لا نصنع الديكتاتورية بأيدينا

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: الديكتاتورية صورة مقيتة في الحياة السياسية وسلوك شائن في العلاقة مع المجتمع، لكن نرى شرائح لا بأس بها في مجتمعاتنا تعيش آمنة مستقرة في ظل هكذا نهج، بحيث لا تجد تعارضاً بين حياتها اليومية؛ من طلب العلم واكتساب المال والعمل الاداري وغيره، وبين السلوك الاستبدادي والديكتاتوري الذي يمارسه الحاكم في القمة ومعه أركانه ومفاصله في الدوائر التنفيذية.

وقد ثبت بالتجربة والبرهان أن الديكتاتورية، في مفهومها وتجسيدها عملياً، لا تولد وتترعرع إلا بوجود حاصنة لها في النفوس، مما تولد بدايةً؛ القابليات والمؤهلات لنشوء هذا النظام وتكريس نظام الحكم الفردي وصولاً الى شرعنة بل حتى تقديس الحاكم والقائد الضرورة..! وهذا ما لاحظناه في عديد بلادنا الاسلامية، ولم نشهد التغيير إلا بعد عقود طويلة من الزمن، وتضحيات ودماء ودمار لا يُحصى.

فعرفت مصر أن مبارك ديكتاتوراً لابد أن يسقط، كذلك اكتشف الشعب الليبي والشعب التونسي، وقبلهم جميعاً الشعب العراقي. وهذا ما لا يجب ان يكون، مع وجود إرث إسلامي عظيم، من بصائر الوحي والسنّة الشريفة. من هنا نجد أن الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي – قدس سره- يعالج هذه النقطة بالذات في كتابه "ممارسة التغيير ". ويشير الى أن المجتمع والشعب هو الذي يوفر الأرضية الخصبة لنشوء الديكتاتور، عندما تنشأ عنده بدايةً الأنا والكبر والطبقية والعنصرية، لذا يقول: "إذا اردنا عدم وصول الديكتاتور الى الحكم يوماً ما، يجب تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها بين الأمة..". أما الطريق الى ذلك – حسب رؤية الإمام الراحل- فانها تكون عبر خطوتين:

الأولى: تربية الناس على المفاهيم الاخلاقية، لاسيما قيم التكافل والتعاون حب الخير للآخرين، لا أن يكون الحق مقتصراً في هذا دون ذاك.

الثانية: وجود المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بهدف ايجاد التوازن بين شرائح المجتمع، ذلك أن الذين تربوا على المفاهيم الأخلاقية ربما يكون بينهم حملة بذرة  الديكتاتورية ويضرب كل شيء عرض الجدار.

اذا وصل المجتمع الى هذه المرحلة من النمو السياسي والاجتماعي، لن يكون أي ديكتاتور، مهما أوتي من الدهاء والامكانات المالية والبشرية من أن يتجاوز المجتمع والشعب، لأنه على الأقل لن يجد الأرضية الصالحة له، ويكون غريباً في المجتمع فيطرد شر طرده.

وهنا تحديداً يتبين لنا – مستنيرين بفكر سماحة الإمام الراحل- أن الأرضية الاجتماعية للديكتاتور، يمكن ان تتوزع على الشريحة المثقفة، وايضاً عامة الناس، فمن الواضح أن الجهل العامل الأساس لتكريس الديكتاتورية.. يقول سماحته في كتابه: "مادام الجهل مسيطراً على المجتمعات الاسلامية يبقى الديكتاتور، واذا سقط تسلّم دكتاتوراً آخراً مقاليد الحكم، ولا تهم بعد ذلك الألفاظ والمسميات من الملكية أو الجمهورية أو الدينية أو العلمانية وغيرها..".

وبموازاة ذلك؛ فان هنالك شريحة تحمل قدراً من الوعي والثقافة، تمالي الحكام المستبدين عندما ترشيهم بامتيازات وصلاحيات تخدم مصالحهم الاجتماعية والتجارية، وهذا ما لاحظناه في الأنظمة التي تتبنى النموذج الاشتراكي في بلادنا العربية، حيث تسود الرشوة بارقام هائلة وعلى مستويات رفيعة جداً في الدولة، لأن الهمّ هنا، بعيد جداً عن الوعي والثقافة والحريات. وهذا ما روّج في بلادنا مقولة "الحاكم القوي" المؤهل قبل غيره لتولّي ادارة الحكم. وهذا بدوره ينسحب على حقوق عامة الناس المطالبة بالديمقراطية والتعددية وحرية الفكر والرأي، إذ ان الشريحة المستفيدة تشتري مصالحها الذاتية الضيقة بآهات ومعاناة الآخرين.

ثم إن الشريحة الميسورة وصاحبة رؤوس الأموال، تخشى دائماً الثورات والانتفاضات لعلمها بأن التغيير هو بالحقيقة عملية جراحية تقتضي بعض التضحيات بالمال والأنفس، لذا تكون آخر من ينضم الى ركب الثورة بعد طلبة الجامعات والمثقفين وعامة الناس من الطبقة المسحوقة والمضطهدة. أما اذا كانت الفاصلة بين تلك الشريحة والشرائح الاخرى في المجتمع قليلة وقريبة، فان الديكتاتور لن يكون له موطئ قدم في الحياة السياسية، أو لنقل لن يفكر سياسي في بلادنا من الاستفراد بالسلطة والحكم، لعلمه المؤكد أن هناك حزمة من الرأي العام بامكانه الاطاحة به عند أي انحراف نحو الديكتاتورية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 21/آيار/2013 - 10/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م