مبدأ الشورى وديمقراطية العصر

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من المعروف عن كتابات ومؤلفات الامام الراحل آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، أنها لا تنحصر في فئة محددة من حيث العمر او الفكر او الثقافة او الدين او العرق، انما هي موجهة للجميع، بغض النظر عن اعمارهم او طبيعة عملهم او انتمائهم، فالمحكوم لها حصة بأفكار هذه المؤلفات، والحاكم كذلك، والطفل والكبير، والغني والفقير، والرجل والمرأة، لهذا تأخذ كتابات الامام الراحل، طابعا شموليا يعتني بالجميع، من دون استثناء، علما ان هذه الكتابات والافكار، لا تنحصر بالمسلمين فقط، انما هي ملك وارث للانسانية جمعاء.

وقد ورد في مقدمة كتاب الامام الراحل الموسوم بـ (الشورى في الاسلام) أن كتاباته: (تتسم بكونها كتابات هادفة، ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحقيقة والواقع، فعندما يمسك القلم يضع نصب عينيه ، الواقع المحدد والهدف المعيّن الذي من أجله يسطّر الحروف(.

فالكتابة لدى الامام الشيرازي، وسيلة لتوصيل الافكار الانسانية النبيلة، القادرة على بث الوعي السليم بين الجميع، بغض النظر عن الانتماء، او طبيعة المركز والوظيفة والعمل، وقد ورد في المقدمة ايضا، أن الكتابة عند الامام الشيرازي: (وسيلة وهدفها التربية والتعليم والتوعية والإرشاد، وهذه هي مسؤولية الأنبياء والصالحين على مدار الحياة .ولم يقتصر فـي كتاباته هذه علـى سنٍّ معيّن، بل تشمل منهجيته جميع الأعمـار صغاراً وكباراً .. فكتب للأطفال قصصاً يهدف مـن خلالها تقريب رسالة الأنبياء إلـى الزهور والبراعم، وامتازت كتبه هـذه بالبساطة والنعومة التي قد يعجز عن الإتيان بها الكثير من الكتّاب والمؤلفين(.

الشورى مبدأ عظيم

لاشك أن المنهج الديمقراطي استطاع ان يبني دولا ومجتمعات متطورة، وهي حاليا تتصدر المجتمعات الاخرى من افضلية الحفاظ على الحريات والحقوق المدنية، لكن هذا المبدأ لم يكم وليد العصر الراهن، بل سبق للاسلام أن انتهج منهج الشورى وهو الفعل السياسي المقارب للديمقراطية. وقد أثبت قادة المسلمين الاوائل جدارة ومقدرة عظيمة على بناء دولة متحضرة تمكنت من الوصول الى معظم ارجاء العالم، فكرا وحداثة وتطورا واستقرارا.

وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي الموسوم بالشورى في الاسلام: )كانت الشورى من بين الأفكار العظيمة التي جاء بها الإسلام واستطاع بهذه الفكرة أن يُحطّم جدار الاستبداد والطغيان ويعيد للإنسان كرامته المفقودة، فبنى على ساحل هذه الفكرة أعـظم دولة في التاريخ البشري ، حيـث كان رسول الله  »صلى الله عليه وآله وسلم« يجمع المسلمين كلهم بلا استثناء ويستشيرهم في أمور بلادهم ، والتراث الروائي خير شاهدٍ على ذلك).

ولم تكن الحرية منهج كمالي سطحي، يسمع به الناس ولا يعملون به، بل كانت الحرية عند المسلمين منهج حياة، وكان المعيار الدقيق لنجاح النظام السياسي، هو مبدأ الشورى، فهو بمثابة صمام الامان الذي يديم العلاقة المتوازنة بين الحاكم من جهة والناس المحكومين من جهى ثانية.

يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور نفسه، حول هذا المبدأ أو المنهج السياسي والحياتي الحيوي: (إنّ الاستشارية سواء في الحكومات الزمنيةـ مما تسمى بالديمقراطية ـ أو في الحكومة الإسلامية هي صمام الأمان، وذلك لأنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما انّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: -عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ-، كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكرهُ، مهما فُرضَ نزاهة الحاكم، وكونه مطبّقاً لقوانين البلاد، سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام أو غير الإسلامية كما في البلاد الديمقراطية).

الحاكم الاسلامي والشورى

يؤكد الامام الشيرازي في عموم طروحاته وافكاره التي تتعلق بالمنهج السياسي لقيادة وادارة شؤون الامة، على أن مبدا الشورى في ادارة السلطة والحكم ينبغي ان يخضع للشورى، لأن الحاكم حتى لو طبق جميع القوانين والضوابط المفروضة على القائد، دون أن يلتزم بالشورى فإن هذا التطبيق يبقى ناقصا ومشوها وغير مجدي لادارة شؤون الامة والمجتمع.

يقول الامام الشيرازي في هذا الشأن بكتابه المذكور نفسه: (لا يكفي للحاكم الإسلامي أن يُطبّق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام، ذلك لأنّ الناس عندما يرون أنهُ لم يُطبَّق قانون الإسلام الذي هو الشورى ينفضّون من حوله ثم يثورون عليه حـتى إسقاطه؛ هذا إذا فرض انـهُ حسن الاستنباط وحسن التطبيق، وذلك قليل أو يكاد يكون معدوماً، بل الظاهر أنّـه من غير الممكن إن يُحسن الاستنباط ويُحسن التطبيق، من غير الاستشارية في أصل مجيء الحاكم).

لذا يبقى المنهج الاستشاري هو حجر الزاوية في نجاح الانظمة السياسية بمهامها، ولعل المشكلة الاخطر في هذا الجانب، ان هناك بعض القادة وبعض الانظمة السياسية تؤكد انتسابها للاسلام ولمبدأ الشورى والتزامها به، لكن عندما نأتي الى افعالها وقراراتها، وما تؤديه على الارض لا يتفق مع ما تقول، حيث يتم تقريب المفسدين والمتملقين، لتضيع حقوق الشعب في لجة الفساد والمحسوبية وسواها.

لذلك نقرأ قول الامام الشيرازي في كتابه هذا قائلا عن هؤلاء الحكام: (في ذات الوقت الذي يتكلمون فيه حول الديمقراطية والشورى نجدهم يلفّون حول أنفسهم بأموال الأمة المصفقين والمهرجين والمُرتزقة والامعّات ليسبّحوا بحمدهم في الإعلام، ونجدهم يفتحون أبواب السجون لأصحاب الفكر والـرأي، وينصبون المشانق لكل حرّ، والويل لمن فتح فمه بكلمة واحدة، ظناً منهم أن السجون والمشانق ستقمع الصوت الحر والإرادة النبيلة. لذا تراهم أكثر إمعاناً في سلب الأموال، وقتل الناس الأبرياء ، وتكثير السجون).

هنا يظهر جليا للحاكم وحكومته، الخطر الكبير الذي يحيق بهم، بسبب عدم تطبيقهم لمبدأ الشورى، حيث تتصاعد النقمة الشعبية حتى تبلغ ذروتها، في تحطيم العروش المستبدة للطغاة، لهذا يؤكد الامام الشيرازي على: (انّ عدم تطبيق الشورى سيجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/آيار/2013 - 2/رجب/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م