بين تفجير بوسطن وجهادي كندي... تشابه كبير

 

شبكة النبأ: كان الركام والرماد والسيارات المحترقة هو كل ما تبقى من مزرعة معزولة قتل فيها كندي اعتنق الإسلام وهو يقاتل معركته الأخيرة الى جانب متمردين إسلاميين في منطقة داغستان الروسية.

في ذلك الوقت لاحظ قليلون -بخلاف القرويين المحليين- مقتل ويليام بلوتنيكوف في منطقة تشهد اشتباكات شبه يومية. لكن بعد مرور عام عاد بلوتنيكوف إلى دائرة الضوء بعد تفجيري ماراثون بوسطن في الولايات المتحدة.

ويتشابه التحول المفاجئ للمهاجر الروسي بلوتنيكوف إلى مقاتل في صفوف المتمردين الإسلاميين مع حياة تيمورلنك تسارناييف المشتبه به الرئيسي في تفجيري بوسطن وهو ابن مهاجرين من الشيشان هاجرا الى الولايات المتحدة.

وفي قرية اوتاميش حيث توجد بضعة منازل في واد تحده جبال داغستان الوعرة يعرف بلوتنيكوف باسم الكندي.

قال ارسلان جيري حاجي وهو إمام محلي في مسجد صغير بالقرية "الكندي.. نعم رأيته مرتين. جاء إلى المسجد. وبدا كالجميع.

"كان يصلي ويغادر." وأضاف مستخدما تعبيرا يستخدم محليا للاشارة إلى الانضمام إلى المتشددين الذين يحاربون الحكم الروسي لمنطقة شمال القوقاز "كان في الخارج مع الآخرين في الغابة."

وفي 14 يوليو تموز عام 2012 أحاطت قوات روسية بالمتمردين قرب أوتاميش وقصفتهم بالمدفعية. وسوي جزء من مزرعة كان يختبئ بها بلوتنيكوف ورفاقه المقاتلون بالأرض. وقتل سبعة على الاقل بينهم بلوتنيكوف.

ومنذ تفجيري بوسطن الشهر الماضي تحول الانتباه إلى آخرين سارت حياتهم في نفس الطريق مثل تسارناييف. ونشرت صحيفة نوفايا جازيتا الروسية وصحيفة ناشونال بوست الكندية تفاصيل السنوات الأخيرة في حياة بلوتنيكوف.

وبلوتنيكوف روسي هاجر إلى مدينة تورنتو الكندية مع والديه عندما كان مراهقا في عام 2005 واعتنق الاسلام وهو شاب وعاد إلى داغستان لينضم إلى الاسلاميين المتشددين.

ولا يوجد دليل على أن بلوتنيكوف كان يعرف تسارناييف لكن بعض التشابه بين الاثنين يلفت الانتباه. وكان الاثنان في سن الشباب عندما أصبحا متدينين بعدما واجها تحديات في البلدين اللذين هاجرا إليهما والاثنان كانا يلعبان الملاكمة.

ووصف فيتالي والد بلوتنيكوف التغيير الذي طرأ على ابنه من مراهق يقترض بطاقة الائتمان الخاصة بوالده ليمارس التزلج إلى شخص يواظب على الصلاة. وقال لقناة (سي.بي.سي تي.في) "شخص ما غير فكره في كندا." وأضاف أنه يعتقد أن تسارناييف واجه "نفس المشكلة."

وسافر بلوتنيكوف وتسارناييف إلى داغستان في النصف الأول من عام 2012 لزيادة معرفتهم بالدين. وعاش الاثنان على بعد 120 كيلومترا على شاطئ بحر قزوين. بحسب رويترز.

ويشتبه محققون أمريكيون بأن تجربة تسارناييف في داغستان لعبت دورا مهما في تشدده خاصة إذا توصلوا إلى أنه التقى بأي متشددين خلال إقامته بمنزل أسرته في العاصمة الاقليمية مختشكالا.

وبينما كان تسارناييف مع والديه فإن بلوتنيكوف انضم إلى التمرد وتراجع إلى معسكر المتمردين مع متشددين آخرين في الجبال جنوبي مختشكالا حيث قتل.

وغادر تسارناييف داغستان على عجل بعد يومين من مقتل بلوتنيكوف وعاد إلى الولايات المتحدة جوا عبر موسكو وفقا لصحيفة نوفايا جازيتا. وقتلت الشرطة الأمريكية تسارناييف بالرصاص بعد ذلك بتسعة أشهر عقب تفجيري بوسطن اللذين أسفرا عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 264 آخرين.

وفي زاوية نائية بمنطقة مقابر في اوتاميش يوجد قبر بلوتنيكوف وبدا بسيطا وعليه هلال ونجمة. وكتب على شاهد القبر باللغة الروسية "بلوتنيكوف فيليام فيتاليفيتش" كما كتب انه ولد في الثالث من مايو أيار 1989 وكان يبلغ من العمر 23 عاما عندما قتل.

وفي قرية مثل اوتاميش تتناقل الاخبار سريعا. كما أن وصول وجوه جديدة إلى القرية سيعرف حتما. ولكن عند سؤالهم عن تسارناييف هز القرويون رؤوسهم وقالوا إنهم لم يسمعوا قط بأنه جاء إلى أراضيهم.

وقال جمال الدين علييف شيخ القرية وهو ينظر إلى قبر بلوتنيكوف " كلاهما ميت الآن. ربما كانا يعرفان بعضهما البعض.. من يدري؟" وأضاف مشيرا إلى تلة خضراء تطل على القرية "دفناه هنا لانه مسلم. لم يعش هنا بل عاش هناك في الغابة."

وقالت سالات وهي موظفة محلية إن بلوتنيكوف ذي البشرة البيضاء لوحظ فور مجيئه إلى القرية التي يعيش فيها نحو ثلاثة آلاف شخص. وأضافت "جاء إلى هنا بعدما تعرف على بعض الشبان من اوتاميش في قرية أخرى إلى الشمال.. عاش هنا لعدة أشهر ثم اختفى في الغابة."

ونادرا ما يشاهد أجانب يقاتلون في صفوف المتمردين في القوقاز لأن الروس نادرا ما يعتنقون الاسلام.

لكن مع استمرار الصراعات في القوقاز فإن مطالب القوميين بالاستقلال والتي هيمنت على عقد التسعينيات أفسحت المجال إلى دعوات لاقامة دولة إسلامية في منطقة القوقاز من جانب أشخاص ذهبوا للقتال في دول مثل أفغانستان وسوريا أو ممن يرون في الحكم الروسي للمنطقة حكما فاسدا وقمعيا.

ولا يعلم أحد على وجه اليقين عدد المتشددين في الجبال لكن يعتقد أن معظمهم يعيش في داغستان خاصة إلى الجنوب من اوتاميش.

وبالنسبة لسكان اوتاميش فإن المعركة التي دارت العام الماضي في المزرعة كانت الأحدث منذ سنوات عديدة بعد فترة من الهدوء النسبي.

وقال علييف إن جثث المتمردين نقلت في باديء الامر إلى مختشكالا في إطار التحقيق. وأضاف أن فيتالي بلوتنيكوف الذي يعيش في تورنتو سافر إلى داغستان فور ما حدث ونقل الجثة إلى القرية سعيا لدفنها هناك.

وقال "لا أعلم لماذا لم ينقل الجثة إلى كندا. أعتقد أنه أمر مكلف لذا أعاد الجثة إلى هنا.. قال الوالد لي: كان من الأفضل ألا أبحث عنه. بالنسبة له كانت مأساة كبيرة."

وقال جليل الاتسييف نائب رئيس الادارة المحلية المسؤولة عن الأمن إن المتمردين كانوا مراقبين من قوات الامن الروسية منذ عدة أشهر. وأضاف مشيرا إلى سلسلة جبال "لم يأتوا إلى القرية قط. كانوا مختبئين هناك."

ووصف الاتسييف المتمردين بالوهابيين وقال "من السهل تمييزهم. لهم لحى طويلة ويصلون بطريقة مختلفة. نحن مسلمون هنا لكن هؤلاء الناس مختلفون."

والمزرعة مهجورة الان وسجن صاحبها بتهمة مساعدة المتمردين. ولحقت أضرار كبيرة بالمبنى الرئيسي فيها وتناثر بداخلها الزجاج المحطم وقطع الحديد والسترات العسكرية المموهة.

وتمثل داغستان -وهي واحدة من أفقر الأماكن في روسيا وأكثرها تنوعا من الناحية العرقية- صداعا كبيرا لموسكو. وما زالت القوات الروسية تكافح لوقف هجمات مستمرة يشنها إسلاميون متشددون بعد أكثر من عشر سنوات من خوض موسكو حربين منفصلتين في جمهورية الشيشان المجاورة.

وداغستان تحت الحكم الروسي لكن لها تاريخ طويل من مقاومته. ويحمل العديد من سكان المنطقة مشاعر استياء تجاه الأساليب العنيفة التي تستخدمها القوات الروسية ضد المتشددين المشتبه بهم وعائلاتهم.

وتعود هذه المشاعر إلى قرون مضت حيث كان الوادي المحيط باوتاميش ساحة معارك طاحنة بين القبائل المحلية والقوات الروسية التي أرسلها بطرس الأكبر لضم داغستان أثناء حرب مع بلاد فارس في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي.

والدفاع عن المتمردين اليوم قد يزج بالناس في السجن. لكن حتى في هذه القرية التي تهيمن عليها أقلية عرقية تتحدث التركية لا زال البعض يبدي التعاطف.

وقالت راشيا هانم اديكوفا (56 عاما) والتي تدير مزرعة ألبان في التلال إنها رأت متشددين يمرون عبر حقولها لكنهم لم يمسوا عائلتها. وأضافت "لا يفعلون بنا شيئا لأننا كبار في السن."

وقال إمام القرية إنه لا يقبل الأساليب التي تستخدم ضد المتمردين. وأضاف "الكثيرون أبرياء لكن مع ذلك يقبض عليهم .. إذا كانوا مجرمين فيجب بالطبع اعتقالهم لكن هناك حالة من الفوضى وكل يوم يموت أحد.. لقد سئمنا هذا الوضع."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آيار/2013 - 28/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م