تلوث الهواء... ظاهرة تسلب الانسان عافيته

شبكة النبأ: تعد مشكلة تلوث الهواء إحدى أهم واخطر المشاكل العالمية التي تهدد حياة البشر في اغلب دول العالم خصوصا مع انتشار مصادر التلوث، يُعَرّف ملوث الهواء بحسب بعض المصادر بأنه أي مادة في الهواء يمكن أن تسبب الضرر للإنسان والبيئة. ومن الممكن أن تكون هذه الملوثات في شكل جزيئات صلبة أو قطرات سائلة أو غازات. هذا، بالإضافة إلى أنها قد تكون طبيعية أو ناتجة عن نشاط الإنسان.

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن 2,4 مليون شخص يموتون سنويًا كنتيجة لبعض الأسباب التي تعزو بطريقة مباشرة إلى تلوث الهواء، ومنهم 1,5 مليون شخص يموتون من الأمراض التي تعزو إلى تلوث الهواء في الأماكن المغلقة. كما توضح الدراسات الوبائية أن أكثر من نصف مليون أمريكي يموتون كل عام بسبب الإصابة بالأمراض القلبية الرئوية والتي يسببها استنشاق الجسيمات الناعمة الملوثة للهواء.

وجدير بالذكر أيضًا أن عدد الوفيات الذي يعزو إلى تلوث الهواء يكون أكبر من عدد الوفيات المرتبط بحوادث السيارات وذلك على مستوى العالم كل عام. وفي هذا الشأن أيضا قال مسؤولون بالأمم المتحدة ان تلوث الهواء يقتل اعدادا من البشر تفوق عدد ضحايا مرضي الايدز والملاريا وأن تحولا الي الطاقة النظيفة قد يخفض بسهولة عدد الضحايا إلي النصف بحلول 2030.

واضافوا ان الاستثمارات في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المولدة من المصادر المائية سيعود بالفائدة على كل من صحة البشر ومسعى تشارك فيه حوالي 200 دولة لابطاء التغير المناخي الناتج بشكل رئيسي عن الغازات المسببة للاحتباس الحراري والتي تنبعث من استخدام انواع الوقود الاحفوري.

وقال كانديه يومكيلا المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في مؤتمر في اوسلو يهدف الى الخروج باهداف جديدة للامم المتحدة للتنمية لعام 2030 "تلوث الهواء يتسبب في وفيات اكثر من الايدز والملاريا مجتمعين." واغلب ضحايا التلوث داخل المنازل الناجم عن حرق الخشب والمواقد البدائية في الدول النامية من النساء والاطفال.

واقترح يومكيلا ضرورة ان تتضمن اهداف الامم المتحدة للطاقة لعام 2030 تخفيض عدد الوفيات الناتجة عن التلوث داخل المباني وخارجها الى النصف. واظهرت دراسة اجرتها منظمة الصحة العالمية في 2012 أن 3.5 مليون شخص يتوفون سنويا جراء تلوث الهواء الداخلي و3.3 مليون جراء تلوث الهواء الخارجي. وقد تؤدي الجزئيات السامة الى الوفاة بالتسبب في الاصابة بامراض مثل الالتهاب الرئوي او السرطان. بحسب رويترز.

وقالت ماريا نيرا مديرة شؤون الصحة العامة والبيئة بمنظمة الصحة العالمية "كان هناك تهوين لحجم المشكلة في السابق." وتمثل ظاهرة الضباب الدخاني مشكلة حادة من بكين الى مكسيكو سيتي. وتشير تقارير الامم المتحدة الى ان عدد الوفيات المرتبطة بمرض الايدز بلغت 1.7 مليون في 2011 في حين قتلت الملاريا حوالي 660 ألف شخص في 2010.

من جانب اخر أظهرت دراسة جديدة أن التعرّض لتلوّث الهواء لفترة طويلة يسرّع عملية تصلّب الشرايين، ما يزيد بالتالي خطر الإصابة بجلطات وأزمات قلبية. وذكر موقع (هيلث داي نيوز) الأميركي أن دراسة على حوالي 5400 شخص تتراوح أعمارهم بين 45 و84 عاماً، في 6 مدن أميركية تمت متابعتهم طوال 3 سنوات، أظهرت أن تعرّضهم لتلوّث الهواء زاد من تصلّب شرايين قلوبهم بحوالي 0.014 مليمتراً سنوياً. ويشار إلى أن المشاركين في الدراسة لا يشكون من أي مرض في القلب. بحسب يونايتد برس.

وأوضح أن تصلب الشرايين يعني زيادة سماكة الطبقتين الخارجيتين للشريان الذي يلعب دوراً مهماً في تدفق الدم بالجسم، وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بجلطات دماغية والتعرّض لأزمات قلبية. وقالت المعدة الرئيسية للدراسة لارا أدار، "إن نتائجنا تساعدنا على فهم كيف يمكن لتلوّث الهواء أن يتسبّب بزيادة الأزمات القلبية والجلطات كما أُفيد في دراسات سابقة". وكشفت الدراسة أن تفادي تلوّث الهواء يمكن أن يبطئ تصلّب الشرايين.

الربو عند الأطفال

من جهة اخرى قد يكون التلوث الناجم عن السيارات مسؤولا عن 14% من حالات الربو المزمن عند الأطفال، فتوازي آثاره بالتالي آثار التدخين السلبي، على ما جاء في دراسة أجريت في عشر مدن أوروبية. وقد نشرت هذه الدراسة في النسخة الإلكترونية من مجلة "يوروبيين ريسبيراتوري جورنال"، وهي قارنت بين وضع الاولاد الذين يعيشون في محيط منطقة ملوثة جدا (أكثر من 10 آلاف سيارة في اليوم الواحد)، وهؤلاء الذين يعيشون في منطقة أبعد أقل تلوثا.

وكتب الباحثون في دراستهم "لاحظنا ان التلوث الناجم عن السيارات قد يكون مسؤلا عن 33200 حالة من الربو (أي 14% من إجمالي الحالات عند الاطفال) بمعنى آخر إن هذه الاصابات ما كانت لتحصل لولا تواجد الافراد في هذه المناطق الملوثة". وقد اجريت هذه الدراسة في خمس مدن اسبانية هي برشلونة وبيلباو وغرناطة وإشبيلية وبلنسية، بالإضافة إلى بروكسل وروما وستوكهولم وفيينا وليوبلينا (سلوفينيا). بحسب فرنس برس.

وثلث سكان هذه المدن العشر يعيشون على بعد 75 مترا من منطقة ملوثة، وأكثر من نصفهم على بعد 150 مترا. وقد سجلت النسبة الأكثر ارتفاعا من حالات الربو المرتبطة بالتلوث في برشلونة (23%)، ثم في بلنسية (19%)، في حين تدنت هذه النسبة إلى 7% في غرناطة وستوكهولم. ووفق تقديرات منظمة الصحة العالمية يوازي التلوث الناجم عن السيارات بآثاراه على الربو المزمن عند الأطفال تداعيات التدخين السلبي على الصحة.

هواء أوروبا

في السياق ذاته لم يعد الأوروبيون يعانون من نفس كم التلوث الذي أودى بحياة الآلاف من سكان لندن في حادثة الضباب الدخاني (الضبخان) الكبير عام 1952 غير أن الهواء الذي يستنشقونه لا يزال يحمل أخطارا غير مرئية لا تقل في شدتها أو صعوبة السيطرة عليها عن تلك الحادثة. وبينما ينصب الاهتمام على الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري فثمة مواد أخرى لها ضرر مباشر أكبر على صحة الإنسان  خاصة أكاسيد النيتروجين  تقذفها محركات الديزل ومحطات الكهرباء الأوروبية العاملة بالفحم الذي يتراجع سعره في الوقت الذي يستغل فيه الأمريكيون احتياطات غاز جديدة.

ويقول النشطاء الداعون إلى التغيير إن نتيجة ذلك تظهر في تراجع جودة الهواء التي تسبب قصر العمر. ورغم ذلك تعترض بعض شركات صناعة السيارات على الخطوة التي تتخذها المفوضية الأوروبية لتشديد القواعد الخاصة بانبعاثات العوادم. وفي الوقت الذي تفتقر فيه الشركات والحكومات بشدة إلى الأموال اللازمة لسن تشريعات جديدة أو تبني تقنيات جديدة يمكن توقع معارضة تشريع جديد واسع النطاق بشأن جودة الهواء عندما تقترحه الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء وقد يكون ذلك في العام الحالي.

ونشرت المفوضية بيانات أظهرت ضخامة التكاليف الناجمة عن التلوث والتأييد الشعبي الكبير والمتزايد لإجراء عملية تنقية للهواء يمكن أن تعود بالنفع على الشركات التي تقدم تقنيات نظيفة. غير أن هناك مشكلة يواجهها النشطاء الذين يحاولون جذب المزيد من الاهتمام بشأن قضية يشبهونها بالتدخين في خطورتها لتأتي في مصاف الأولويات.

فيقول سايمون مور من مؤسسة بوليسي اكستشينج للأبحاث في لندن "من الصعوبات التي تعرقل معالجة هذه المشكلة كونها غير مرئية على عكس ما كانت عليه أدخنة لندن في خمسينات القرن العشرين." وأضاف "هذا نوع من الحالات التي يصعب فيها على العقل إدراك ما لا تراه العين."

وقعت حادثة الضبخان الكبير في ديسمبر كانون الأول عام 1952 ونجمت عن الهواء البارد والضباب الذي كان يعلو نهر التيمس ودخان الفحم المنبعث من مليون منزل ومصنع. وفي بعض المناطق عجز المتجولون في الشوارع عن رؤية أقدامهم ووردت تقارير بإصابة بعض الماشية بالاختناق في سوق سميثفيلد بينما توفى أربعة آلاف شخص أو يزيد جراء هذا الحادث. ويمثل عدد المتوفين في ذلك الشهر بالعاصمة البريطانية مثلي عددهم في شهر ديسمبر عام 1951.

تلك الحادثة وغيرها من الحوادث الأقل خطورة في أنحاء أوروبا دفعت إلى سن قوانين بشأن الهواء النظيف منذ خمسينات القرن الماضي والتي أفضت إلى التخلص من الأدخنة المرئية. ولكن رغم استعمال المحفزات في تحويل المواد السامة إلى مواد أخرى أقل ضررا وغيرها من الطرق المستخدمة في تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون زادت خطورة الملوثات غير المرئية خاصة تلك الصادرة من عوادم السيارات.

وتقول وكالة البيئة الأوروبية وهي منظمة رسمية تابعة للاتحاد الأوروبي إن ما يقرب من نصف مليون شخص بين مواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم نصف مليار نسمة يتوفون في سن مبكرة كل عام من جراء الهواء الذي يستنشقونه. وفي مواجهة المخاوف من تكلفة التشريعات حددت الوكالة نفقات الاتحاد على الرعاية الصحية والاجازات المرضية والتأثيرات الواسعة الواقعة على البيئة بما يقرب من تريليون يورو (1.3 تريليون دولار).

وتواجه لندن كبرى مدن القارة واحدة من أكبر المشكلات المتعلقة بالهواء إذ تعاني من أعلى مستويات ثاني أكسيد النيتروجين بين العواصم الأوروبية وهو غاز لا لون له ولا رائحة ينبعث من حرق الوقود ويمكن أن يؤثر على التنفس. ومن خلال مجموعة من التفاعلات الكميائية المعقدة تولد أكاسيد النيتروجين ما يعرف باسم الأوزون الأرضي الذي أدى إلى تصدر مشكلة الهواء في العاصمة البريطانية لعناوين الصحف من جديد عندما زاد تركيزه بنسبة 80 بالمئة عن المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية.

ويشكو بعض المدافعين عن البيئة من أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل جهدا يذكر لمكافحة الهواء السام الذي يقولون إنه أكبر مسببات الوفاة في بريطانيا بعد التدخين. وتقول لجنة الآثار الطبية لملوثات الهواء التي تقدم المشورة للحكومة إن الهواء السام يسبب 29 ألف حالة وفاة في سن مبكرة سنويا.

وقال مور "تلوث الهواء يشكل خطرا على البيئة والصحة العامة تغفل عنه بريطانيا." وأضاف "إذا قورن تلوث الهواء بالمشكلات الصحية الأخرى في المملكة المتحدة فإنه يأتي بعد التدخين فيما يتعلق بالتكاليف المالية وقصر الأعمار." ورغم ذلك يبدو أن هذه القضية ستحظى باهتمام سياسي أكبر على الأرجح.

وقد أظهر استطلاع للرأي شارك فيه 25 ألف أوروبي ونشرت المفوضية الأوروبية نتائجه في بروكسل أن 56 بالمئة يعتقدون أن جودة الهواء ساءت في الأعوام العشر الماضية بينما يرى 72 بالمئة أن السلطات لا تتخذ إجراءات كافية لمعالجة هذه المشكلة.

وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي أن يصير تلوث الهواء في المناطق الحضرية على رأس العوامل البيئية المسببة للوفاة في العالم بحلول عام 2050. وقالت المنظمة إن عدد حالات الوفاة في سن مبكرة الناجمة عن استنشاق الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء التي تصيب الإنسان بخلل في التنفس قد يرتفع إلى مثلي مستواه الحالي البالغ 3.6 مليون شخص سنويا.

وبينما تتمثل مشكلة لندن الخاصة في ثاني أكسيد النيتروجين الذي ينبعث معظمه من عوادم السيارات تعاني أوروبا بشكل عام من ظاهرة أوسع تتمثل في الأوزون الأرضي والجسيمات الدقيقة التي يمكنها تخلل أنسجة الرئة. ويقول بعض الباحثين إن المركبات التي تعمل بالديزل ومحطات الكهرباء العاملة بالفحم بصورة خاصة تشكل خطرا على القارة. وقالت منظمة الصحة العالمية إن أدخنة عوادم الديزل يمكن أن تسبب السرطان وتنتمي إلى نفس فئة المواد القاتلة التي تضم الاسبستوس (الحرير الصخري) والزرنيخ وغاز الخردل. بحسب رويترز.

ورغم الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تغير المناخ لا يزال توليد الكهرباء من الفحم يصيب الأوروبيين بالأمراض. علاوة على ذلك دفع إنتاج جديد للغاز من الطفل الطيني في الولايات المتحدة الأوروبيين إلى استيراد الفحم الأمريكي الرخيص لاستعماله في محطات الكهرباء بينما انخفضت قيمة الحوافز المالية الرسمية على استخدام الوقود النظيف.

التلوث في الصين

على صعيد متصل أفادت وسائل إعلام رسمية في الصين بالعثور على أكثر من 2200 خنزير نافق في أحد الانهار الرئيسية في مدينة شنغهاي الصينية مما أثار موجة غضب عام في البلاد. ونقلت صحيفة جلوبال تايمز عن شو رونج مديرة مكتب حماية البيئة في منطقة سونجيانغ في شنغهاي قولها إن الخنازير النافقة ألقيت على الأرجح في نهر هوانغبو بمقاطعة تشيجيانغ وإن من المتوقع زيادة عدد الجثث الإجمالي. ونقل عنها قولها في اجتماع للبرلمان الصيني الذي ناقش مشكلة التلوث "علينا العمل بسرعة لإزالتها كلها حتى لا تسبب تلوثا للمياه."

وقالت حكومة شنغهاي في بيان نشر بموقعها على الانترنت إن عمالا يعكفون على جمع الجثث من النهر وإنها تراقب عن كثب جودة المياه لكن لم يتم رصد أي تلوث حتى الان. ويمثل تلوث المياه بسبب تسرب الأسمدة أو المواد الكيميائية أو الصرف الصحي غير المعالج مبعث قلق كبير في الصين. وتعتزم الحكومة استثمار 850 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لتحسين شبكة المياه.

وسرعان ما انتشر خبر العثور على الخنازير النافقة عبر وسائل الاعلام الاجتماعي وانتقد العديد من المدونين السلطات لتأخر استجابتها. وقال مدون اسمه تينج تاو "يجب أن تحقق الادارات الحكومية المعنية بجدية في هذا وتصل إلى حقيقة ما حدث. يجب أن تولي الحكومة اهتماما بحياة الناس ولا تدخر وقتا لحل مشكلات الأمن الغذائي."

الى جانب ذلك وعندما هددت مجموعة تسيجين التعدينية بنقل مقرها من مقاطعة شانغ هانغ إلى شيامين على الساحل الجنوبي الشرقي للصين هرع أحد القياديين المحليين في الحزب الشيوعي الصيني إلى مواجهة رئيس الشركة تشن جينغ هي. وقال المسؤول لتشين 'إذا كنت تريد الانتقال فعليك نقل جبل تسيجين إلى شيامين أيضا' في إشارة إلى منجم هائل ساعد على تحويل الشركة إلى أكبر منتج للذهب في الصين وثاني أكبر شركة تعمل في مجال استخراج النحاس.

يظهر هذا الخلاف بين الرجلين الذي يتحدث عنه السكان المحليون بفخر مدى القلق الذي يساور الحكومات الإقليمية بينما تبحث احتمال فقدان الشركات الكبرى التي تدر دخلا هائلا. كما أنه يبرز حجم التحديات التي تواجه بكين في محاولتها القضاء على البيروقراطية المحلية المتجذرة ومواجهة الشركات القوية المملوكة للدولة المسببة للتلوث التي ترعاها السلطة وتحميها. كما أن الحكومة المركزية راغبة بشدة في مواجهة المشاكل البيئية المزمنة التي نتجت عن تراكمات عشرات السنين وإجبار الأقاليم التي يهمها في المقام الأول النمو الاقتصادي على رفع المعايير.

قال أحد السكان خارج متجر قرب مقر تسيجين شيانجهانغ طلب عدم نشر اسمه 'المشكلة هي أنهم ما زالوا يسعون وراء الربح... حماية البيئة تشبه تناول الدواء.. وهم لا يريدون ذلك'. وشركة تسيجين للتعدين واحدة من أكبر الشركات المملوكة للدولة في الصين، ولديها مشاريع في 20 إقليما وسبع مقاطعات. وفي عام 2010 هزتها فضيحتا تلوث كبدتها ملايين من اليوان في صورة غرامات وتعويضات وأثرت على أسعار أسهم الشركات التابعة لها المسجلة في بورصتي شنغهاي وهونغ كونغ.

كما وجهت لها وزارة البيئة انتقادات شديدة لعدم تطبيقها المعايير وتضررت سمعتها الآن بشدة. وفي شانغ هانغ ذاتها تسربت مواد سامة تغطي 9100 متر مكعب من منجم جبل تسيجين للذهب والنحاس إلى نهر تينغ مما أدى إلى نفوق أربعة ملايين سمكة. واستغرق اعتراف تسيجين بالمشكلة تسعة أيام مما أدى إلى اتهامات من جانب وسائل الإعلام الحكومية لها بالتستر على الحادث.

غير أن الشركة تهيمن بشدة على مقاطعة شانغ هانغ والمنجم يغطي مساحة كبيرة وتساهم بنحو 70 في المئة من الإيرادات المحلية وتوفر أغلب الوظائف في المقاطعة. وساعد سخاء تسيجين على شق طريق سريع يربط بين شانغ هانغ وباقي إقليم فوجيان ومولت انتعاشا في أعمال البناء. وفي حين أن السكان ما زالوا متوجسين فإن الحكومات المحلية عازفة عن اتخاذ أي خطوة من شأنها تعريض هذا النمو الاقتصادي للخطر.

يرى شن هونغ بو وهو أستاذ في جامعة فودان بشنغهاي كانت له دراسة في واقعتي التلوث عام 2010 أن حالة تسيجين ذات 'أهمية عامة' وتثير تساؤلات تنطبق على مئات من المؤسسات المملوكة للدولة والجهات الحكومية الراعية لها. وينظر للسلطات المحلية التي تعتمد بشدة على إيرادات الضرائب والوظائف التي تتيحها المؤسسات الملوثة الكبرى منذ زمن طويل على أنها عقبات تحول دون وعود بكين بالقضاء على الأضرار البيئية التي تراكمت عشرات السنين.

وقالت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) في مقال افتتاحي صيغ بلهجة حادة إن 'الحكومات على المستويات المختلفة هي التي تتحمل المسؤولية' بسبب ولعها بالنمو والسماح باستشراء المشاكل البيئية. ويوجد في الصين قوانين لكن قدرة البلاد على تطبيقها ضعيفة خاصة في مواجهة مؤسسات ضخمة تضخ الملايين في خزائن الحكومات المحلية والتي لولاها لتعرضت لضائقة مالية. ويقول البعض إن بكين تفتقر أيضا إلى الإرادة لمواجهة المشكلة.

وقال ما جون رئيس معهد الشؤون العامة والبيئية وهي مجموعة لا تهدف للربح تتابع التلوث في أنحاء الصين 'الناس يريدون النمو. الناس يريدون التنمية.. لكنهم لا يريدون قبول أن هذا يجب ألا يتحقق على حساب نوعية الحياة.. وبل وصحة أبنائهم.. لكن من الصعب جدا محاسبة الحكومات المحلية'.

وشأن تسيجين شأن العديد من المؤسسات المملوكة للدولة فإنها أكثر من مجرد مؤسسة استفادت من نظام دعم حكومي هائل منحها القدرة على الحصول على قروض بشروط ميسرة جدا مع التغاضي تماما عن الاعتبارات البيئية. كما أن هيمنتها على الاقتصاد المحلي تعني أن الكثير من المسؤولين يظنون أن ما هو في صالح تسيجين هو عامة في صالح المجتمع بشكل عام.

يزيد الوضع سوءا نتيجة أن المؤسسات الحكومية مثل تسيجين تم تشكيلها من خلال هيئات التعدين ولم تفقد دورها باعتبارها ذراعا للحكومة وأبقت على العلاقات وقنوات الاتصال القديمة إلى جانب إدارة المستشفيات أو المدارس أو دور رعاية المسنين.

وبالنسبة للكثير من السكان الذين يسعون للشكوى من التلوث فمن الصعب بمكان معرفة الحد الفاصل بين الشركة والحكومة. وقال تشن رئيس شركة تسيجين بعد الاعتذار عن واقعتي التلوث في 2010 'التي لم تسبب نزاعات اجتماعية فحسب بل أضرت أيضا بعلامتنا التجارية وأضرت بسمعتنا' إنه يجب أيضا الاعتراف 'بأن هناك أشياء إيجابية' تحدث.

أنفقت الشركة 80 مليون يوان (12.9 مليون دولار) على إصلاح أجزاء من المنجم القديم وأقامت 'متنزها وطنيا تعدينيا' افتتح العام الماضي.  كما ساهمت تسيجين بمبلغ 114 مليون يوان في مشروع مياه محلي وتبرعت لعمليات إغاثة من الفيضانات في فوجيان. غير أن مساهمتها في الاقتصاد المحلي هي التي تظهر مدى عجز الحكومة عن الاستغناء عنها.

ويعمد المسؤولون المحليون إلى محاولة تحقيق الهدفين إذ يشجعون شركات كبرى مثل تسيجين على الإنفاق ببذخ على المشاريع البيئية الكبرى مثل المتنزهات واستصلاح الأراضي وفي الوقت ذاته عدم إحداث أي اضطراب في النشاط الاقتصادي. ولم يقع أي حادث كبير متعلق بتسيجين منذ عام 2010 وعملت الشركة على استعادة ثقة المواطنين لكن السكان المحليين ما زالوا متوجسين.

قال رجل مسن اسمه لين يعيش قرب سفح جبل تسيجين 'لا نشرب من النهر لأن هناك تلوثا ولابد من الانتقال إلى منطقة أكثر ارتفاعا. سمعنا شائعات عن المزيد من حوادث التلوث مؤخرا... لا نعلم ما الذي يدخل المياه.. إنهم لا يبلغوننا.. لذلك فإن عدم الشرب منه أكثر أمانا'. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي اضطرت تسيجين لنفي شائعات عن حدوث أزمة تلوث أخرى وأقرت بأن شقوقا في أحد المناجم التابعة لها أتاحت دخول كمية محدودة من المواد الكيماوية إلى خزان يستخدم في حالات الطوارئ. لكن ما زال مسموحا للشركة بالتلويث بقدر لا بأس به من الحصانة من العقوبة والسبب الأساسي هو عدم تعرضها لأي ضغط من بكين للكشف عن طبيعة نفاياتها. بحسب رويترز.

ويتفق الخبراء وكذلك الحكومة المركزية على أنه إذا كانت الصين تريد حقا تطبيق قواعد حماية البيئة فعليها بادئ ذي بدء أن تقيم نظام مراقبة يضغط في المقام الأول على الشركات الكبرى للحد من التلوث. وقال وو شياو تشينغ نائب وزير البيئة 'علينا أن نحسن من نظامنا القانوني ورفع المعايير البيئية ومنع التلوث والخسائر التي تلحق بالبيئة... من خلال إجراءات مثل القوانين والمعايير والسياسات وما إلى ذلك حتى يتسنى لنا حل المشكلة (التي سببها) تدني ثمن خرق القانون وارتفاع ثمن الالتزام به'.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/آيار/2013 - 30/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م