سوريا والسلام... إيحاءات مصالحة بعيدة المنال

 

شبكة النبأ: دخل الصراع السوري عامه الثالث ويبدو انه دفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ مبادرات جديدة، من اجل التوصل الى حل سياسي لتسوية النزاع المدمر الذي يتخذ أشكالا أكثر وحشية يوما بعد يوم مع تزايد العمليات العسكرية بين القوات الحكومية والجماعات المتمردة، وحتى الان لم تنجح التحركات الدبلوماسية الدولية المكثفة خلال الاونة الاخيرة في فتح كوة في الازمة المستمرة منذ ثلاثة اعوام تقريبا، لكن طرح محادثات السلام بالاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا مؤخرا قد تفتح بوابة جديدة لحل للازمة السورية العنيفة وتعطي امال كبيرة لإنهاء الصراع الدموية الذي تسبب بمآسي إنسانية دمرت سوريا، وأوقعتها في هوة حرب ضروس كشفت أبعادها الطائفية الدموية المرسومة بأجندات خارجية متعددة المقاصد.

ويرى أغلب المحللين  ان اقترح الولايات المتحدة وروسيا عقد مؤتمر للسلام لمحاولة إنهاء الحرب،  لن تجدي في ظل تفاقم وحشية طرفي الصراع، مما يعني أن مؤتمر السلام حدثا غير مرجح مثل توقيع اتفاق سلام قد لا يوقف الفظائع والقتال بين الميليشيات المختلفة، وهذا يعني ان محادثات السلام السورية محكوم عليها بالفشل مقدما.

بينما يرى محللون آخرون  بأن الازمة السورية مازالت تتأرجح بين صراع الأجندات المفتوحة والمناورات السياسية بسبب المؤامرات وأجندات السياسية المختلفة لتصفية الحسابات  بين الأطراف المتنازعة خاصة الدولة الإقليمية، وعدم نجاح المفاوضات سواء التي كانت بالترهيب ام الترغيب، وخلاصة القول بأن هذا الصراع الدولي سيبقى مضمارا لسباق الأنفاس الطويلة ومشروعا لفوضى مكلفة الخسائر، وجعلت العوامل آنفة الذكر كلها التسوية السياسية باسم السلام أمرا صعبا ومستحيلا حتى في المستقبل القريب.

محادثات السلام فاشلة

إذا ظن أحد ان اتفاق الولايات المتحدة وروسيا على عقد مؤتمر للسلام بشأن سوريا يؤذن بانفراجة محتملة فإن الزعماء الغربيين يحاولون جاهدين تبديد ذلك الاعتقاد.

وأشاد المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بالخطة باعتبارها "اول انباء تبعث على التفاؤل" بشأن سوريا منذ وقت طويل وارجأ خططه الشخصية للاستقالة بعد تسعة أشهر من جهود الوساطة غير المثمرة، ووصف الإبراهيمي الاقتراح بانه "مجرد خطوة أولى" لكن حتى الراعين لها يقللون من إمكانية ايجاد نهاية سريعة لحرب تشير التقديرات إلى انها حصدت أرواح ما يربو على 70 ألف شخص وتعد الصعوبات التي يشيرون إليها علانية جزءا ضئيلا من تلك المشكلات والصعاب الكامنة.

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما "إنني لا اقدم وعدا بأن هذا الأمر سينجح." وأضاف أن من بين العقبات التي تقف في طريق ذلك إيران وحزب الله اللبناني وكلاهما من المؤيدين للرئيس بشار الأسد بالإضافة إلى جبهة النصرة المعارضة والتي لها صلات بتنظيم القاعدة.

ولم يشر أوباما إلى الشقاق المزمن في صفوف المعارضة المدعومة من الغرب أو الانعدام شبه الكامل لسيطرتها على مقاتلي المعارضة وأغلبهم حاليا من الإسلاميين، وقال "حين يطلق العنان للغضب في موقف مثل الذي نراه في سوريا يصبح من الصعب جدا اعادة الامور الى ما كانت عليه."

وتهتم الولايات المتحدة وروسيا بتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وبكبح التشدد الإسلامي لكنهما ما زالا يختلفان بشكل كبير بشأن كيفية تحقيق السلام في سوريا وتحديد مستقبلها السياسي.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعارض التدخل العسكري الخارجي أو تسليح المعارضة عقب محادثات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "إنه من المهم للغاية تفادي أي إجراءات قد تؤدي إلى تفاقم الوضع."

وقصفت إسرائيل التي تشن حملة على إيران وحزب الله أهدافا بالقرب من دمشق هذا الشهر في اطار صراعات اقليمية تعقد الحرب في سوريا وتزيدها اشتعالا. واتخذت بعض هذه الصراعات إيحاءات طائفية قوية مثل الصراع بين السعودية السنية وإيران الشيعية.

وتقول روسيا إن بقاء الأسد في السلطة ليس هدفها لكنها تصر على ان استبعاده يجب ألا يكون شرطا مسبقا للمحادثات، وقال مسؤول روسي إن هناك توافقا موسعا على أن الأزمة في سوريا باتت رهيبة. وأضاف "علاوة على ذلك هناك الكثير جدا من الخلافات: من الذي يمكنه المشاركة في هذه الترتيبات: من الذي له صفة الشرعية ومن الذي لا يتمتع بالشرعية."

وشكك وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في امكانية عقد محادثات جنيف الرامية إلى تشكيل حكومة انتقالية تتولى سلطات الأسد، وقال فابيوس لراديو ار.تي.إل "أنا أدعم محادثات (جنيف 2) لكن الأمر صعب للغاية"، وقد يكون التعاون غير الحاسم بين واشنطن وموسكو ساهم في استقالة سلف الإبراهيمي كوفي عنان المبعوث الدولي السابق العام الماضي بعد شعوره بخيبة الأمل من تعثر الجهود الدبلوماسية بسبب الانقسامات بين القوى الكبرى لكن حتى اذا نسقا جهودهما فربما يكونان غير قادرين على وقف صراع امتد بالفعل إلى جيران سوريا.

وما زال يتعين الانتظار لمعرفة ما اذا كان بامكانهما اقناع حلفاء سوريا المتشككين بشكل كبير بالانضمام إلى مفاوضات جنيف، ويعقد ائتلاف المعارضة السوري الرئيسي المدعوم من الغرب وبعض الدول العربية اجتماعا في اسطنبول في 23 من مايو ايار لتحديد موقفه. وكان الائتلاف طالب في السابق برحيل الأسد قبل اجراء اي محادثات لكن واشنطن تبدو مستعدة الآن بأن يتحدد مصيره من خلال المفاوضات، وقال مسؤول فرنسي طلب عدم الكشف عن اسمه إن التنافس بين قطر والمملكة العربية السعودية الداعمين العربيين الرئيسيين لخصوم الأسد يعرقل ظهور زعيم جديد للمعارضة ذي مصداقية تعهد اليه مهمة التفاوض، وأضاف المسؤول "من الضروري ان يختاروا شخصا للمشاركة في المفاوضات"، وتابع "انهم يعرفون ان الشقاق المتواصل بين المعارضة لا يجدي. الامر لا يتعلق فحسب بالأسد والجيس السوري الحر (المعارض) والاسلاميين..الشعب السوري يحتاج ان تمثله المعارضه سياسيا"، وقال الأردن انه سيستضيف اجتماعا الاسبوع القادم لمجموعة "اصدقاء سوريا". وقال مسؤول أردني إن السلام سيكون الموضوع الأساسي في الاجتماع.

ويبدو ان الأسد نفسه الذي تشجع من جراء المكاسب العسكرية التي حققها ضد معاقل المعارضة في الاسابيع الماضية مصمم على التشبث بالسلطة، وفي ساحة المعارك شهد الجانبان كلاهما تحقيق مكاسب وانتكاسات وقالت مصادر بالمعارضة السورية ان مقاتلي جماعات من بينها جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة شنوا هجوما مضادا شرقي دمشق لاستعادة بلدة كانت تستخدم معبرا لنقل الاسلحة من الاردن الى العاصمة قبل ان تسيطر عليها قوات الحكومة الشهر الماضي.

وتضفي الانقسامات السياسية والعقائدية في صفوف المعارضة فضلا عما تعانيه من نقص في الاسلحة الثقيلة التي قد تساعدها على تحويل دفة الصراع لصالحها قدرا من التعقيد على جهودها لوضع نهاية لحكم الرئيس بشار الأسد. بحسب رويترز.

ومع ذلك اتحدت الالوية العاملة في الغوطة وهي منطقة زراعية على المشارف الشرقية لدمشق تحت قيادة واحدة لاستعادة بلدة العتيبة التي تبعد ثلاثة كيلومترات شمال شرقي مطار دمشق الدولي، وقال قائد عسكري "باذن الله ستكون هذه معركة حاسمة في ريف دمشق تضع حدا لتقدم جيش النظام وتعيد فتح طريق الامداد."

وقال وزير الاعلام السوري عمران الزعبي "مسألة الرئيس وشكل الحكم والدستور هي في جوهر وصلب ومفهوم السيادة الوطنية والذي يقرر من هو رئيس البلاد وما هو شكل الحكم وكيف تجرى العملية الداخلية هو الشعب السوري وصناديق الاقتراع فقط"، وأضاف أن سوريا تريد تفاصيل بشأن مؤتمر السلام الذي اقترحته الولايات المتحدة وروسيا قبل أن تتخذ قرار المشاركة فيه، وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن عدم المشاركة سيكون "سوء تقدير اخر كبير للرئيس (بشار) الأسد." لكنه أضاف "لا اعتقد أن الامر كذلك في هذه المرحلة. الروس وزير الخارجية سيرجي لافروف اعطاه بالفعل اسماء الأشخاص الذين سيتفاوضون."

وتريد القوى الغربية تكثيف الضغوط على الأسد للاسراع بسقوطه لكنهم لا يرغبون في القيام بمخاطرة كبيرة وتكاليف تدخل عسكري مباشر ولم يصلوا إلى حد تسليح فصائل المعارضة المقسمة التي تكافح لتحقيق مكاسب، ورغم ان فرنسا وبريطانيا تريدان من الاتحاد الاوروبي تخفيف حظر السلاح على سوريا للسماح بتوصيل بعض امدادات السلاح للمعارضة فإن من الصعب تصور كيف يمكن ان يرجح ذلك سريعا ميزان القوة العسكرية ضد الأسد الذي تتمتع قواته بعتاد روسي والمساعدة من ايران وحزب الله، ولم يتضح ايضا ما اذا كانت الاسلحة التي ترسل لمقاتلي المعارضة الذين ينظر اليهم الغرب على انهم معتدلون قد تضعف من نفوذ المتشددين الإسلاميين الذين يقودون الصراع حاليا ويشيعون بواعث القلق في الدول المجاورة الأردن والعراق وتركيا ولبنان وإسرائيل.

وحشية الصراع السوري تحبط المصالحة

على الصعيد نفسه ارتكبت العديد من جرائم الحرب البشعة في الصراع لتنشر الخوف والكراهية. وتحدد هذه جرائم معالم الحرب التي تمتد عبر الحدود السورية وتجعل المصالحة احتمالا أبعد منالا، واستخدمت الوحشية منذ اندلاع الازمة السورية قبل عامين عندما ظهرت لقطات فيديو لجنود سوريين يعذبون محتجين يطالبون بالديمقراطية. وردا على قمع السلطات للاحتجاجات حملت المعارضة السلاح وأصبح المقاتلون من طرفي الصراع الان يصورون أنفسهم وهم يرتكبون الفظائع، ولا تصور اللقطات الوحشية للعنف خلسة لكن المقاتلين يفخرون بها وكثيرا ما يتحدثون إلى الكاميرا التي تصورهم.

وظهر قيادي لمقاتلي المعارضة يدعى أبو سقار في فيديو وهو يقطع أعضاء جندي قتيل ويتحدث إلى الكاميرا ويقول "نقسم بالله سوف نأكل من قلوبكم ومن أكبادكم يا جنود بشار." وسط هتافات تأييد من حضور حوله.

وكان أبو سقار من الأعضاء المؤسسين لكتيبة الفاروق وهي إحدى الوحدات الرئيسية لمقاتلي المعارضة لكنه شكل كتيبة خاصة به مع تفكك جماعات المعارضة. ولا يعتبر مقاتلو أبو سقار من العلمانيين ولا الإسلاميين المتشددين بل مقاتلين عتاة، وأظهرت لقطة أخرى بثت على الانترنت احد مقاتلي المعارضة وهو يمسك برأس رجل يفترض أنه من مؤيدي الأسد وراح يشويه على النار. ويبتسم المقاتل في اللقطة ثم ينظر للكاميرا بثقة وينتزع خصلة من شعر الرأس.

ويقول رينود ليندرز وهو أستاذ مساعد في قسم دراسات الحروب في كينجز كوليدج في لندن إن طرفي الصراع في سوريا يستخدمان هذه المظاهر الوحشية، وأضاف "إنها أقصى تعبير عن ازدراء وامتهان إنسانية خصمك"، وأضاف "يواجه النظام صعوبة في تحديد أفراد المعارضة لذلك يخوفون المدنيين للخروج من المنطقة حتى يكشفون عن المقاتلين. ويبدو الأمر غير منطقي وغير عاطفي لكن هناك أسبابا منطقية."

ووثق نديم حوري وهو باحث في شؤون سوريا ولبنان لدى منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان انتهاكات منذ اندلاع الازمة ويقول إنه يشهد المزيد والمزيد من الأفعال الوحشية، وأضاف أن طرفي الصراع يتصرفان وكأنهما يواجهان تهديدا لوجودهما. وأدانت جماعة المعارضة الرئيسية في سوريا فيديو قضم مقاتل لقلب الجندي القتيل كما استنكر العديد من مؤيدي المعارضة هذه الوحشية، لكن صفحات سورية معارضة على موقع فيسبوك احتفت بالأمر، ولم تعترف الحكومة السورية قط بارتكاب جنودها لأعمال وحشية بل تشير إلى من يقتلهم الجنود "بالإرهابيين" وتصف سيطرة قواتها على مناطق بأنها "تطهير."

وانحازت القوى الدولية إلى أحد طرفي الصراع حيث يدعم الغرب ودول الخليج العربية المعارضة بينما تؤيد روسيا وإيران نظام الأسد. وقال حوري إنه على الرغم من إدانة جرائم الحرب لفظيا فإنه لم يظهر رادع حقيقي لمرتكبيها مما سمح باستمرارها، وقال حوري إن المزعج على وجه الخصوص هو صمت القوى الدولية. ولأن سوريا لم توقع على الاتفاقية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية فإن المحكمة لا يمكنها التحقيق في مزاعم الوحشية في سوريا إلا بعد إحالتها إليها من مجلس الأمن الدولي وهو أمر أعاقته حتى الآن روسيا والصين. بحسب رويترز.

وقال ليندرز "فكرة المصالحة غير واقعية الان. أصبح الصراع الان يدور حول فكرة الصراع ذاته أكثر من موالاة نظام أو معارضته.. أرى تباينا تاما بين الروايتين الأمريكية والروسية وما يحدث في سوريا."

وبالنظر إلى الطبيعة الطائفية وتراخي القوى الكبرى إزاء الصراع السوري فإنه يشبه في ذلك البوسنة التي مزقتها حرب دارت بين عامي 1992 و1995 بين الصرب والكروات والمسلمين واستحدثت مصطلح "التطهير العرقي" في العالم بعد بعض من أسوأ الفظائع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وبعد قرابة 17 عاما على انتهاء الحرب في البوسنة فإن الجراح لم تندمل. ولا زالت الجثث تنتشل وتلقي دائرة اللوم والإنكار بظلالها على جهود المصالحة. وتضرب المرارة في جذور الصراع وتمتد إلى السياسة وتخنق التنمية، ولا تزال تفاصيل الفظائع الأسوأ تظهر على السطح إلى الآن. ويتمسك كل طرف في الصراع بروايته للحرب.

وفي لبنان المجاور لسوريا والذي شهد حربا أهلية دامت 15 عاما وانتهت عام 1990 فإن الخطوط الفاصلة بين الطوائف ما زالت قوية ولا يزال القتال ينشب بين الميليشيات المسلحة بينما تتابع الحكومة الضعيفة الوضع دون حول منها ولا قوة، وأصبح الكثير من المقاتلين اللبنانيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب سياسيين لأن الناس تؤيد الأقوياء في طائفتها طلبا للحماية من نفوذ خصومهم، وقال الباحث الحقوقي حوري والذي يعيش في بيروت إنه لا توجد مصالحة حقيقية في لبنان الان. وأضاف أن هناك تمزقا في النسيج السوري يشبه ما حدث في لبنان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/آيار/2013 - 10/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م