الاعلام العربي... تكريس النمط الساذج

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: المتابع لمعطيات الاعلام العربي، سيكتشف من دون عناء كبير، غياب المشروع الجوهري الفاعل في منظومة هذا الاعلام، وافتقاره لاستراتيجية اعلامية ثقافية واضحة المعالم، بل سيعثر الباحث على مواطن ودلائل، تؤكد الاصرار على بث التفاهة ونشرها بين الناس، لغرض قد يبدو مبيتا، كونه ينحو الى تسطيح الوعي الجمعي.

ليس جزافا أن نوجّه مثل هذا الاتهام الى الاعلام العربي بهذه الطريقة المباشرة والواضحة، لاننا جميعا نعرف ما هي وظيفة الاعلام وما دوره وقدرته على دفع الشعوب الى الامام، على العكس من اعلامنا العربي الذي ظل يراوح في مكانه، وهو يجتّر الفتات الذي يحصل عليه من هنا وهناك، غربا وشرقا، بطريقة التقليد الشكلي، فضلا عن انضوائه تحت عباءة الانظمة السياسة الحاكمة، التي تملي عليه ما تريد، لتحمي عروشها وتديم طغيانها وسلبها للحقوق المدنية والسياسية، بل حتى حقوق العيش البسيط، لم يحصل عليها المواطن العربي، في حين نرى الاعلام يطبل لهذا الحاكم او ذاك.

وما يلفت النظر ايضا، أننا يمكن أن نعثر بوضوح على اساليب التفاهة التي ينتهجها هذا الاعلام، عن قصد او من دونه، فهذه المنظومة الاعلامية التي لا يحكمها تخطيط مسبق، تعاني من عشوائية الادارات والتشرذم والتخبط المستمر، فضلا عن اتكالها على (الخارج) في نشر المعلومة، حتى لو كانت تنطوي على التعتيم او السذاجة، لذلك ليس صعبا أن نكتشف علة هذا الاعلام المستديمة وخسارته لأهم ميزة وهي ميزة التوصيل السليم للمعلومة والحدث، كونه ليس اعلاما مستقلا، كما انه يفتقر للادارة المستقلة ايضا.

يقول احد الكتّاب العرب (لقد تكاثرت وسائل الإعلام العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، وظهرت وسائل أخرى غير الصحف، كالاذاعات ثم التلفزيونات، ووصلت الطفرة الإعلامية في الآونة الأخيرة إلى درجة يغدو من الصعب تصور أبعادها، وآخرها الانترنت هذا الوافد المقتحم الأكثر حضوراً في حياة العالم الآن والذي يرافق أشعة الشمس والنجوم، ولا تستطيع قوة ما في هذا الكون أن تحتجز كلمة واحدة من رسائله المتلاحقة التي تتواصل على مدار الساعة. لكن هذه الوسائل العديدة، بكل ما أوتيت من امكانات ومن قدرات على الإيصال السريع، تبدو عاجزة أشد ما يكون العجز عن مواجهة واقع التخلف الجديد وهو تخلف فكري واجتماعي سياسي وثقافي لا يعاني منه الأميون وحدهم، وإنما تبدو آثاره الأقسى والأوجع والأشد لدى جمهور من المتعلمين).

وهكذا غالبا ما تكون منظومة الاعلام العربي، محكومة بإرادات قد تكون خارجية، فضلا عن ارادات الانظمة السياسية التي تتحكم بها كما تشاء، الامر الذي يجعلها نمطية وشكلية غير فاعلة، تسهم عن سابق قصد بترويج النزعة الاستهلاكية غير المنتجة، والتي تقود بدورها الى خلق الانسان المستهلِك، الذي يعيش في حالة اتكال دائمة على الاخر، ولا يحمل هموم الذات او حتى المجتمع، ولا يؤدي واجبه العملي او الفكري تجاه الآخر، وهذا الفرد المستهلك سوف يُنسخ الى آلاف وملايين النسخ، لنصل بالنتيجة الى مجتمع مستهلك، غير منتج، لا يعرف من الحياة سوى الاكل والشرب واللبس والنوم، وتقليد الآخر حرفيا من دون إضافة او ابداع، وفي هذه الحالة يكون العالم المتطور في واد، ويعيش المجتمع المستهلك في واد آخر.

وهكذا يسعى هذا الاعلام الى تكريس (النمط الساذج)، وتسطيح الوعي، ويدفع الانسان الى التقليد الاعمى، بعيدا عن الجوهر الانساني، فضلا عن عدم التفكير في التغيير او الانتاج وصولا الى خلق الاكتفاء الذاتي، الذي ينقص جميع الدول العربية، لاسباب كثيرة ومعروفة، كان ينبغي على الاعلام معالجتها وتصحيحها، وليس تكريسها عبر الترويج للتفاهة والتسطيح.

وهكذا يسهم الاعلام العربي بصناعة الانسان الذي يبقى عبدا للاستهلاك، ولا يفكر كيف يكون منتجا، من خلال تكريس التفاهة والتسطيح كمنهج حياة، في ظل الغياب المقصود لمنظومة الاعلام الفاعلة المؤثرة، القائمة على أسس التخطيط والبرمجة الصحيحة، ومن ثم التنفيذ الصحيح، بعيدا عن المؤثرات التي تصنعها اجندات خارجية او سياسية، تنحو الى التضليل والتشهير والتسقيط والاثارة الفارغة، في وقت يكون الانسان العربي أكثر احتياجا الى الوعي، مع الابتعاد عن الفوضى والاتكال، ونبذ الموجات الاعلامية الثقافية المغرضة، الوافدة من ثقافات واجندات اخرى، تستهدف العقل ونمط العيش، وقتل روح الابداع والتطور.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/آيار/2013 - 3/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م