شبكة النبأ: في الاونة الأخيرة شهدت
باكستان انتخابات عامة محورية لتعزيز الديمقراطية في البلاد المعتادة
على الانقلابات، فمن شأن هذه الانتخابات أن تثمر عن أول انتقال للسلطة
بين حكومتين مدنيتين في بلد حكمه الجيش لأكثر من نصف تاريخه المضطرب،
إذ تمثل لحظة فارقة في ان تحل حكومة مدنية محل حكومة مدنية أخرى بعد أن
قضت فترتها كاملة.
حيث اتسمت هذه الانتخابات بنسبة مشاركة مرتفعة على الرغم من اعمال
عنف متفرقة، وبتكليف اكثر من 600 الف عنصر امني حماية مكاتب التصويت
وسط التهديدات المتواصلة التي تواجهها العملية الانتخابية بسبب تهديدات
حركة طالبان الباكستانية.
فقد فاز فيها رئيس الوزراء الباكستاني الاسبق نواز شريف والذي اطاح
به انقلاب الجنرال برويز مشرف في 1999، وواجه منافسة شديدة من لدن حركة
الإنصاف بزعامة نجم لعبة الكريكت السابق، عمران خان، ويستعد نواز الان
لتشكيل حكومة تحالف من اجل تسوية المشاكل الهائلة لباكستان تبدأ من
الاقتصاد الضعيف والفساد المستشر والبنية التحتية المتداعية الى انقطاع
الكهرباء بشكل مزمن إلى تمرد حركة طالبان الباكستاني.
إذ يرى بعض المحللين سيتعين على شريف رسم خريطة سياسية جديدة تتواءم
من التطورات المضطرة في باكستان وعلى الأصعدة كافة، فمن مهامه الشاقة
الحد من الاستياء العام المنتشر على نطاق واسع بسبب الفساد المستشري
ومشكلة انقطاع الكهرباء المزمنة وتدني البنية الأساسية في بلد تعيش
حالة كبيرة من الفوضى.
لكن البعض يخشى من احتمال تدخل الجيش إذا تكررت مظاهر عدم الكفاءة
والفساد التي أحبطت الكثير من الباكستانيين خلال الحكومة الأخيرة.
وربما يتخذ شريف الذي أطاح به الرئيس وقائد الجيش السابق برويز مشرف
في انقلاب عام 1999 خطوات لتحسين العلاقات مع العدو اللدود الهند.
وتعثرت مساع لتعزيز التجارة بين البلدين بسبب الريبة من كلا الجانبين،
وفي حالة اضطرار شريف لتشكيل ائتلاف فربما يتطلع لأحزاب إسلامية لتشكيل
أغلبية في البرلمان.
ويرى معظم المحللين أن الحكومة القادمة قد تأتي ببرلمان منقسم على
نفسه يسيطر عليه ائتلاف من السياسيين المنتمين للحرس القديم، فيما رأى
بعض المراقبين أن الانتخابات لن تغير شيئا، من دون تغيير في النظام
نفسه، سيظل هناك نفس التسلسل الهرمي النخبوي الإقطاعي في السلطة.
ورغم تاريخ باكستان الزاخر بالانقلابات بقي الجيش بمنأى عن السياسة
أثناء ولاية الحكومة الأخيرة التي استمرت خمس سنوات لكنه لا يزال يحدد
السياسة الخارجية والأمنية وسيدير العلاقات الشائكة مع واشنطن أثناء
انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي من أفغانستان العام القادم، وعليه تبقى
المهمة التي تنتظر رئيس الحكومة الجديدة غاية في الصعوبة لبلد في حالة
فوضى على مختلف المستويات.
عودة نواز شريف الى قيادة باكستان مرة اخرى
في سياق متصل أطيح بنواز شريف في انقلاب عام 1999 وسجن لكنه حقق
انتصارا في الانتخابات العامة التي شهدتها باكستان وعاد للعمل السياسي
ويتجه لتولي فترة ثالثة في منصب رئيس الوزراء، لكن انتخابات لم تحقق
آمال الكثيرين في انتهاء سيطرة الأحزاب التي يقوم عملها على المحسوبية
على الحياة السياسية بعد سنوات من سوء الحكم والفساد في البلاد، وشريف
(63 عاما) من أقطاب رجال الأعمال في مجال الصلب من إقليم البنجاب وتمكن
من التغلب على نجم الكريكيت السابق عمران خان الذي كان يأمل في إخراج
البلاد من إطار هيمنة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - جناح نواز
شريف وحزب الشعب الباكستاني الذي تقوده عائلة بوتو، وأبلى حزب حركة
الإنصاف الذي ينتمي له خان بلاء حسنا ومن المرجح أن يظل قوة لها وزن في
الخريطة السياسية، وقال نصرة جويد وهو صحفي بارز "انتصار نواز يدل على
أمرين بالنسبة لباكستان.. أولا أن شعب باكستان يفضل الاستقرار المتمثل
في الوضع القائم على التشوش الذي تحدثه الثورات وثانيا أن كل الطرق
المؤدية إلى الوسط تمر عبر البنجاب.. وفي البنجاب الناس يميلون لليمين
ومحافظون"، وأضاف "لكن بالنسبة لحزب لم يظهر في المشهد السياسي بشكل
جاد إلا قبل عامين.. فإن أداء حركة الإنصاف كان رائعا على أقل تقدير."
أعلن شريف فوزه في كلمة أمام أنصاره على الرغم من أن فرز الأصوات
كان مستمرا في ذلك الحين، وقالت قنوات تلفزيونية إن النتائج حتى الآن
أظهرت أن حزب نواز شريف حصل على 88 مقعدا من بين 272 مقعدا التي جرى
التنافس عليها في الجمعية الوطنية، وحصل حزب حركة الإنصاف على 34 مقعدا
في حين أن حزب الشعب الباكستاني الذي قاد الحكومة خلال السنوات الخمس
الماضية حصل على 32 مقعدا.
ويقول شريف وهو محافظ له توجهات دينية إن الجيش - الذي ظل يحكم
البلاد لأكثر من نصف تاريخها الذي يبلغ 66 عاما - يجب أن يظل بعيدا عن
السياسة.
لكن سيتعين عليه التعاون مع جنرالات باكستان الذين يحددون السياسة
الخارجية والأمنية ويديرون العلاقة العسيرة بين باكستان والولايات
المتحدة في الوقت الذي ينسحب فيه حلف شمال الأطلسي من أفغانستان
المجاورة عام 2014، كما يعتقد شريف أن على باكستان إعادة النظر في
تأييدها للحرب الأمريكية على التشدد الإسلامي والتي أدرت على البلاد
مساعدات بمليارات الدولارات.
ورغم العنف الذي شهدته البلاد قبل الانتخابات والهجمات التي وقعت
وأسفرت عن سقوط 40 قتيلا على الأقل فإن الملايين شاركوا في الإدلاء
بأصواتهم.
وربما لا يكون لدى حزب شريف ما يكفي من المقاعد ليحكم البلاد بمفرده
وقد يضطر إلى تشكيل حكومة ائتلافية مما يجعل من الصعب عليه إجراء
الإصلاحات اللازمة لإنعاش الاقتصاد.
ومن المرجح أن يمضي شريف الذي يؤيد سياسات السوق الحرة في الخصخصة
وتحرير الاقتصاد لإنعاش النمو. ويقول إن على باكستان أن تقف على قدميها
لكنها ربما تحتاج إلى السعي لخطة إنقاذ أخرى من صندوق النقد الدولي حتى
تتجنب أزمة في ميزان المدفوعات، ولم يكن لدى بطل الكريكيت السابق خان
الزخم اللازم للتغلب على شريف رغم شعبيته بين فئة الشبان من سكان المدن
والكثير منهم يدلون بأصواتهم للمرة الأولى في انتخابات بلغت نسبة
الإقبال فيها 60 في المئة، واحتشدوا وراء مطالب خان بإنهاء الفساد ووقف
الضربات الأمريكية بالطائرات بلا طيار والتي تستهدف متشددين مشتبه بهم
على أراضي باكستان وينظر لها على نطاق واسع على أنها انتهاك لسيادة
البلاد.
وأفسدت سلسلة من التفجيرات يوم الانتخابات واستهدف أحد الهجمات مقرا
حزبيا في مدينة كراتشي بجنوب البلاد مما أسفر عن مقتل 11 وإصابة نحو
40، وقتلت حركة طالبان الباكستانية المقربة من تنظيم القاعدة أكثر من
125 شخصا في أعمال عنف مرتبطة بالانتخابات منذ ابريل نيسان. وتعتبر
الحركة التي تسعى للإطاحة بالحكومة الانتخابات منافية للإسلام.
ومن المرجح أن يمضي شريف في التفاوض مع طالبان الباكستانية التي لم
تتمكن حملة التفجيرات التي شنتها من عرقلة الانتخابات لكنه ربما يواجه
مقاومة من الجيش الذي فقد آلاف الجنود خلال محاربته هذا التمرد.
ورغم ما عرف عن باكستان من انقلابات بقى الجيش خارج العمل السياسي
طوال السنوات الخمس التي تولت خلالها الحكومة السابقة رئاسة البلاد
وألقى بثقله وراء انتخابات.
وإلى جانب 272 مقعدا كان يجري التنافس عليها يخصص 70 مقعدا أغلبها
للنساء وللأقليات للأحزاب بناء على أدائها في الدوائر. وستحتاج أي
حكومة إلى 172 مقعدا للحصول على الأغلبية من اجمالي عدد المقاعد البالغ
342.
على صعيد ذو صلة طردت باكستان مدير مكتب صحيفة (نيويورك تايمز) بسبب
"أنشطة غير مرغوب فيها" عشية انتخابات عامة تاريخية، حسبما قالت
الصحيفة الأمريكية، وقد تم تسليم أمر الطرد، الذي احتوى على جملتين فقط،
إلى ديكلان والش، وهو مواطن بريطاني (39 عاما)، ونقلت الصحيفة عن الأمر
الصادر من وزارة الداخلية "للإحاطة فقد تم إلغاء تأشيرتك بموجب هذه
الوثيقة في ضوء أنشطتك غير المرغوب فيها"، وكتبت جيل أبرامسون رئيسة
التحرير التنفيذية للصحيفة في رسالة إلى وزير الداخلية حبيب مالك خان
قائلة "اتهامك بـ/ انشطة غير مرغوب فيها/ غامضة ولا أساس لها". بحسب
وكالة الانباء الالمانية.
وأوضحت الصحيفة إن النظام طلب من والش مغادرة باكستان، وقالت
الصحيفة في مقالة افتتاحية إن إسكات الصحفيين سيحرم الشعب من الشفافية
حول العملية الانتخابية والعنف خلال الحملة.
مرشحون مسيحيون في باكستان على قوائم
الاسلاميين
مسيحيو باكستان الفقراء ضحايا التمييز لا يأملون سوى شيء واحد من
الانتخابات، وهو ضمان حماية افضل لهم في مواجهة صعود الاصولية، ولا
يتردد بعضهم في المشاركة كمرشحين على لوائح الاحزاب الاسلامية.
وتركت الرابطة المسلمة التي يقودها الاخوان نواز وشهباز شريف
والحاكمة في ولاية البنجاب، وكذلك حزب الشعب الباكستاني الذي يقود
الحكومة، الحشود تتحرك، لكن الحزبين دفعا بعد ذلك تعويضا ماليا سخيا
لضحايا جوزف كولوني. وقبل ايام من الانتخابات التشريعية تغطي اعلاناتهم
جدران الحي، وتضم باكستان الدولة الآسيوية الكبيرة 180 مليون نسمة
بينهم ثلاثة او اربعة ملايين مسيحي معظمهم من الطبقات الفقيرة، ومن اصل
342 مقعدا في الجمعية الوطنية هناك عشرة مقاعد فقط مخصصة للاقليات لكن
حسب الاقتراع النسبي. بحسب فرانس برس.
وفي نهاية المطاف، تختار الاحزاب المسلمة الكبرى المرشحين، وهو
تصويت برغماتي. فقد قال ان "كلا من الحزبين اعطى خمسة آلاف دولار لكل
عائلة لذلك سنصوت لهما"، وقال اكرم وقار جيل وهو مسيحي من البنجاب ان
"الاسلام هو الديانة الوحيدة التي تحمي حق الاقليات. اذا طبقت الشريعة
فستكون الاقليات هي المستفيدة الكبرى"، ووقار جيل مرشح على لائحة
الاسلاميين في جماعة علماء الاسلام جناح فضل الرحمن، والامر في باكستان
لا يتعلق بدفع "جزية" مقابل "الحماية"، بل بناء جسور سلام بين مختلف
المجموعات. |