هذا هو حجر بن عدي الذي نبشتم قبره

عبد الواحد ناصر البحراني

في سوريا التي ما يزال جرحها نازفاً لأكثر من عامين يختلط الحق بالباطل حتى انتهكت الحرمات والمقدسات باسم الدين والعدالة. وكان آخر الجرائم المرتكبة جريمة نبش قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي وسرقة الجثمان الطاهر.

هذا العمل المستهجن أخلاقياً وإنسانياً ودينياً لم يسلم من تبريرات من عميت قلوبهم قبل أبصارهم بنار الحقد الطائفي الأعمى. فذاك يتهم النظام والآخر يقول بأن زيارة القبور حرام وثالث يقول بأن الرجل ليس بصحابي وإنما تابعي. والحقيقة أن هذه الأعذار تكاد تكون اقبح من الذنب المرتكب. فالنظام السوري الذي كان لسنوات طويلة يهتم بهذه الأماكن ويسمح بزيارتها لا مصلحة له في مثل هذه الأفعال التي تثير حفيظة حلفائه في إيران ولبنان والعراق كما يتهمهم أعداء النظام. وإذا كانت زيارة القبور حراماً، وهي ليست كذلك، فهل يحل للمسلم أن ينبش قبر كافر؟ فكيف برجل مسلم وجليل كحجر بن عدي.

والحقيقة هي أن هؤلاء الذين يدعون الإسلام وهو منهم براء يحاولون إيقاع الفتنة وتأجيج نيرانها فحربهم ليست مع النظام السوري وإنما هي لتدمير الإسلام وتقويض دعائمه. لذا تراهم ينشغلون بتدمير المقامات واستهداف الحسينيات وكأن حربهم هي مع المسلمين الشيعة في حين أنهم لا يمتلكون ذرة من إيمان بل ويفتقدون لأي رادع إنساني.

وإذا اعتقد هؤلاء بأن جريمة نبش قبر حجر بن عدي ستمر مرور الكرام فهم واهمون لأن غضب الله سيحل على هؤلاء قبل أن ينتقم منهم المؤمنون. وأروي لكم ما قالته عائشة لمعاوية بعد ارتكابه لجريمة قتل حجر حيث سألته: ما حملك على قتل أهل عذراء حجراً وأصحابه ؟، فقال: يا أم المؤمنين، إني رأيت قتلهم إصلاحاً للامة، وأن بقاءهم فساداً، فقالت: سمعت رسول الله صل الله عليه واله وسلم: يقول: سيقتل بعذراء ناس يغصب الله لهم وأهل السماء. (فيض القدير شرح الجامع الصغير ج 4 ص 166). فإذا غضب الله لقتل حجر فكيف بمن نبش قبره وهو فعل أقبح من ذاك الذي ارتكبه أمير هؤلاء القتلة قبلهم.

وحجر بن عدي رضي الله عنه ليس برجل عادي فهو صحابي جليل. وقد ذكرت المصادر أن حجراً وفد على النبي صل الله عليه واله هو وأخوه هانئ بن عدي، وشهد حجر بن عدي القادسية وشهد بعد ذلك الجمل وصفين وصحب علياً فكان من شيعته، وقتل بمرج عذراء بأمر معاوية وكان حجر هو الذي إفتتحها فقدر أن قتل بها. (ابن حجر في الاصابة ج 2 ص 32 ).

ويذكر أن حجرا لما أرادوا قتله قال: دعوني حتى أتوضأ، فقالوا: توضأ، فقال: دعوني حتى أصلي ركعتين فصلاهما وخفف فيهما، ثم قال: لولا أن يقولوا ما بي جزع من الموت لطولتهما.(ابن كثير، البداية والنهاية، ج 6، 8 ص 57 – 59 ).

إذا فحجر رضي الله عنه كان فارساً مجاهداً في سبيل الله عدا عن كونه من كبار الصحابة الأجلاء. لذلك فإن جريمة قتل حجر ليس بالأمر السهل عند الله وهي أمر يخشاه من عرف قيمة هذا الرجل. وقد روي أن معاوية حج بعد قتله حجراً وأصحابه فمر بـ عائشة واستأذن عليها فأذنت له، فلما قعد قالت له: يا معاوية أأمنت ان اخبئ لك من يقتلك ؟ قال: بيت الأمن دخلت، قالت: يا معاوية أما خشيت اللّه في قتل حجر وأصحابه ؟(الطبري ج 6 ص 156).

وعرف عن حجر بن عدي رضي الله عنه ورعه وإيمانه، حيث كتب الحسين عليه السلام الى معاوية في رسالة له: ألست القاتل حجراً أخا كندة، والمصلين العابدين، الذين كانوا ينكرون الظلم، ويستعظمون البدع، ولا يخافون في اللّه لومة لائم ؟. قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعدما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة والمواثيق المؤكدة. (البحار ج 10 ص 149).

وكتب شريح بن هاني الى معاوية يذكر حجراً ويفتيه بحرمة دمه وماله ويقول فيه: انه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويديم الحج والعمرة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حرام الدم والمال. (الطبري ج 6 ص 153).

أتساءل كيف بمن يدعي أنه جيش حر أو يقاتل من أجل الحرية أن يقتل رمزاً من رموز الحرية طالب بإنصاف المظلومين ورفض السكوت عن الظلم والطغيان؟

أيصح عند هؤلاء (الأحرار) في أفعالهم الشيطانية أن ينبش قبر عبد من عباد الله وصفه الحسين عليه السلام وقبله رسول الله بالمؤمن ويبرر ذلك بأنه فعل حلال؟ أي دين هذا الذي جاء به هؤلاء وأي أفعال وحشية يرتكبونها بحق الأحياء والأموات.

ألم تقل عائشة لمعاوية: لولا انا لم نغير شيئاً الا صارت بنا الامور الى ما هو اشد منه لغيَّرنا قتل حجر، أما واللّه ان كان ما علمتُ لمسلماً حجاجاً معتمراً( ابن الاثير ج 3 ص 193).

لقد كانت تخشى أن تتغير الأمور بقتل حجر المؤمن الزاهد فكيف لا يسقط في الحضيض من اعتدى على قبره الطاهر.

إنه ليوم حزين في تاريخ الإسلام أن يصل حقد من يدعي الإسلام إلى هذا الدرك الاسفل من الخسة واللاإنسانية. ويوم حزين للمسلمين على ما يجري في سوريا من سفك للدم البريء من جميع الطوائف والأديان. يجب أن يبكي العالم كله لتلك الجرائم فكيف إذا وصل البعض لدرجة أن يستحل حرمة القبور.

ألم يروى أن ابن عمر كان يستخبر عن حجر بن عدي منذ أخذه معاوية أسيراً لديه فعندما أخبر بقتله وهو بالسوق أطلق حبوته وولى وهو يبكي. (الطبري ج 6 ص 153). يجب أن يكون لنا موقف واضح مما يجري من أحداث وأن لا نسمح لهؤلاء القتلة والمجرمين بارتكاب مزيد من الأفعال الشيطانية تحت اسم الدين. وإذا سكت العالم عن جريمة مقام حجر بن عدي فإن لله جنوداً لن يسكتوا وسينال كل من امتدت يداه لارتكاب هذا الفعل القبيح عقابه في الدنيا قبل الآخرة.

nasirbahrani@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/آيار/2013 - 25/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م