قيم التقدم: التقوى وصناعة الانسان

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: التعريف الواضح لمفهوم التقوى، يؤكد ان الانسان كلما كان اكثر تقوى، كلما كان اكثر ابتعادا عن الوقوع في الخطأ، بمعنى أوضح أن التقوى تساعد الانسان على التعامل مع الواقع بطريقة حيادية، تبعده عن الزلل، في حين يحدث العكس تماما، اذا افتقر الانسان الى التقوى، إذ تكثر اخطاؤه ومساوئه، ثم تكثر المشكلات التي يواجهها وتتعاظم وقد تصل الى تدمير حياة الانسان وشل تفكيره ونشاطه وبالتالي تفقده النجاح والسعي نحو الافضل.

وهكذا يدل مفهوم التقوى على قرب الانسان من الصدق في التعامل مع الوقائع، وبهذا تبنى شخصية الفرد على الحيادية الناجحة، ليس بمعنى الصمت عن الاخطاء او الزلل او التجاوز على الحق، وانما محاولة تجنب المشاكل وحالات الاختلاف التي قد يكون سببها التطرف والابتعاد عن الوسطية.

لذا ينبغي التمسك بقيمة التقوى لكي يتحقق شرط الصدق، كما نقرأ ذلك في الآية الكريمة التي تقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين). وبهذا فإن الانسان الذي يتحصل على التقوى ويحرص على ادامتها، سيكون صادقا مع نفسه وربه ومع الاخرين جميعا، وهو بذلك يسهم بنشر السلوك القويم والفكر السليم الذي يساعد على بناء مجتمع راكز متطور وقائم على قيم التقدم المساعدة على الابداع ومنها قيمة التقوى التي تجعل الانسان صادقا وناجحا في تعامله مع واقعه وما يستجد فيه من احداث وتطورات.

كذلك تسهم قيمة التقوى في صناعة الشخصية غير المنحازة، بمعنى التي تتعامل وفق معايير العدل والمساواة مع الجميع، ولعل هذه الشخصية تسهم بدورها في بناء مجتمع متكامل وغير منحاز ايضا، الامر الذي يجعل الانصاف قائما ومتبادلا بين الجميع، فكلما كان المجتمع ذا تقوى متكاملة كلما كان صادقا في التعامل والانجاز، ومن ثم منصفا، لا يتعرض افراده للغبن في الحقوق ولا في مضاعفة الواجبات.

وبهذا ينتقل الشعب الذي يعتمد التقوى الى مرتبة المجتمعات المتقدمة، لان التفكير المتحضر يقوده الى اعلى المراتب، وان الصدق سيكون نتيجة حتمية للتقوى والانصاف، ويبني الشخصية التي تعتمد الايثار والتضحية من اجل الاخر، أما في حالة غياب التقوى أو ضعفها بين افراد المجتمع، فإن النزعة الانانية ونزعة تفضيل النفس وظاهرة الاستحواذ، سوف تصبح هي الصفات المؤسفة في المجتمع، وسوف يتعرض الضعفاء في هذه الحالة الى غبن كبير، لان قيمة التقوى تغيب او تضعف، وفي هذه الحالة يغيب الحس الانساني والوازع الذاتي والضمير في مراقبة ومحاسبة النفس، وفي مثل هكذا مجتمعات، سوف يغيب العدل ويتنحى القانون جانبا، فضلا عن ضعف الرادع الذاتي اصلا، وهكذا يتحول مثل هذا المجتمع الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف، ويموت فيها الفقير تحت اقدام الغني.

أما اذا كانت قيمة التقوى حاضرة وقوية وهي التي تضبط حركة المجتمع وعلاقاته، فإنها ستكون بمثابة صمام الامان، لعدم انزلاق الفرد والمجتمع في دوامة الغرائز والشهوات وتحبيذ الجاه والسلطة والظلم، في ظل غياب الرادع الوضعي والرادع الديني والرادع الذاتي في وقت واحد، لذا لابد لعقلاء القوم والحكماء فيه، لاسيما قادة النخب ورجال الدين والمعنيين بأمر المجتمع، ان يسعوا جميعا الى بث روح التقوى بين الجميع، بالوسائل والطرق المتاحة، خلاف ذلك سوف يتعرض المجتمع الى ازمة اخلاقية سلوكية وفكرية كبيرة، ستكون نتائجها كبيرة جدا وملموسة، حيث يبقى المجتمع يراوح في مكانه، بين ظواهر التخلف من امراض وحرمان وجوع وانتهاك لأبسط الحقوق.

لذا يكمن الخلاص في نشر التقوى بأقصى ما يمكن، لكي تكون الطريق الى صناعة المجتمع المستقر والاكثر استعدادا للتطور من سواه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/آيار/2013 - 4/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م