ان القول باصالة الشعب التركماني هو من نافلة القول، والقول بانهم
مكون اساسي من مكونات الشعب العراقي هو تحصيل حاصل ايضا، لان المكون
التركماني في العراق كان ولم يزل مع اخوته من باقي المكونات يشاركهم
السراء والضراء، وقد اثبتت الفيضانات الاخيرة التي ضربت عددا من المدن
الجنوبية حقيقة هذا الامر،حيث اصابهم قرح مثلما اصاب القوم، وشعروا
بالحزن والاسى لما تعرض له اخوتهم من عرب الجنوب الى مصاعب وخسائر، ولم
يقف الشعب التركماني كعادته مكتوف الايدي ولم يكتف بالمشاعر والاحاسيس
وانما قاموا بخطوة عملية جادة في هذا الشأن وذلك تطبيقا لقول الرسول
الاكرم (ص): من لم يهتم بامور المسلمين فليس بمسلم، وهذه الخطوة الجادة
تمثلت بجمع التبرعات المالية والعينية في مختلف مناطقهم لاسيما ناحية
تازة خورماتو ومنطقة تسعين وقرية بشير وليلان وناحية داقوق وغيرها من
المناطق التركمانية في داخل وخارج مدينة كركوك.
وقد توافقت هذه الخطوة المباركة مع نداء المرجعية الدينية التي دعت
الشعب كله للوقوف الى جانب اخوتهم في المناطق المنكوبة، وتقديم كل غال
ونفيس من اجل التخفيف عن معاناتهم ومشاركتهم في هذا المصاب مما يعكس
مدى الشعور الراقي بالمواطنة والاحساس بمعاناة الاخرين، وان التكاتف
بين ابناء الشعب الواحد في السراء والضراء يجب ان يكون هو حال الامة
المختارة الواعية دائما، والوطن كالجسد الواحد كما في الحديث اذا اشتكى
منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وان تأثرت منطقة بسبب
الكوارث الطبيعية فان باقي المناطق تتأثر سلبا، وقد نشرت وسائل الاعلام
قيام التركمان بهذا العمل الانساني من خلال اطلاق مبادرة لجمع التبرعات
بغية نقلها وبسرعة الى المناطق المتضررة، وذلك من خلال لجنة منظمة تم
تشكيلها من خيرة التركمان لتنفيذ هذا المشروع، وقد جرت العادة عند
الشعوب الواعية ان تؤدي الكوارث والفيضانات الى جمع شتات الشعب الواحد
وتوحيد الجهود لمواجهة طغيان الكوارث واثارها السلبية، وقد يؤدي ذلك
الى نسيان الخلافات وتجاوزها لمواجهة الخطر الاني الكبير، وجاءت هذه
المبادرة كما ورد في البيان الصادر من اللجنة المشرفة على جمع التبرعات
ترسيخا للوحدة الوطنية واثباتا للروح الوطنية والاخوة والمحبة والايثار
وبين ابناء الشعب الواحد لبناء عراق موحد اتحادي قوي، والتركمان كما
جاء في البيان اقوياء بقوة جميع مكونات الشعب العراقي والعكس صحيح
ايضا، والكل اقوياء بحضارة العراق وقوته وشموخه وعزته.
وقد استجاب التركمان بطريقة ايجابية وحماس معهود للمبادرة وتبرعوا
بسخاء من اجل التخفيف عن معاناة اخوتهم في الجنوب، وان ما تعرض له
التركمان من ارهاب ظالم وتهميش منظم على مدى العقود الطويلة السابقة من
قبل الحكومات التي تعاقبت على حكم البلاد، لم يؤثر في وطنيتهم وسعيهم
الى التضحية من اجل حفظ وحدة العراق من خلال التبرع لاخوانهم من
القوميات الاخرى، علما بان الكثير من المناطق والحسينيات والمساجد
والمواكب العزائية التابعة للتركمان قد تعرضت وبشكل مستمر لاعمال ارهاب
مفتعلة من قوى الشر والظلام،وقد طالت يد الارهاب والنظام البائد الكثير
من رموزهم كالعلماء والكوادر العلمية والشخصيات البارزة.
وهم بذلك اثبتوا للمجتمع الدولي بانهم كشعب يحب الحياة لنفسه
وللآخرين عن طريق مساعدة المنكوبين رغم الموارد القليلة والامكانات
المتوفرة المتواضعة.
وتركمان العراق الذين كانوا مع اخوتهم يقارعون جميع انواع الظلم في
الماضي باتوا اليوم يدا واحدا امام الفيضانات المدمرة الاخيرة التي
دمرت المحاصيل وأثرت على الحياة العامة للافراد هناك، وسيظل التركمان
مكون عصي على كل من يريد السوء بالعراق واهل العراق.
|