في كربلاء... الستوتات تدفع الحمير الى البطالة

سيف الأسدي

 

شبكة النبأ: ينظر ابو اسعد بشفقة وتعاطف واضحين لفوج حميره "العاطل عن العمل" قبل أن يلقى نظرة إعجاب لستوتته الجديدة التي سرقت في ليلة وضحاها تاريخاً عمره مئات السنين بذلت فيه الحمير كل جهودها من اجل خدمة البشر، ويقول "علينا أن نكون واقعيين، هذه الحيوانات لطيفة وخدومة ولكن "مواصفاتها" لم تعد تتناسب مع زمننا هذا".

ويضيف اسعد محمد، 52 سنة الذي يسكن في قرية من القرى التابعة لناحية الجدول الغربي في قضاء الهندية شرق محافظة كربلاء، أغلب أهالي قريتنا كانوا إلى وقت قريب يعتبرون الحمار حيوانا ذا أهمية بالغة في أمور عدة، أبرزها أنه وسيلة نقل وحمل الأغراض لكن الحال تغير في الأعوام الثلاثة الماضية وبدأ أبو صابر -كما نسميه محليا- غير مرحب به وأكثرنا عمدا إلى طرده من الخدمة بعدما برزت منافسته "الستوتة".

حمير بلا عمل!

ويوضح ابو حسين "هكذا أصبحت حميري الثلاثة بلا عمل وفقدت وظائفها قبل عام عندما اشتريت ستوتة وأصبحت تقوم بجميع أعمالي وبسرعة عالية، ولهذا أفكر الآن ببيع حميري ولكن من يشتري؟ فالكثير من الفلاحين أصبحوا يجدون في الحمير عبئا إضافيا عليهم وعمدوا إلى اتخاذ قرار صرفها من الخدمة رغم أن بعضها خدمهم ولسنين طويلة".

وقد دفع بروز الدراجات النارية المحورة أو ما يعرف محليا بالستوتة بداية عام 2008 في محافظة كربلاء إلى خلق معركة تنافس حادة بينها وبين الحمير التي انتهى بها الحال إلى قضاء أيامها متشردة ذليلة تبحث عن طعامها بين أحراش القرى الزراعية، بينما هجر البعض الآخر منها نحو المدينة رغبة من أصحابها بتخفيف وتناسي مرارة أوضاعها المزرية.

وأخرى تقاعدت عن الخدمة

ويعترف المزارع احمد كاظم عباس,45 عاما، بأن حماره كان مطيعا وخدوما لسنوات عدة "وأنا بصراحة لم أتحمل فكرة التخلي عنه رغم أنني اشتريت ستوتتي الجديدة قبل أشهر قليلة" مبينا "وعليه قررت منح حماري الحرية الكاملة في قضاء ما تبقى من عمره داخل بستان كبير يأكل وينام فيه متى يشاء وكيفما يشاء".

ثم يبتسم احمد ويضيف "ولم أكتف بهذا فقد منحت حماري مكافأة تقاعد جيدة ولم أتخذ قرار طرده لأن إيذاء الحيوان بأي شكل من الأشكال أمر لا يقبله أي مؤمن"، حسب تعبيره.

"جميلة" ذكية جداً.. ولن أتخلى عنها

فيما لا تزال ام سعود والتي تبلغ من العمر 52 عاما متمسكة بحمارتها الأنثى التي تسميها جميلة وتضع حول رقبتها قلادة صغيرة ذات ألوان براقة.

وتقول أم سعود وهي مزارعة "ربيت جميلة منذ ولادتها قبل سنوات عدة ولن أتخلى عنها أبدا"، مبينة بثقة "أنها ذكية جدا وتحفظ طريق الذهاب والمجيء من البستان إلى البيت" منتقدة قيام بعض الأسر الفلاحية بالتخلي عن حميرهم لأن "الحمار لا يكلف أي أسرة على عكس "الستوتة" التي تكلف عملية شرائها مالا كثيرا"، كما تقول.

أما حسين علي، 25 عاما، فقد استغنى عن حماره قبل عامين تقريبا واستبدله بستوتة لبيع اسطوانات الغاز السائل في الأحياء.

ويقر حسين أن "الحمار دعم عمله لسنوات عدة كما دعم عمل أبيه من قبل في المهنة ذاتها لكن الزمن اختلف وصار الحمار بطيء الحركة وليس مثل سرعة الستوتة" ناهيك عن انه بدأ يكلفنا اكلا فيما نستطيع ان نوفر اكله للحيوانات الاخرى الموجودة عندنا.

قطعان متشردة وخطرة

فيما يقف حيدر عباس ويعمل موظفا حكوميا قرب محل لتصليح السيارات في الحي الصناعي وبالتحديد محل لتصليح السيارات وقد بانت على ملامحه عبارات الغضب، بعدما تعرضت مركبته إلى حادث اصطدام مع حمار تائه قرب خان النخيلة الواقع على الطريق الرابط بين كربلاء والنجف قبل أيام عدة ما أدى إلى تضرر مركبته بشكل واضح.

ويقول حيدر أن "طرد الكثير من الفلاحين لحيواناتهم من الحمير جعلها تائهة تسير في كل الاتجاهات، وباتت تشكل خطرا على بعض الطرق الرئيسة بسبب حوادث الاصطدام".

ويلفت حيدر أن هناك قطعانا من الحمير موجودة الآن في أطراف بعض أحياء المحافظة وهي تبحث عن الطعام في مكبات النفايات، مطالباً بإيجاد حل للموضوع لأن الاحياء ربما تصبح بعد فترة أشبه بحديقة للحيوان، حسب تعبيره.

من جانب آخر، أكد علاء حسين وهو تاجر مواشي وأغنام في قظاء الهندية أن سوق بيع وشراء الحمير كان رائجا قبل سنوات عدة وبعضها كان يباع بأسعار تتجاوز الـ 100 ألف دينار لكن الحال تغير ولم يعد احد يرغب بشراء الحمير بعد بروز عوامل عدة أبرزها تدني مستوى القطاع الزراعي إضافة الى بروز الستوتة التي ربحت معركة التنافس مع الحمير وعلى جميع الصعد.

ويؤكد  أن "رؤية قطعان الحمير في محيط القرى الزراعية أو أطراف المدن باتت من الأمور الطبيعية بعدما تجاهل اصحابها خدماتها لسنوات عدة وعمدوا الى اطلاق سراحها نحو المجهول".

حزب الحمير والموقف الحازم!

ويطالب حسين محمد موظف حكومي متقاعد، 60 عاما، وهو يبتسم بضرورة أن يكون لحزب الحمير في كردستان العراق موقفه الجاد إزاء معاناة الحمير والعمل على المطالبة بحقوقها بعدما طرد الآلاف منها إلى الشوارع دون أي حقوق".

ويتوقع حسين أن يكون أكثر من 30 ألف حمار فقد وظيفته في السنوات الأربع الماضية بسبب عوامل عدة مبينا أن تلك الحمير لو كان لها صوت لطالبت باللجوء إلى دول أخرى لان منظمات حقوق الإنسان ستكون أكثر اعتناء بها.

فيما يشير أبو زينب وهو رجل قد تجاوز الثلاثين من عمره، إلى أن "البعض يقدم الخبز اليابس لحماره وهو يقف على مقربة من مكب نفايات، مبينا أنه "يعمل في جمع الأواني البلاستيكية وقناني البيبسي كولا فهي تمثل مصدر رزقه الوحيد حاليا".

وعند سؤالنا عن أسباب تمسكه بحماره رغم وجود بدائل أخرى، صمت قليلا وقال أطالب بأن أكون الناطق الإعلامي باسم الحمير لأنني أعرف جيدا معاناتها.

ويضيف أبو زينب أن "البعض ربما ينتقدني لأني أتحدث باسم الحمير لكن الحقيقة هي عدم وجود فروق بيننا كبشر وبينها فكلانا بدون مستقبل واضح وكلانا جائع نبحث عن الطعام وكلانا لا ننطق أبدا من الألم"، موضحا أن "الحمير في العراق تعاني آلاف العقد النفسية مثلما نعاني نحن".

من جانب اخر، يلفت كريم محمد وهو خبير في الثروة الحيوانية في كربلاء إلى أن "القطاع الزراعي في المحافظة بشكل عام تضرر من حالة عدم الاستقرار الأمني واستمرار الاضطرابات الأمنية لسنوات عدة ما أدى الى انعكاسات سلبية على حياة آلاف الاسر دفع بعضها إلى الاستغناء عن حيواناتهم الاليفة ومنها الكلاب والحمير".

ويوضح كريم أن "تنامي قطعان الحمير السائبة أمر واضح في بعض المناطق الزراعية نتيجة إقبال المزارعين على تأمين بدائل للحمير من ناحية النقل وحمل البضائع" مبينا أن "ما يقال عن أن الستوتة نجحت في معركتها مع الحمير، اعتقد انه كلام ليس دقيقا.

بعض الحمير غير مهذبة !!

أما ازهر مجيد حميد شاب يبلغ من العمر20 عاما يسكن قضاء الهندية فقد أشار وهو يضحك ان بعض الحمير غير مهذبة وتثير استياء الأهالي خاصة في موسم التزاوج مبينا أن أحد كبار السن طرد بعض الحمير كانت على مقربة من منزله وهي تمارس الجنس. فيما يؤكد شاب آخر يدعى علي محمد، 22 عاما "قيام بعض الكلاب المسعورة بتقطيع أوصال حمار صغير بعد ولادته بدقائق قرب منطقة الشاطي التابعة لناحية الجدول الغربي في قضاء الهندية قبل أشهر عدة مبينا أن الحمار حيوان مسكين لكنه رغم ذلك صابر على قدره.

وأسس عمر كلول مع مجموعة من أصدقائه بمدينة السليمانية في نهاية السبعينات من القرن الماضي، جمعية من اجل الدفاع عن حقوق الحمير إلا أن النظام السابق هدد أعضاء وناشطي الحزب من مغبة الاستمرار في مثل هذا النشاط.

ويطلق الحزب على مقر مكتبه السياسي اسم "الخان"، وهو مكان مبيت الحمير في اللغة الكردية، في حين يحمل أعضاء الحزب ويتنادون فيما بينهم بكلمة أيها الحمار، ويعتبرون ذلك نوعاً من إسباغ الاحترام على بعضهم البعض.

وكان حزب الحمير قد حصل على إجازة من وزارة الداخلية في إقليم كردستان في آب 2005.

يذكر أنه في منتصف القرن الماضي تأسس في أوروبا "نادي الحمير" برئاسة "فرانسوا بيل"، وكان بعض أعضاء النادي أصحاب مكانة اجتماعية مرموقة وبعضهم كان له وزن في الحياة السياسية والاقتصادية، ونظراً لمكانة هذا النادي وأهدافه الاجتماعية الترفيهية افتتح له فروعاً في مصر ولبنان وسوريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/آيار/2013 - 30/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م