مآثر الحياة الشخصية للقائد السياسي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: لحياة القائد السياسي الشخصية مآثر كبيرة، يتداولها الناس ويحتفظ بها سجل التاريخ، لأن كل قائد له صفحته في الحاضر والمستقبل وفي بطون الماضي ايضا، فعندما ينتهي عهده وحكمه، تبقى ذاكرة التاريخ حاضرة، وتبقى ألسنة الناس وآراؤهم واقلام الكتاب تتداول تلك السيرة، بما لها وما عليها.

لذلك فإن مآثر القائد السياسي لا تموت قط، بل تبقى مثالا للشعب والامة بالايجاب او السلب، وحسبما تنضح به تلك السيرة من مواقف واعمال وقرارات، لذا لابد أن يتنبّه قادة اليوم لاسيما في الدول الاسلامية الى سلوكهم وشخصياتهم، وما تتركه من مآثر في حياة الناس التي ستنعكس في سلوكهم وطبيعة افكارهم.

إن مشكلة المسلمين اليوم تكمن في الانظمة السياسية التي تقودهم، كذلك في طبيعة شخصية القائد، ومدى قدرته على التحكم بأهوائه ورغباته وتحييد مصالحه، لأننا في الغالب لا نمتلك قضاءً قويا وقانونا رادعا لمن تسول له نفسه من الحكام في انتهاك حقوق الشعب او التجاوز على امواله وثرواته، لذلك يبقى الالتزام الشخصي وطبيعة شخصية القائد لها الدور الاكثر تأثيرا على سلوك وافكار القائد نفسه فضلا عن الشعب، لذا ينبغي أن يدرس هؤلاء القادة النماذج العظيمة التي سبقتهم في الحكم ويتعلمون منها الزهد والايثار وتفضيل الاخر حتى على النفس او الاهل، ولا يفكر القائد بالثراء على حساب الناس او شراء القصور وما شابه.

يذكر لنا سماحة المرجع الديني.. آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله( في كتابه القيّم الموسوم بـ (السياسة من واقع الاسلام)، بهذا الشأن قائلا: (نقل العلامة المجلسي رحمه الله في - بحار الأنوار- عن الكافي رواية عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: «ولقد ولي علي عليه السلام خمس سنين فما وضع آجرة على آجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعة، ولا أورث بيضاء، ولا حمراء»).

الفقراء أولاً

يسعى القادة العظماء الى العدل والمساواة بين الجميع، ويبدؤون هذا السلوك والتطبيق على أنفسهم أولا، ثم على ذويهم والمقربين منهم، ويكون اول اهدافهم هو إنصاف الفقراء والمعوزين والمعدمين، هكذا يتحدث لنا التاريخ الاسلامي وتاريخ الامم المتقدمة، حيث القادة العظام يشكلون بشخصياتهم نماذج بديعة للحس القيادي الانساني الفعلي.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه المذكور نفسه: (الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام لا ينظر إلى أهل المدينة فحسب، الذين يجدون غالباً اللحم فيأكلونه، ولا ينظر إلى أهل الكوفة فقط التي تتوفر فيها اللحوم من كل الأنواع، من الغنم، والبقر، والإبل، والدجاج، والطيور، والأسماك. وإنما ينظر إلى أقاصي بلاد الإسلام، وأهل الأرياف البعيدة، والفقراء الذين يسكنون الأخبية، فكلهم لا يجد اللحم كل يوم ليقتات به). ويضيف سماحته قائلا في هذا الموضوع ايضا: (أربع سنوات أو أكثر قضاها أمير المؤمنين عليه السلام بين الكوفة والبصرة، وهو الرئيس الأعلى للبلاد الإسلامية الواسعة الأطراف. خلال هذه المدة الطويلة لم يشتر من مال المسلمين ثياباً لنفسه، ولم يأخذ من أموال البصرة والكوفة شيئاً لذلك. بل ظل على ثياب المدينة كل هذه المدّة الطويلة، إلا إذا اشترى من عطائه الخاصّ كأضعف مستضعف من مسلم آخر في طول البلاد الإسلامية وعرضها).

وغالبا ما يسعى القائد السياسي العادل الى تحسين حياة الفقراء، من خلال الحس الانساني الذي يمتلكه، فضلا عن حسن الادارة والمقدرة التي يدير بها ثروات واموال الامة، وهو غاليا ما يتحلى بعزة النفس والكرم، فيجعل من مصلحة الناس والشعب تتقدم على مصالحه واهله وذويه.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه ايضا: (في الوقت الذي عمت الخيرات بلاد المسلمين وبفضل الإسلام، فكان المسلمون وغير المسلمين يرفلون في نعيم من الطيبات. وكانت الكوفة ـ عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ـ لا تجد بها إلا المنعَّم من الناس. في مثل هذا الظرف تجد سيد الكوفة، وسيد البلاد الإسلامية، وزعيم الإسلام: أمير المؤمنين عليه السلام لا يأكل حتى ما يأكله أدنى الناس). ويذكر لنا سماحته ايضا: (كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يأكل اللحم في السنة إلا مرة واحدة، في يوم عيد الأضحى وذلك لأنّ هذا اليوم هو اليوم الذي يأكل فيه كل المسلمين اللحم، من وفور لحم الأضاحي.. فلكي يواسي إمام الأمة أضعف الأمة، يأكل اللحم في ذلك اليوم فحسب).

الشخصية النموذجية للقائد

قد يجهل بعض قادة اليوم في البلدان والدول الاسلامية، أهمية شخصية القائد، ومدى قدرتها على التأثير في المواطنين البسطاء او غيرهم، فالقائد وهو يتكلم ويعمل وينشط ويتحرك، غالبا ما يكون محط انظار الجميع، لهذا كلما صحّت افكاره وافعاله وقراراته، كلما كان الناس أكثر تعلقا به وتأثرا ايضا، لهذا كان القادة العظماء يحرصون على افعالهم واقوالهم، علما انهم يمتلكون محاسن الاخلاق وفضائل السلوك في طبائعهم وسجاياهم، أي انه لا تصنع العدل او المساواة قولا فحسب، انما يطبقها في قراراته وافعاله، لهذا تكون شخصيته مؤثرة في عموم افراد المجتمع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: إن (شخصية القائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد، ولهذا كان من سياسة أمير المؤمنين عليه السلام بناء حياته الشخصية على الإيمان والزهد).

ويتأتى هذا من قدرة القائد النموذجي على الزهد بالحياة وبالسلطة وامتيازاتها، على العكس من بعض حكام المسلمين الذين تضعف نفوسهم وارادتهم ازاء سحر السلطة والنفوذ والقوة، فينتهكون حقوق الفقراء ويعيثون فسادا في ثرواتهم بحجج واهية، فتسقط في هذه الحالة شخصية القائد وتكون محل استهجان وتندّر فضلا عن النقمة الناس وسخطهم عليه.

لذا يحتاج الحاكم النموذج الى روح قوية وايمان متكامل حتى يمنع مزايا السلطة من التاثير فيه او على قراراته، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الجانب: (ما كان أهون عند علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا وما فيها. فالمال، والحكم، والسلطة، والفرش، واللباس، والقصور، والأكل، والشرب.. كلها عند علي عليه السلام لا شيء، إلا بمقدار الحاجة الضرورية).

لذلك تكمن عظمة القائد في فكره وافعاله التطبيقية ودرجة مراعاته للفقراء، وهكذا كان قائد الدولة الاسلامية الامام علي عليه السلام، الذي يقول عنه سماحة المرجع الشيرازي: كان (عظيما جدّاً هذا الإنسان.وعظيمة جداً هذه السيرة. وعظيم جداً الإسلام الذي يربي هكذا قائد).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9/آيار/2013 - 28/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م