مجالس المحافظات العراقية... تبعية قاتلة

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: مع الساعات الأخيرة المتبقية لتولي نواب مجالس المحافظات مهامهم رسمياً، يزداد ترقّب الناس، لاسيما من شارك في الانتخابات وأدلى بصوته لهذا المرشح الفائز وذاك.. وتبقى همومهم واستحقاقاتهم، من خدمات وبنية تحتية وقوانين وبطالة وسكن وغيرها، وفي ظن المواطن الذي أخذ بيد المرشح الى داخل مجالس المحافظات، انه قادر على تلبية مطالبه وحل مشاكله، وهو في مبنى مجلس المحافظة، لاسيما وانه يسمع كثيراً عن "الحكومة المحلية"، وهي تسمية تزيد من تفاؤله وأمله في تغير الاوضاع نحو الأحسن.

بيد أن الوقت الراهن يشهد استمراراً لحالة التبعية المحافظاتية للعاصمة وللحكومة المركزية، لاسيما ما يتعلق بمسائل الخدمات من صحة وتعليم وبلديات، وهي من المسائل الأولية والبديهية، فضلاً عن القوانين والمسائل الاقتصادية والاجتماعية المعروف أنها مشمولة في صلاحيات النظام الفيدرالي المطبق في غير بلد بالعالم. مثال بسيط، فمن المفترض في نظام اتحادي – كما يدعيه السياسيون- أن يكون العراق على طريق الفيدرالية الحقيقية، ولا تكون للعاصمة تلك الهيمنة على القرارات والإجراءات، علماً أن التسمية الدارجة للعاصمة بغداد هي "الحكومة المركزية"، بما لم يقره الدستور العراقي ويتعارض مع مصطلح "الاتحادية"، التي تجعل البلد مجموعة أقاليم أو ولايات، تتحد في نظام فيدرالي تشترك في الحدود الدولية والسياسة الخارجية والجيش والعلم والعملة.

فما السبب في عدم نجاح العراق في تطبيق الشعارات التي رفعت منذ الإطاحة بنظام صدام الديكتاتوري؟

هناك أسباب وعوامل عديدة في الطريق؛ لكنا نفضّل الاشارة الى رؤية ثاقبة لعضو في مجلس محافظة واسط السيد غضنفر البطيخ، وهو يستبعد نجاح محاولات مجلس النواب إقرار تعديلات على قانون مجالس المحافظات في الدورة النيابية الحالية، "لأنها ستخضع إلى مساومات سياسية". بل أضاف ايضاً: انه "حتى لو أقرت التعديلات فانها لن تكون حلا نهائياً، فالحل يكمن في تقليص الوزارات، وتحويل صلاحيتها إلى مجالس المحافظات، لانها الوحيدة القادرة على معرفة حاجات ومتطلبات مناطقها، ويمكن أن تضع الموازنة المالية المناسبة وفقا للحاجة الفعلية".

واذا نتحدث عن الوزارات التي تشرف على المديريات في المحافظات، نكون أمام واقع المحاصصة السياسية، فالوزارة بمعنى حزب أو جماعة لها ثقلها في العملية السياسية، وأي خلخلة في صلاحياتها وسلطاتها، بمعنى المساس بهذا الحزب أو ذاك، وهذه هي الطامّة الكبرى..! وحتى لا نجانب الحقيقة؛ نجد أن الحرص على توزيع المناصب السيادية منها والعادية، أسرع وأنفذ من التفكير في توسيع الصلاحيات وإيكالها الى المديريات في المحافظات لتتولى رفع المشاكل وحل الازمات. وإن حصل تطور نوعي في المشاريع الخدمية والعمرانية فان الفضل لن يعود الى مجلس المحافظة المنتخب والمحافظ والدوائر المعنية في "الحكومة المحلية"، إنما يعود الى الوزير القادم من بغداد ليلتقط الصور التذكارية أمام مجسّر بسيط أو مستشفى أو أي مشروع آخر.

والعقبة الأخرى هو الوضع الأمني غير المستقر نهائياً في العراق، وربما يكون خير شمّاعة لعدم نضوج النظام الفيدرالي – الاتحادي في العراق، فعندما تكون هنالك قيادة عامة للقوات المسلحة، و وزارة دفاع وتشكيلات عسكرية متكاملة تأخذ أوامرها من القائد العام في بغداد، فان قيادة الشرطة المحلية والقوات المسلحة الموجود في المحافظة، لن تكون ذات هيبة ومقدرة على حل المشاكل و السيطرة على الوضع الأمني لوحدها، وهذا ما يفقدها مصداقيتها، وفي نفس الوقت يعقد الوضع الامني والسياسي في المحافظات. ولنا تجربة واضحة وحيّة في كربلاء المقدسة، حيث تتكفل قيادة عمليات الفرات الاوسط بتوفير الأمن خلال الزيارات المليونية، بنشر قطاعات عسكرية حول وداخل المدينة، وتقوم بقطع الطرق والأزقة، ونصب السيطرات بدعوى توفير الأمن والحدّ من تسلسل العناصر الارهابية. والمثير أن رسالة انطلقت من مبنى المحافظة الى بغداد والى شخص رئيس الوزراء نوري المالكي بوضع حدٍ لهذه الاستراتيجية العسكرية التي لا تتلاءم مع أجواء الزيارة الروحانية والحشود المليونية، وأن توكل مهمة الأمن الى وزارة الداخلية وليس الى و وزارة الدفاع، بمعنى أن تتولى الشرطة وقوى الأمن حماية الزائرين، وليس أفراد  الجيش المتمرسين على القتال في المناطق المفتوحة. لكن لم نسمع رداً وجواباً على هذه الرسالة، وربما سقطت في بئر عميق..!

نعم؛ سمعنا حديثاً من رئيس الحكومة حول "نية الحكومة توسيع صلاحيات مجالس المحافظات لتكون اكثر قوة وتقدم خدمات أكثر للشعب العراقي".. هذا التحصيل الحاصل، جاء خلال حديث المالكي في أجواء حملة انتخابات مجالس المحافظات في العشرين من الشهر الماضي، وهو يحثّ الناس على المشاركة في الانتخابات وعدم التخلّف عن صناديق الاقتراع.

أما القوة التي يتحدث عنها المالكي، فهي تبقى فضفاضة، ربما تكون قوة الحزب والجماعة السياسية، أو قوة السياسي والمسؤول، واعتقد أنها بعيدة عن قوة الاقتصاد وتقوية البنية التحتية من استثمار وتوظيف القدرات البشرية والثروات المعدنية، وإقامة المشاريع الاستراتجية، مثل إنشاء المطارات أو محطات القطارات، أو تشييد محطات الطاقة الكهربائية أو المصانع وغيرها، فاذا جاء اليوم الذي تتحدث عنه الحكومات المحلية، وليست الحكومة الاتحادية في بغداد، عن هكذا صلاحيات، وإطار واسع من العمل على أرض الواقع، نعرف، ويعرف ابناء الشعب العراقي، ومن لوّن اصبعه باللون البنفسجي، أنه أمام أفق مشرق لمشاريع وإجراءات تلغي جميع المشاكل والأزمات، ومن ثم تحقيق التطور في المجالات كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/آيار/2013 - 4/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م