العدوان الإسرائيلي وإحباط الحسم العسكري في سوريا

محمد علي جواد تقي

 

شبكة النبأ: أحدثت الغارات الجوية والصاروخية الاسرائيلية دوياً هائلاً في الميدان السياسي والعسكري السوري، كما أحدث دوياً مماثلاً في الميدان المعارضاتي – إن صحّ التعبير- حيث تواصل الجماعات الارهابية المسلحة سعيها لتعزيز موقفها على الأرض من خلال إحياء الوعود للقادة الميدانيين والأفراد المنتشرين هنا وهناك، بقرب وصول الاسلحة المتطورة والنوعية التي تمكنهم من الاقتراب الى الحسم العسكري، أو على الأقل التخلّص من عقدة النقص أمام الجيش السوري المنظّم والمسلّح بشكل جيد، وتحقيق التكافؤ في ساحة المواجهة.

لقد سبقت هذه الغارة زيارة قام بها أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، الى البيت الابيض والاجتماع بالرئيس الامريكي باراك أوباما، حيث تطرق في اللقاء الى ضرورة الاسراع في تسليح ما يسمى بـ "الجيش السوري الحر"، وكان الامير القطري يأمل بالحصول على وعد من أوباما بذلك، لكن خاب السعي والظن، لأن رؤية الاخير ليست مثل رؤية الأول الى الاحداث وآفاق المرحلة.. فالامير القطري يفكر بالتغيير في سوريا على شاكلة ليبيا، عندما ضخّ الاموال والسلاح للثوار بحيث مكنهم من تحقيق هدفهم باسقاط نظام حكم القذافي خلال فترة قياسية. فضلاً عن أن الانقسام بدا واضحاً في مجلس الشيوخ والنواب الامريكيين حول هذه المسألة، حيث يصطف المعارضون والمؤيدون، إذ يشكك المعارضون بقدرة المعارضة السورية على لجم الجماعات الارهابية في حال حصولها على الاسلحة الحديثة والنوعية وعدم استخدامها بما يضر بالمصالح الامريكية، ويجب أن يسنى الأمير القطري أن الامريكيين لن يكونوا بحاجة الى جماعات ارهابية مسلحة غير متجانسة تحمل افكاراً متناقضة، ولا حتى "للجيش السوري الحر" لحماية مصالحها في المنطقة.

وفي الميدان، بات المشهد السوري يزداد دمويةً يوماً بعد آخر، حتى بات محرجاً جداً للمجتمع الدولي ، وللغرب وامريكا تحديداً، بعد أن رفعت فرنسا وبريطانيا بدايةً، لواء الحرب ضد نظام حكم بشار الأسد والمطالبة بالإطاحة به، وها يمضي على أول رصاصة أطلقت داخل سوريا، حوالي سنتين، سقط فيها حوالي (100 ألف) قتيل بينهم نساء وأطفال، وتشريد حوالي أربعة ملايين انسان داخل وخارج سوريا. ودمار هائل في معظم المدن السورية. والمعارضة ترفع صوتها في المحافل الدولية لتغليب الخيار العسكري، والإشارة الى فشل الخيار السياسي.

وبدلاً من أن تصل الصواريخ والاسلحة الثقيلة والمعدات العسكرية الحديثة الى الجماعات المسلحة المتحصنة داخل المدن السورية، عبرت الصواريخ الاسرائيلية من فوق رؤوسهم صوب أهداف عسكرية لا علاقة لها بأهداف الجماعات السورية والمعادلة العسكرية في ميدان المواجهة مع الجيش السوري، إنما هي استهدفت مستودعات عسكرية كانت تضم صواريخ معدة للشحن الى حزب الله في لبنان، وهذا حسب المُدعى الاسرائيلي. بينما قالت الحكومة السورية إن الموقع المستهدف كان مركزاً للبحوث العلمية في "جمرايا" بريف دمشق، وفي كلا الحالتين، يبدو ان الجماعات المسلحة المعارضة ليس امامها سوى التفرّج على المشهد الغامض.

على الصعيد السياسي؛ لم يكن الحرج والارتباك بأقل منه في الميدان، لأن المعارضين السوريين وتحديداً الائتلاف الوطني السوري الذي يعد نفسه قريباً من الدوائر السياسية الغربية، وها هو يجد نفسه أمام اختبار عسير في انتماءه الوطني، لذا لم يجد بُداً من التنديد بالعدوان الاسرائيلي، ولو ان بيان الائتلاف خلا من عبارة "العدوان"، واقتصر على "القصف"، إلا ان هيثم المالح، أحد رموز الائتلاف تحدث عن "العدوان على سوريا"، خلال مداخلة هاتفية من القاهرة في برنامج تلفزيوني، وعكس المشاعر المتناقضة في صفوف المعارضة، وقال: "نرفض العدوان على سوريا بالتأكيد.. لكن ماذا بوسعنا أن نفعل..؟! الضربة الاسرائيلية تسهم في إضفاء شرعية على النظام السوري، حتى يقال: أترون العدوان الصهيوني يتوافق ويتزامن مع هجمات الجيش السوري الحر.."! كما ان الائتلاف في بيانه أكد نفس الشعور بالخيبة من التوقيت الاسرائيلي.. ثم ان المعارضة السورية لا تجهل ابداً المعادلة المعروفة، بأن العدو الداهم من الخارج ، بالضرورة يوحّد الفرقاء في الداخل. لاسيما اذا كان العدو هو الكيان الصهيوني، والبلد المستهدف هو بلد عربي مثل سوريا التي تحتل اسرائيل جزءاً من اراضيها.

نعم.. صدق هيثم المالح بالقول: "ماذا بوسعنا ان نفعل.."؟! وربما نفس الكلام بين شفتي قادة "الجيش السوري الحر"، ينتظرون ردود الفعل وتطورات المشهد الجديد، ويمكنني مقارنة الحالة التي وصلتها المعارضة السورية في اللحظة الراهنة، مع حالة المعارضة العراقية في السنوات الاخيرة من حياة النظام الصدامي، فقد حاول قادة المعارضة – وهم اليوم في سدة الحكم- فك شفرة التغيير في العراق، في ألسن المسؤولين الامريكيين خلال اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات، وكيف سيكون نمط التغيير وشكله وأسلوبه.. فلم يفلحوا ابداً، وكان يدور في خلد بعض المعارضين أيام زمان، أنه ربما يكون هنالك اتفاق بين الامريكان وعدد من رموز النظام السياسيين، او ربما يكون هناك اتفاق مع ضباط كبار او شيء آخر، ثم كيف يكون مصير أركان النظام بأسرهم..؟! كلها أسئلة واستفهامات لم يحلها أحد، إلا بعد دخول قوات "المارينز" بغداد والاطاحة بنظام صدام كاملة، ثم دخول رجال المعارضة العراقية ليتحولوا فيما بعد الى رجال الدولة الجديدة بالتنسيق مع ممثل البيت الابيض في العراق "بول بريمر" الذي يمكن القول أنه حكم العراق لسنة كاملة.

ولنا أن نذكّر القارئ الكريم، بأحداث الانتفاضة الشعبانية والقمع الدموي والخيانة العظمى الذي تعرضت له، فقد كانت الرسالة الامريكية واضحة جداً.. التغيير وقلب نظام الحكم في بلد مثل العراق، لن يتم من خلال جماعات مسلحة او ثورة جماهيرية مهما كانت تحمل من الشرعية والأحقية، ومهما كان الطرف المقابل دموياً وظالماً. لأن الأهم هي المصالح وليس الحق أو المفاهيم التي تتحدث عنها الشعوب المضطهدة.

ذكرت الوكالة السورية العربية للأنباء "سانا" أن تصريح المعلم جاء خلال اتصال هاتفى اليوم الاثنين، مع سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسى بحثا فيه الأوضاع المتفجرة فى المنطقة إثر الاعتداء الإسرائيلى على سورية صباح أمس الأحد.

وأكد المعلم، خلال الاتصال، أن هذا "العدوان يثبت مرة أخرى تورط إسرائيل ومن يدعمها فى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية فى سفك الدم السورى ومنع التوصل إلى وقف العنف والإرهاب بهدف إضعاف سوريا والنيل من مكانتها إقليميا ودوليا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آيار/2013 - 28/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م