شبكة النبأ: لا يحلو للحاج فلاح عباس
جراد/ 66 عاما، والذي يسكن ريف ناحية الشافعية في مدينة الديوانية، أن
يتناول وجبة فطوره الصباحية مع أول بزوغ لضوء الفجر، إلا بقرص خبز حار
خبزته له "أم الأولاد" على حد تعبيره، خبزته للتو في التنور الطيني.
لا يفرق بالنسبة، للحاج فلاح إن كان الجو باردا أو حارا، صيفا أو
شتاءا، فهو اعتاد منذ سنوات طوال تربطه بأمه وقبلها جدته، ان على
المرأة ان تستيقظ قبل طلوع الفجر، وتعجن ثم تخبز بالتنور الطين رافضا
كل محاولات إقناعه من لدن أولاده وبناته، أن يستعين على اقل تقدير بـ "تنور
الغاز" أو ما يعرف بـ "التنور الستيل".
ويعزو سبب إصراره على خبز تنور الطين، انه ليست هناك نكهة لأي خبز
في العالم كله تضاهي نكهة الخبز العراقي المخبوز بتنور الطين، وتحديدا
من يد "ام الأولاد"، التي اعتدت عليها منذ زواجنا قبل 35 عاما.
ويزداد الإقبال على الخبز بالتنور الطين خاصة في الأيام التي يشهد
فيها الريف العراقي شحة في الغاز، في حين يلجأ ساكنو المدينة الى شراء
الخبز الجاهز من المخابز او الصمون.
فيما تعتقد المزارعة ام عائد/ 50 عاما، ان للتنور الطين في بيتها
مكانة خاصة، فهو يعني البركة والأصالة وما تبقى من "رائحة الأهل" الذي
توارثته عبر الأجيال جيلا بعد جيل.
وتضيف أن أغلبية النساء يتبركن بوجود تنور الطين في بيوتهن، وهناك
من تنظر له باحترام وقدسية وتسميه تنور الزهراء لكونه طاهراً ومعطاءً
دائماً، وتخشى النساء من هدم التنور عندما يصبح قديماً أو حين ترتحل
العائلة من مكان لآخر بل تبقيه كما هو ليظل بمثابة أثر في المكان.
ويميل المواطن فاضل عبد الرضا/ 55 عاما/ موظف حكومي، الى خبز زوجته
بتنور الطين على تنور الغاز داخل بيته، لعدة أسباب منها نكهته الخاصة
التي لا تتوفر بتنور الغاز، وكذلك كونه أكثر أمانا كونه يعتمد على
الحطب ومن السهل السيطرة عليه، في حين ان تنور الغاز يتعامل مع الغاز
الذي قد يتسرب وقد يؤدي الى حريق من الصعب السيطرة عليه، بحيث تصل
خطورته أحيانا الى انفجار أنبوبة الغاز وهي مصدر خطر على الممتلكات
والأرواح في الوقت نفسه.
وبحسب الباحث في مجال اللغة والتراث الشعبي عادل عباس عطية الخالدي،
ان الخبز وتنور الطين ارتبطا بعدد من الأمثال الشعبية وما شابه، تداول
آباؤنا وأجدادنا عددا منها مثل ("ما ينفع الجوعان شجر التنانير"،
و"وطلع النور من التنور"، و"تنورك مورثة نارة وخطارك جايب بشارة"،
و"الخبز الفطير ما ينهضم"، و"خبزك مخبوز ومَيَّك بالكوز"، "انطي الخبز
لخبازته، ولو تأكل نصّه").
ويصنع تنور الطين عادة من مادة الطين الحري النظيف، بعد خلطه مع
قليل من التبن أو أحيانا شعر الحيوانات لزيادة قوته وتماسكه، حيث يوضع
الطين على ارض منبسطة ونظيفة، ويكون الأساس بارتفاع شبر "20 سم"
تقريباً، ويترك لليوم التالي كي يجف ويتماسك، وتتم عملية بناء التنور
بشكل اسطواني، عريض من الأسفل ثم يضيق من الأعلى، وتوضع في جانبه
الأسفل فتحة صغيرة لغرض إشعال النار تسمى "الخنارة"، للتهوية، ويتراوح
سعر تنور الطين بين 20 -25 الف دينار تقريبا. |