انتهاكات حقوق الإنسان وتعطيل الحل السياسي

أحمد رضي

أسمحوا لي أن أتطرق إلى جانب حقوقي، سياسي على هامش الندوة بهذه الليلة.. لن أتكلم بالتفصيل كصحفي أو إعلامي ولكن سأتكلم كإنسان ومواطن، أريد أن أعبر عن نفس الشباب المتواجدين خارج هذه القاعة، وأخواني المعتقلين وراء القضبان. وأرجو أن تسع صدوركم لما سأقوله وأتحمل كامل المسئولية.

في السجون البحرينية هناك أكثر من 1500 معتقل سياسي، يعيشون أوضاع غير إنسانية، حقوقهم انتهكت بصورة وحشية، مع وجبات التعذيب والاعتداء الجنسي.. ولا مجال لتكذيب هذه الأنباء لأني بنفسي يوما ما كنت داخل هذه السجون، ورأيت بنفسي صور بشعة من سحق لإنسانية الإنسان وكرامة المواطن، ورغم وحشية النظام وجرائمه الذي يحاكم عليها في المحاكم الدولية.. فإن شباب الثورة في البحرين لم ييأسوا من المطالبة بحقوق الشعب بصورة مستميتة رغم انقلاب العالم كله عليهم.

أسمحوا لي أن أكون صريحاً معكم.. هناك اعتقاد شعبي سائد لدى أخواني الشباب بأن أي خطاب ديني أو سياسي يدعو لإصلاح النظام التي تجاوز كل الخطوط الدينية والأخلاقية يعتبر خطاب مخالف لجوهر العقيدة الدينية الداعية لمقاومة الظالمين سياسيا وحقوقيا وميدانياً، ومخالف لسنن التاريخ ويجرد الثورة من أهدافها الداعية لحق تقرير المصير وحق الشعب كله بخلق نظام سياسي جديد، تسوده قيم العدالة والحرية والمساواة بين الجميع.

هؤلاء الشباب في الميادين ليسوا شرذمة وليسوا إرهابيين أو جهلة كما يصفهم البعض للآسف، هؤلاء من صنع الثورة واختصر زمن التغيير الذي لم يستطع الخطاب الديني والسياسي عمله في سنوات قليلة، هؤلاء أصحاب الجروح والصدور العارية.. لا يمكن إبعادهم عن الحل السياسي، هؤلاء الشباب بجروحهم وتضحياتهم ودماؤهم جزء الحل السياسي.

فالثورة شبابية مستقلة عن جميع الأحزاب والقوى السياسية، ولا سلطة أو قيادة عليها غير وعي الناس ذاتهم وإيمانهم بأن الوقت قد حان للتغيير.. جاء الوقت أن نسمع صوت شبابنا، صراخهم.. آلامهم.. جروحهم.. تضحياتهم.. هؤلاء من يصنع الوطن بإرادته المستقلة بعيداً عن مصالح الدول القريبة أو حلفاء النظام. (الشباب) خطابهم واضح وأن اختلفنا معه، سواء أكان ملكية دستورية أو نظام جمهوري لا يهم.. المهم أن يكون نظام يمثل إرادة الشعب ودينه وأخلاقه وعاداته وقيمه، نظام يحترم حقوق الإنسان ويصون حريته وكرامته.. نظام يحاسب المخطئ والقاتل والمجرم. ولذلك فهؤلاء الشباب لا يثقون بأي دور للوسيط الأمريكي أو السعودي المحتل لأرضنا.. كلاهما ساهموا في قتل شعبنا ودعم النظام عسكرياً وإعلامياً وأمنياً.

لقد أجاد النظام قراءة الخارطة الاجتماعية لشعب البحرين وحاول زرع الفتنة وتحريف مطالب الثورة وخلق التناقضات الداخلية واستغلال الثغرات بين القوى الإسلامية والوطنية.. ولكننا نعول على وعي الشعب بهذه الخطط لإفشالها، ونعول على وعي جميع الأحرار على تصحيح مسار الثورة وقدرة الشارع على تغيير معادلة القوة.

شبابنا متمسكين بالسلمية وفي نفس الوقت لهم حق الدفاع عن أراضيهم المحتلة وقراهم التي يعيث فيها رجال الأمن.. ومن حقهم الدفاع عن عقيدتهم وأرواحهم ومساجدهم وأعراضهم. ولا يزال الشارع البحريني حتى هذه اللحظة ومن ضمنه المعارضة السياسية وقوى 14 فبراير هو المتقدم على جميع مسارات العمل السياسية، ولذلك يتم تجاهله إعلامياً واعتقال رموزه وتحريف مطالبه الوطنية.

هناك قاعدة مهمة ينبغي توضيحها: المرجعية النهائية لأي قرار هي للشعب حسب ما نصت عليه القوانين الدولية. وأية تسوية سياسية لا تأخذ بالمعطيات الجديدة للواقع البحراني من حيث اتساع رقعة الثورة وجماهيرها ودور إئتلاف 14 فبراير ورموز الممانعة وكل تيارات الوطن.. لا يمكن قبولها أو فرضها لأنها لا تعبر عن إجماع وطني كما عبر عن ذلك مختلف الرموز السياسية والدينية في البحرين.

وما تطرحه الجمعيات السياسية اليوم من سقف متدني لا يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية ولا يراعي التطورات التي أعقبت 14 فبراير بعد سقوط الشهداء ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين والمفصولين.. وما أصاب البنية الاجتماعية من شرخ طائفي وخطاب إعلامي استنفر كل الحقد والكراهية لدى النظام الحاكم من أجل تحريف حركة هذه المطالب.

أشير لنقطة هامة، لذلك يجب توضيح مسألة بأن الحوار مع النظام ليست محل اتفاق بين الجميع رغم إيماننا بأهمية الحوار لغلق الملفات الساخنة.. وقد تكون نتائج الحوار أكثر خطرا على الثورة من تحركات الشباب الثائر في الشارع. الحوار أفرز تباين بين القوى بصورة مذهبية، وأفرز اختلاف جوهري عميق بين المنهج الإصلاحي والثوري.. وبالتالي تأتي مسألة الاستفتاء تحصيل حاصل لنتائج سبق الاتفاق عليها، والخطورة هنا أن تتنازل الجمعيات السياسية حتى عن سقف مطالب وثيقة المنامة وبند تشكيل حكومة منتخبة شعبياً، ولذلك فإن مطلب الثوار والشباب هو الاستفتاء بشأن شكل النظام السياسي الحالي وفشله في إدارة البلاد من سنوات مضت، ولا ينبغي أن يكون الاستفتاء بشأن مطالب بسيطة سبق الاتفاق عليها في الغرف السرية أو استعراضها بين قوى سياسية تحظى بدعم الإدارة الأمريكية أو السعودية، ويتم إقصاء جميع أطراف الممانعة وقوى ثورة 14 فبراير. علينا أن نستفيد من أخطاء انتفاضة التسعينات ولا نكرر الأخطاء القاتلة التي وقع فيها الكبار وأن نثق بوعي وإيمان وقدرة الشارع الثائر على إحداث التغيير المطلوب.

هناك أمور تجرح شعورنا الرافضة للظلم ولكل حلفاء النظام الذي ساهموا بدعمه أمنياً وعسكرياً وإعلامياً.. علينا أن نحكم سلوكنا وفق قيم ومبادئ ونراجع مواقفنا ونتتقد بعضنا بصورة أخوية صادقة دون تقديس أو تبرير.. فالحق لا يقاس بالشخصيات أو بالكثرة.

عندما نتحدث عن تسوية سياسية علينا أن نراعي أولاً حق القصاص ومحاسبة القتلى والجلادين.. وأن نرجع إلى أهل الدم من عوائل الشهداء الكرام.. أن نراعي حق السجين المعتقل في الاقتصاص من الجلاد الذي عذبه والقاضي الذي سجنه ظلماً.. علينا أن نعترف بالثورة وقواها ومن بينها إئتلاف 14 فبراير وكل قوى الممانعة، وعدم تسفيه آرائهم أو استبعادهم من الحل السياسي. علينا أن نراجع كل القوانين التي شرعها النظام بما فيها (قانون الجمعيات، مزايا النواب، ونسبة 1%).. علينا أن نلغي وزارة الإعلام ويتوقف الخطاب الطائفي التحريضي في هذه الوسائل.. على السلطة أن تطلق سراح جميع المعتقلين كبادرة حسن نية.. علينا أن نصنع دستورنا وحكومتنا المنتخبة. وأي حل سياسي لا يمتلك مقومات النجاح ألا بعد تحقيق مطلب العدالة الانتقالية.

ختاماً.. جاء في تقرير الخارجية البريطانية السنوي بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية أشار بأن الإصلاح في البحرين يتطلب وقتاً والتزاماً صادقاً من الحكومة.. وسؤالي هو: لماذا لا تساهم الدول الحليفة مع النظام على منعه من ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية أو وقف انتهاكات حقوق الإنسان أو محاولة وقف تصدير السلاح له أو دعمه أمنياً ومالياً وعسكرياً.

لذلك أقول الثورة لا تؤمن بالسياسة المرحلية والمنهج الإصلاحي الذي يدعو له بعض الرموز الدينية للآسف، وهذا مما يطيل أمد بقاء النظام ويدفعه لمواصلة جرائمه الوحشية. الثورة فعل تغيير يستهدف بناء نظام سياسي واجتماعي جديد وفق عقيدة الشعب الدينية أو منظوره الفكري والسياسي. الثورة لا تعترف بحلول مؤقتة لا تساهم في علاج الملفات الساخنة أو القضايا بشكل جذري. مطلب الثورة هو حق تقرير المصير عبر خلق نظام سياسي يمثل إرادة الشعب ويجسد تضحيات شهدائنا وآلام أخواننا.

ختاماً.. لا أعرف هل أصبح غداً وأنا بينكم أو غائب وراء الشمس.. ولكني مؤمن بالثورة وبحق الشهداء وتضحيات المخلصين وعذابات أخواني السجناء الأحرار، وسأظل أدافع عنهم بصوتي وقلمي فهو سلاحي، ولن أعجز عن حمل غيره.

* كاتب صحفي

.................................................

* كلمة ألقيت في منتدى وعد السياسي بندوة (بين انتهاكات حقوق الإنسان وتعطيل الحل السياسي)، الأربعاء، 8/5/2013:

فيديو الكلمة:

http://youtu.be/w_v64c2XV4s

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/آيار/2013 - 30/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م