أبعاد ودلالات جريمة نبش قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

هؤلاء الارهابيون هم صنائع تلك المدرسة التي صنعت منهم قنابل موقوتة في وجه البشرية

 

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الارضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)[1]

حجر بن عدي الكندي[2] " رضوان الله تعالى عليه " الذي طالت اليد الاثمة مرقده الطاهر في الايام الماضية، كان من اجلى مصاديق مجموعة الصفات المذكورة في هذه الآيةالقرآنية الكريمة لاهل الجنة، فان الآية التي سبقتها هي: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ...) الى ان يقول تعالى في هذه الاية: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ).

لمحة عن شخصية حجر بن عدي

وحُجر بن عَدِي كما يقول الشيخ الطوسي في رجاله: (كان من الابدال).

وحجر بن عَدي الكندي كان من اولئك النوادر الذين يصلّون في اليوم والليلة الف ركعة!! وما اصعب ذلك؟! اذ ان صلاة مائة ركعة في اليوم مما يصعب على الكثيرين فما بالك بالف ركعة في اليوم والليلة ؟!

وحجر بن عدي كان ذلك الشخص الذي يشيد به كبار علماء اهل العامة بمختلف اشكالهم والوانهم حيث يقول الحاكم في مستدركه مثلا: "وهو راهب اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)" وقد اعترف العديد من كبار علمائهم ومؤرخيهم بـ(انه كان مستجاب الدعوة) كما صرح بذلك ابن الاثير، وكما جاء في اسد الغابة، والاستيعاب، وغيرها.

حُجر بن عدي كان ذلك الرجل الذي يقول عنه ابن سعد في طبقاته: "وكان ثقة معروفا، ولم يرو عن غير علي شيئا".

حُجر بن عدي كان ذلك البطل الضرغام والليث الهمام، الذي لا يهاب الظلمة وإرهابهم ولا الحاكم الجائر واستبداده، والتاريخ يشهد له بذلك، فكان – مثلاً – يواجه بشجاعة فائقة (المغيرة) ذلك الحاكم الجائر الذي حكم الكوفة في عهد معاوية، ولمدة سبع سنين واشهرا، فكان حُجر يقف في المسجد وعلى رؤوس الاشهاد ويقارع المغيرة ويتحداه ويدافع عن امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) بكلمات قوية ملؤها الشجاعة والايمان الراسخ. فعندما كان المغيرة يهاجم امير المؤمنين ومولى الموحدين علي بن ابي طالب عليه صلوات المصلين كان حجر يقف ويصرخ في وجهه: "بل اياكم فذمّم الله ولعن" أي انتم الذين تعادون صهر رسول الله وخليفته وافضل الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذممكم الله ولعنكم.

وهذه الكلمات نقولها الان ببساطة، و... لكن ان يقوم الانسان ويقارع حاكما سفاكا جائرا، ليس بالامر السهل أبداً، ولا يعرف خطورة هذا الامر الا من شهد حكم وجور الظلمة.

ثم انه لم يكن هذا الموقف الشجاع من حُجر منحصراً في يوم او يومين وينتهي، ولم يكن موقفا واحدا او موقفين فقط ثم السكوت والتراجع.. كلا.. بل كانت مواقفه متتالية استمرت سنين متطاولة، وكان حُجر بن عدي يُهَّدد أثناء ذلك اشد التهديد..ثم نفِّذ ذلك التهديد في حقه وكوكبة من الاطهار الذين ساروا بركبه (رضوان الله عليهم اجمعين وحشرنا الله معهم واشركنا في عملهم بلطفه وكرمه).

ان حُجر بن عدي كان قمة في الزهد، وقمة في العبادة، وقمة في الورع،.. وكان بارا بوالدته إلى أبعد الحدود كما يقول التاريخ، وكان القمة في مختلف الحقول،.. وبكلمة فانه، كما يصفه التاريخ: بطل مغوار شجاع، يقف بوجه الظلمة ويقارعهم ببسالة نادرة رغم ما بأيديهم من مقاليد الامور الظاهرية والتي يستطيعون من خلالها ان يقتلوا الأبرياء ويصادروا الأموال ويهدموا الدور، ويقوموا بشتى الجنايات وقد فعلوا ولم يقصروا أبداً!!

لكن حجرا كان يقف بكل شجاعة وبكل حمية وغيرة وانفة وبطولة، فيقول الحق وينهى عن المنكر ولا تأخذه في الله لومة لائم.

وقد روى الطبري: "ان المغــيرة بن شعبة في مسجد الكوفة هاجــم علي بن ابي طــالب(صلوات الله وسلامه عليه ) فقام حُجر بن عدي ونعر نعرة بالمغيرة سمعها كل من كان بالمسجد وخارجاً وقال: انك لا تدري بمن تولع من هرمك..)[3] فوثب حجر ونعرة نعرة... فقام معه اكثر من ثلثي اهل المسجد". نعم، كان حجر عاشقا ومتيما بأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه )،

وهؤلاء الارهابيون حينما قاموا بجريمتهم النكراء، فانهم في الواقع قد استهدفوا هذه الشخصية المثالية، وهذه الشخصية الالهية، وهذا الصحابي الجليل الطيب الطاهر القدوة والاسوة، وقد استهدفوا بذلك كافة القيم والصفات التي كان يحملها حجر والتي ذكرتها الآية القرآنية الكريمة:

(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ) ـ أي الصائمون على تفسير مشهورـ (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ).

الردود الاستراتيجية

لكن ماهو الرد الذي ينبغي ان تقوم به الامة الاسلامية جمعاء ؟ اذ ان حجر لم يُستهدف لأنه كان شخصا عاديا، بل لأنه كان مجمع القيم والفضائل، ولآنه كان القمة في مقارعة الجور والظلم.

فقد انتهك في هذه الجريمة حريم كل مسلم بل كل انسان، فما هو الموقف الصحيح ؟ وما هو الرد الاسلامي السليم ؟ بل الرد الانساني والبشري على أمثال هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها اشباه الناس - الوحوش في واقعهم؟

نقول: الردود عديدة ومتنوعة نقتصر في هذه العجالة على بعضها، وهي بين ردود استراتيجية أي بعيدة المدى، وبين حلول ووصفات متوسطة المدى، وبين قريبة المدى:

1- تجفيف منابع الارهاب

أولاً: استهداف ومكافحة وتجفيف جذور هذا الارهاب المتصاعد في ارجاء العالم.

ان الماء المستنقع الآسن المتعفن، لابد ان يولّد بعوض الملاريا، والحلول في هذا المجال على قسمين:

1- ان يكافح هذا البعوض، وهو حل ميداني سريع.

2- ان يجفف ذلك المستنقع الآسن، ثم يردم بالتراب النظيف ويزرع بالأزهار والورود، وهو الحل الاستراتيجي

ان هذه العصابات الارهابية العاتية ينبغي ان تواجه بمجموعة منوعة متكاملة من المواجهات والردود من النمطين: (السريعة) و(الاستراتيجية)؛ لأنها لا تقل خطورة من مرض الملاريا بل هي اشد خطرا وفتكا على الامة من انواع الامراض القاتلة في هذا العالم.

والحلول التي ينبغي ان يتصدى لها علماء الدين والمفكرون والمثقفون، بعضها حلول ترتبط بتجفيف منابع الارهاب، لان هؤلاء الارهابيون ما هم الا ادوات تحركهم الجهات والشخصيات المرجعية التي يتبعونها ويأخذون منها، وقد تربوا في مدارس تفرّخ الارهاب والتعصب الاعمى لأشباه العلماء وليسوا بعلماء.

لاحظوا ماذا يقول بن باز وهو شيخهم في (مجموع فتاوى بن باز، في كتاب الصلاة القسم الاول في الاجابة على حكم الصلاة في مسجد فيه قبر يقول: "المساجد التي فيها قبور، لا يُصلى فيها ويجب ان تنبش القبور وينقل رفاتها الى المقابر العامة"!

هؤلاء الارهابيون هم صنائع تلك المدرسة المرجعية التي صنعت منهم قنابل موقوتة في وجه البشرية.

وان الشخصيات المرجعية عندهم هي التي غرست بذور الانحراف في هؤلاء الإرهابين السفاكين للدماء والمنتهكين لحرمات الله وحرمات الناس، بل انها هي التي اسست لهذه المدرسة، ففي الزمن المتقدم كان معاوية واشباه معاوية لعنهم الله،وفي الزمن المتأخر امثال بن باز وبن عثيمين وقلبهما امثال محمد بن عبد الوهاب وبن تيمية كانوا هم الذين اسسوا لهذه الارهاب وهذا الابتداع في الدين.

معاوية يعترف بجريمة قتل حجر واصحابه ويفسرّها بالذرائعية

ورد في التاريخ: (ان معاوية بن ابي سفيان دخل على عائشة فقالت: ما حملك على قتل اهل عذراء حجر واصحابه؟) ذلك ان حجر بن عدي كان معروفاً بانه من طليعة النساك والعباد بل ومن الابدال، ولا يشك في ذلك شاك، حتى ان امثال عائشة احتجت على ذلك فقال: يا ام المؤمنين اني رأيت قتلهم صلاحا للامة وبقاءهم فساداً للأمة).

هنا نجد بوضوح ان معاوية بيّض بذلك وجه مكيافيلي بهذه الذرائعية وبهذه الانتهازية الغريبة.

ان هذا هو منطق كل حاكم جائر وطاغوت: ان الغاية تبرر الوسيلة، والغريب ان الطغاة عندما يستخدمون مصطلح (الامة) او (الوطن) وانه في خطر أو ان مصلحة الأمة تقتضي كذا فانهم يقصدون من (الأمة) انفسهم وكراسيهم وملكهم!.

ان حجر بن عدي لم يكن ينكر احد زهده وورعه وتقواه بل حتى أعداؤه شهدوا له بذلك، لذا لم يجد معاوية عليه مثلبة ولم يدّعِ معاوية ان حجرا خرج عن جادة الشرع مثلاً بل قصارى استدلاله: اني رأيت قتلهم صلاحا للامة وبقاءهم فسادا للامة! (فقالت عائشة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "سيقتل بعدي بعذراء اناس يغضب الله لهم واهل السماء"). كما ان من ما يستدعي التأمل أيضاً قوله (إني رأيت...) وهذا يعني انه يرفع رايةً أمام راية الشرع والعقل والمنطق والوجدان وان مصدر الشرعية هو هو، لا غير، وان خالف المنطق والدليل وكافة الصالحين!

اذن الرد الاول الاستراتيجي هو الرد الفكري والعقدي، وهو يعد من أهم الأسس والسبل لمكافحة هذه (الظواهر) التي تستقي من (بواطن) ومستنقعات آسنة تغذيها وتمدها بالوقود وتمنحها الشرعية!

وعلى ذلك فانه عندما نسمع بهذه الرزية ـ ونسال الله ان يقطع ايديهم ودابرهم فلا يكون بمقدورهم بعدها القيام بأيةِ فعلة شنيعة في أي مكان من بقاع الأرض ـ وعلى كل واحد منا ان يمسك قلما وورقا ويكتب دراسة او يكتب مقالا او كتابا عن حجر بن عدي او عن بقية الصحب الذين اتبعوا الحق ولم يبدلوا تبديلا، او عن الشرك والتوحيد وضوابطها، وعن ما ينبغي ان يبنى عليه الانسان المسلم عقيدته وحياته في التوحيد والنبوة والعدل والامامة والمعاد، وأيضاً ان يكتب عن عوامل الانحراف في الأمة وبواعث تغذية الإرهاب والاستبداد.. ويقع في هذا الإطار أيضاً: إصدار المجلات العامة والمتخصصة وتأسيس مراكز دراسات، ومواقع حافلة في الانترنت وغير ذلك.

ان هناك عشرات الالوف من العلماء في الحوزات العلمية وفي غيرها كما يوجد عشرات الألوف من المفكرين والمثقفين وأكثر فلو ان كل شخص كتب بقدر ما يستطيع في المشاكل والحلول وعن الفرق الضالة وأسباب ضلالها ومناهجها وسبل التصدي لها وشبه ذلك، لتغيرت المعادلات بشكل كبير.

2- تكثيف الضغط على المجتمع الدولي والاقليمي

ثانياً: تكثيف الضغط على المجتمع الدولي وعلى الدول الكبرى ودول الجوار التي تغذي هؤلاء بشكل او باخر، فان هؤلاء هم الذين يتحملون مسؤولية اية جريمة تقع في العراق او في سوريا او في البحرين او في اليمن او في أي بلد اخر لانهم هم الحماة للإرهاب سياسيا واقتصاديا واعلاميا وغير ذلك.

ان الرد الاستراتيجي الثاني هو تكثيف الضغط الاعلامي والحقوقي والدبلوماسي وغير ذلك على الدول الكبرى وعلى الدول الاقليمية المجاورة.

أ – المظاهرات العالمية

وللضغط ألوان، فمن الوان الضغط: ان تخرج مظاهرات عارمة في شتى بقاع العالم وبالمستوى الذي يتناسب مع جسامة هذا الحدث، لتندد بهذه الجريمة النكراء، والغريب ان ذلك لم يحدث ولم تخرج حتى مظاهرة واحد بالمستوى في بلدنا او أي بلد اسلامي آخر.

كما ان هناك الملايين من المسلمين في الدول الغربية، كان ينبغي عليهم ان يخرجوا في تلك البلاد في مظاهرات متتالية لا لايصال الصوت عاليا الى كل الحكومات والمنظمات الرسمية وغير الرسمية فقط، بل للضغط عليها بشكل مستمر متواصل أيضاً.

ففي فرنسا لوحدها هناك (5) ملايين مسلم !! اين هم من هذا الحدث ؟، وهكذا في الهند وباكستان وماليزيا وايران والدول العربية...

ب – وسائل الاحتجاج الجماعية

ومن الوان الضغط: ان تُمطر الجهات الراعية للإرهاب الدولي بعشرات الألوف من الرسائل الخطية او بالبريد الالكتروني او الفاكسات القديمة وغير ذلك، لكن ذلك لم يحدث ايضا!.

فكم رسالة احتجاج ذهبت الى رؤساء الجمهوريات في الدول المجـــاورة او مـــلوكها أو برلماناتها أو وسائل الإعلام فيها؟!!

وقد يقول قائل: ان الرسائل والاحتجاجات لا تنفع!

نقول: كلا، بل هي نافعة ومؤثرة، ولنا في سيد الشهداء (صلوات الله وسلامــه عليه) الأسوة الحسنة في ذلك، بل لنا في نفس حجر بن عدي الاسوة والقدوة: فان حجرا كان في الكوفة، فلما بلغته مظالم عثمان وظلمه للرعية، لم يقل ان الكتاب لا ينفع! بل كتب إليه كتاباً شديد اللهجة، وذلك رغم وضوح ان الطرف الآخر لم يكن ليصغي، لكن الانسان عليه ان يسجل موقفا على مر التاريخ[4].

رسالة (حجر) الاحتجاجية إلى عثمان

فقد نقل في اعيان الشيعة: ان حُجرا كتب، في اثني عشر من نسّاك اهل الكوفة وذوي البأس منهم واهل النجدة والحمى، الى عثمان ينهونه فيها ويخوفونه فيها ويحذرونه.

يقول في أعيان الشيعة: "كان حجر من جملة الذين كتبوا الى عثمان من رجال اهل الكوفة ونساكهم وذوي باسهم ينقمون عليه امورا وينصحونه وينهونه عنها وكانوا اثني عشر رجلا"

ان الرسائل لا شك انها تؤثر خاصة إذا كانت مستمرة متواصلة، ومن مختلف الدول، وبمنهجيات مختلفة ومتنوعة، وعلى الاقل يكون الانسان من خلالها قد ادى بعض واجبه الشرعي.

الامام الحسين (عليه السلام) يفضح ويدين الطاغية معاوية

وكذلك صنع سيد الشهداء (صلوات الله وسلامه عليه) عندما قتل معاوية حجرا (رضوان الله تعالى عليه ) فكتب اليه تلك الرسالة الاحتجاجية الشهيرة المعروفة، ولم يقل صلوات الله عليه ما جدوى هذه الرسالة؟؟ مع علمه بطغيان معاوية وتكبره وتجبره وعناده للحق وأهله.

وقد نقل هذه الرسالة الحسينية صاحب سفينة البحار نقلا عن الكشي في رجاله:

"الست القاتل حجرا اخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما اعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق الموكدة، ان لا تاخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنةٍ[5] تجدها في نفسك عليهم....."

ان الرد الاستراتيجي الثاني إذن هو تكثيف الضغط الاعلامي والدبلوماسي والحقوقي، ذلك انهم على اية حال بشر، يؤثر فيهم الاعلام والضغط، والرأي العام وتؤثر فيهم اتجاهات الامم وتيارات الحركات الاجتماعية في بلدانهم.

اننا لو كنا بمستوى الحدث لما تجرأ متجرئ على ان ينتهك هذه الحرمات لأوقفنا المجرمين عند حدودهم ولمنعنا وقوع المزيد من الجرائم – لا سمح الله -.

3- الاتجاه نحو بناء امة المؤسسات

ثالثاً: الرد الاستراتيجي الثالث هو الاتجاه نحو بناء امة المؤسسات، فان كل شوكة تغرس في عضد الامة ينبغي ان يقابلها زرع مليون وردة، وكل شهيد يسقط في العراق او في أي بلد آخر ينبغي ان يقابل بان تؤسس مدرسة واحدة على الأقل تخرّج وتربي ألفاً من العلماء والمحامين والقانونيين والاطباء والمهندسين وغير ذلك.

وهذا هو الرد العملي الذي هو بمستوى الحدث واكبر، فكم شهيداً لنا سقط في العراق على ايدي الارهاب طوال العشر سنوات الماضية ؟ عشرات الالوف على اقل التقادير، وهو القدر المتيقن.

فلو ان كل شهيد التزمت اسرته واهل محلته وعشيرته بان يؤسسوا باسمه مدرسة او مسجدا او حسينية او مكتبة او ميتما ـ دار للايتام ـ او مستوصفا خيريا او صندوقا للإقراض الخيري، لكان ذلك يعني عشرات الالوف من هذه المؤسسات في العراق.

وهذا رد استراتيجي حقيقي من جملة الردود، لان الارهاب يحتاج الى حواضن وبيئة فاسدة وإلى من يفرّخه ويحتضنه، فان الشباب اذا عاشوا الفراغ الفكري والفراغ العقائدي والفراغ الروحي، والبطالة والعزوبة والعنوسة وغير ذلك، فانهم سيكونون أرضاً خصبة يرعى فيها أباطرة الإرهاب وقادة الشر.

بل نقول: ان اضعف الايمان ان نقرّر في مقابل كل شهيد يسقط، ان نكتب كتابا او دراسة او مقالة هادفة، او ان نؤسس باسمه موسسة خيرية او ما اشبه ذلك، وهو عمل حقيقي منتج ومثمر، لله فيه رضا وللناس فيه اجر وصلاح

وحيث ان الأشياء تعرف بأضدادها كما تعرف بأشباهها، نقول تاكيدا للمطلب: هناك فئة ضالة، هي في الواقع (دين) اسسوه بزعمهم قبل (150) سنة، وقد احتفلوا قبل ايام بذكرى مرور (150) سنة على هذا الدين المبتدَع، وهم يدعون ان عددهم الان بلغ (5) ملايين، ولهم قوة كبيرة في عالم اليوم، هذه الفئة الضالة كان من أسرار قوتها الكبيرة، انهم اسسوا من المؤسسات الضخمة المنتشرة في انحاء العالم اكثر من (17) الف مؤسسة!، وقد شاهدت بعضها من بعيد، وهي مؤسسات كبيرة بين انسانية بزعمهم وفكرية واعلامية وغير ذلك.

ومع انهم جماعة قليلة الا انهم – كما يقول بعض أهل الخبرة – لهم النفوذ الأكبر بعد الصهاينة، ولهم القدرة الكبير على التلاعب بمقدرات الشعوب والدول.. وللحديث عن ذلك مجال آخر.

وللحديث تتمة ان شاء الله تعالى.

نسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا من اولئك الذين انعم الله عليهم بان نكون من المتصفين بالصفات التي وردت في القرآن الكريم: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)، المبشرين بلطفه وكرمه بالجنة: (وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)، واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين.

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم

http://m-alshirazi.com

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mortadashirazi.htm

....................................................

[1] - سورة التوبة: آية 112.

[2] - في هذه الايام قام ثلة ممن مرقوا عن الدين الحنيف،وجانبوا الشرع الشريف بهدم قبر صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحــواري امـير المؤمنين علي بن ابي طــالـب (صلوات الله وسلامه عليه )، الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي، وسرقوا جثمانه الطاهر في سابقةٍ خطيرةٍ لم يشهد التاريخ لها نظيراً، اذ لم يحدث ان نُبش قبرُ صحابيٍ جليلٍ من اصحابِ رسول الله (صلى الله عليه واله) على مر التاريخ، الامر الذي يعكس شدة تطرف هؤلاء الارهابين التكفيريين وانحرافهم عن الحق، حتى شوهوا الدين الاسلامي الحنيف بحماقاتهم، وتصرفاتهم، وسفكهم للدماء، وانتــهاكهم للــحرمات، ولذا تطرق السيد الاستاذ (حفظه الله) لبيان الموقف الصحيح من هذا الحدث الكبير الذي هز العالم الاسلامي المعاصر ـ المُقرر ـ

[3] - تاريخ الطبري سنة احدى وخمسين/ ذكر سبب مقتل حجر بن عدي ج4 ص188-189 حسب النسخة الليزرية.

[4] - (قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) ومعذرة الى ربكم: ـ على قول ـ أي اننا نامر بالمعروف وننهى عن المنكر ابراء لذمتنا امام الله تعالى حتى لو لم يتعظ الطرف المقابل) المقرر.

[5] - أي: حقد وضغينة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/آيار/2013 - 7/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م