنسية ان ابطال ترشيح اثنين من ابرز المرشحين الى الانتخابات الرئاسية الايرانية "يجسد حجم المأزق الذي يعانيه النظام"، مؤكدة ان "الشعب الايراني يجب ان يتمكن من اختيار قادته بحرية"، وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو ان "قرار مجلس صيانة الدستور يجسد حجم المأزق الذي يعانيه النظام الايراني. معايير الاهلية للانتخاب تفتقر بما لا يقبل الشك الى الشفافية"، واضاف "الشعب الايراني يجب ان يتمكن من اختيار قادته بحرية ويستحق ان يتم احترام حقوقه الاكثر اساسية مثل حرية التعبير والرأي".

واشار الى انه "بشكل اكثر عموما، هذه الانتخابات ستجرى في جو من القمع المتنامي في ايران وفي حين لا يزال الرمزان الاساسيان للمعارضة الاصلاحية، (مير حسين) موسوي و(مهدي) كروبي قيد الاقامة الجبرية".

والثلاثاء، تم استبعاد اثنين من ابرز المرشحين الى الانتخابات الرئاسية الايرانية، الرئيس السابق اكبر هاشمي رفسنجاني واسفنديار رحيم مشائي المقرب من الرئيس محمود احمدي نجاد، عن خوض الاستحقاق الانتخابي المزمع اجراؤه في 14 حزيران/يونيو.

وعبر اقصاء هذين المرشحين المكروهين في اوساط المحافظين المتشددين، فتح مجلس صيانة الدستور المجال امام انصار النظام للفوز بهذه المعركة الانتخابية، واكد احمدي نجاد انه سيطرح الموضوع امام المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية. وحده المرشد اية الله علي خامنئي بامكانه ان يطلب من مجلس صيانة الدستور، الهيئة المكلفة الموافقة على الترشيحات الى الانتخابات الرئاسية، اعادة النظر في اي ترشيح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/آيار/2013 - 15/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م