مسلمو بورما... موت بطيء خلف جدار الصمت

 

شبكة النبأ: طالما نتساءل، وهو نحن نتابع الأخبار المفجعة لإخواننا المسلمين في بقاع العالم، وهم يتعرضون لحرب الإبادة والتعذيب والتشريد على يد الأكثرية.. أي شعب، وأية حكومة في العالم الاسلامي تقف بحزم الى جانب هؤلاء، او تتضامن معهم – على الاقل- ؟ ولماذا لا تعقد المؤتمرات والندوات، وتصرخ وسائل الإعلام بعديد انواعها، لنقل آهات ومعاناة المسلمين للضغط على الجناة والكفّ عن جرائمهم؟

مرة أخرى نسمع من خلال وسائل الاعلام، جريمة ترتكب ضد المسلمين في "بورما"، بحرق مسلم وسط الشارع ووفاته أمام أنظار المارة والشرطة البورمية ايضاً، على خلفية نزاع دار بين زوجين ، و بائع مصوغات ذهبية في قرية "مكتيلا" بولاية "راخين"، التي شهدت الشهر الماضي استشهاد 34 مسلماً، خلال مصادمات بين مسلمي "الروهينغا" والبوذيين في هذه الولاية.

بعض وسائل الاعلام اكتفت بنشر خبر مقتضب عن القضية، فيما انفردت "بي – بي – سي" بنشر مقطع فيديو يظهر حرق الارهابيين البوذيين محل المصوغات ونهب محتوياته، واعتدائهم بالضرب المبرح على أحد المسلمين، وحرق آخر، و سجّل المقطع صوت أحد الارهابيين البوذيين وهو يصرخ: "دعوه يحترق ليموت.."!

لولا هذا المقطع المسجل، ولولا المراسلين الاجانب في بورما، والبلاد البعيدة التي يقطنها المسلمون، ربما لا تصلنا مثل هكذا تفاصيل واخبار وارقام، عن التهديد والترويع واغتصاب الفتيات والقتل وحرق البيوت والمتاجر وغيرها... لأن اخبارنا وتغطياتنا الاعلامية، تهتم بالدرجة الاولى، بأزماتنا ومشاكلنا، التي لو أمعنّا النظر اليها، وجدنا أنها كاذبة وغير حقيقية.. ففي بلاد النفط والغاز والزراعة والصناعة والعقول المبدعة والفكر والثقافة، نشكو الفقر والحرمان والتبعية الاقتصادية والتخلف العلمي وتدني المستوى الثقافي، هذا فضلاً عن أزماتنا السياسية القاتلة والمحيّرة حقاً، في ظل أجواء "ديمقراطية".

نبذة عن المسلمين في بورما

تقع بورما، أو ما يعرف اليوم بدولة "ميانمار" في الجنوب الشرقي لقارة آسيا، تحدها من الشمال الصين والهند ومن الجنوب خليج البنغال وتايلند، ومن الشرق الصين ولاؤس، ومن الغرب خليج البنغال والهند وبنغلادش، ويقع إقليم "أراكان" المسلم في الجنوب الغربي لبورما، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة المسلمين في هذا البلد البالغ تعداده نحو (55) مليون نسمة تقل عن (5%) وبالتالي يتراوح عددهم بين 5 و8 ملايين نسمة ويتركز المسلمون في ولاية أراكان المتاخمة لدولة بنجلاديش وينتمون إلى شعب "روهينجا".

و تذكر المصادر التاريخية أن الإسلام قد وصل إلى منطقة "أراكان" منذ عهد هارون العباسي، وذلك عن طريق التجار العرب والذين وصلوا إلى هناك واستقروا بعض الوقت واستطاعوا بأخلاقهم الإسلامية السمحاء وسلوكهم الحضاري والإنساني الراقي، أن يؤثروا في السكان المحليين ويدخلوهم في الإسلام، وشيئاً فشيئاً تكونت هناك دولة إسلامية كبيرة استطاعت أن تستمر لأكثر من ثلاث قرون ونصف، (1198 – 1784م)، ولقد عُرفت هذه الدولة ازدهاراً ثقافياً وحضارياً لم تعهده المنطقة من قبل، من ذلك انه كان لها عملة خاصة مضروبة بالفضة وكتب عليها "لا إله إلا الله"، ولقد تداول على حكم هذه الدولة نحو 48 ملكاً مسلماً إلى أن أسقطها البوذيون سنة 1784م، حيث احتلها الملك البوذي "بوداياي"، بمساعدة الاستعمار البرتغالي، وقام بضم الإقليم إلى بورما خوفاً من زيادة انتشار الإسلام في المنطقة، ولقد أمعن في اضطهاد المسلمين وأجبر عدداً كبيراً منهم على مغادرة الإقليم، وصادر ممتلكاتهم وأراضيهم، وفي سنة م 1824م احتلت بريطانيا الإقليم وعملت على إضعاف مكانة المسلمين فيه، وفي المقابل عملت على دعم وتقوية مكانة البوذيين في كل المجالات، كما أن بريطانيا قامت بضم بورما إلى حكومة الهند البريطانية الاستعمارية، واستمر هذا الوضع لحوالي 100 سنة، وفي سنة 1937م جعلت بريطانيا من بورما وإقليم أراكان مستعمرة مستقلة عن حكومة الهند البريطانية الاستعمارية وعرفت آنذاك باسم حكومة بورما البريطانية.

أما عن التطهير العرقي والديني والإبادة الجماعية للمسلمين فهي مستمرة ولم تنقطع في ظل عزلة الإقليم عن العالم، بالإضافة إلى أن جميع حكام المناطق التابعة للإقليم من البوذيين، ويكفي للتدليل على ذلك أنه بعد وصول الحكم العسكري عام 1962م شردت بورما أكثر من ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلادش المجاورة، وفي عام 1982 ألغت جنسية المسلمين بدعوى أنهم متوطنون في بورما بعد عام 1824م - عام دخول الاستعمار البريطاني إلى بورما- رغم أن الواقع والتاريخ يكذّبان ذلك، وفي عام 1991م شردت بورما حوالي ثلاثمائة ألف مسلم إلى بنغلادش مرة أخرى.

وما تبقى من المسلمين في بورما، فتمارس ضدهم السلطات العسكرية الحاكمة سياسة الاستئصال عن طريق برامج إبادة الجنس وتحديد النسل، فالمسلمة ممنوع أن تتزوج قبل سن الـ(25) أما الرجل فلا يسمح له بالزواج قبل سن الـ (30) من عمره، وإذا حملت الزوجة فلابد من ذهابها طبقاً لقرار السلطات الحاكمة إلى إدارة قوّات الأمن الحدودية "ناساكا" لأخذ صورتها الملوّنة كاشفة بطنها بعد مرور كلّ شهر حتّى تضع حملها..! وفي كلّ مرّة لابدّ من دفع الرسوم بمبلغ كبير وذلك للتأكّد - كما تدعي السلطة- من سلامة الجنين ولتسهيل إحصائية المولود بعد الولادة، ولكن لسان الواقع يكشف أنّ الهدف من هكذا أعمال دنيئة، هو الاستهتار بمشاعر المسلمين وتحسيسهم أنّهم لا يحقّ لهم العيش في أراكان بأمن وسلام، بالإضافة إلى عمليات الاغتصاب وهتك العرض في صفوف المسلمات اللاتي يموت بعضهن بسبب الاغتصاب، كما يتم إجبار المسلمين على العمل بنظام السخرة في المعسكرات، وتم فصل مئات المسلمين من وظائفهم، ويحرم أي مسلم من دخول الجامعات والكليات.

بعد كل هذا لنرى رد الفعل الدولي، فقد صدر  سنة  2010م تقرير تقرير أوروبي عن الأوضاع المأساوية للمسلمين في بورما، أصدرته "لجنة الشعوب المهددة بالانقراض"!، حيث أكد هذا التقرير على الحالة المأساوية للمسلمين الذين تمارس عليهم الحكومة العسكرية البورمية، أبشع  أنواع الإبادة كما أكد هذا التقرير أن أكثر من (1160) من اللاجئين المسلمين والذين فروا من الاضطهاد من بورما تم اعتقالهم بعد وصولهم إلى بنغلادش في يناير 2010م وتم ترحيلهم إلى بورما، كما حذرت منظمة حقوق الإنسان الأمريكية، "أطباء من اجل حقوق الإنسان" في تقرير صدر لها مؤخرا أن (20000) مسلم لاجئين في بنغلادش يعانون اليوم أوضاعا مأساوية ومهددين بالمجاعة كما يوجد  (75000) لاجئ آخرين يعيشون في مخيمات اللاجئين على الحدود، كما تحدثت منظمة "هيومان رايتش ووتش" لحقوق الإنسان عن الانتهاكات الفظيعة التي يتعرض لها مسلمو "الروهنيغا" بإقليم "أراكان" حيث تفرض عليهم أعمال السخرة والأحكام العرفية وتقيد حرية حركتهم وتدمر منازلهم ومساجدهم.

هل للمسلمين "شؤون داخلية"؟

لن نخوض كثيراً في وصايا وتأكيدات علمائنا بضرورة نصرة المسلمين في كل مكان، وهم ينقلون لنا – طبعاً- الحديث النبوي الشهير: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، وأحاديث عديدة أخرى عنه صلى الله عليه وآله، في هذا الصدد، إنما نشير الى واقع المسلمين الذي يعيشون بين جدران دولهم الصغيرة شرقاً وغرباً، فهم ليس فقط متورطين بمشاكلهم وأزماتهم، إنما متورطين أيضاً بسياسيين يقرأون عليهم افكاراً اجنبية بلغة دارجة، عندما يتحدثون أولاً: عن "الشؤون الداخلية"، فيما يتعلق بالأقليات المسلمة في بلاد العالم، وثانياً: عن "الإرهاب" والتطرف الديني، فيما يتعلق بالجماعات الاسلامية في البلاد الاسلامية نفسها.. ولا أجانب الحقيقة إذا قلت: إن أخبار قتل وحرق المسلمين وتدمير مساكنهم وإبادتهم، تصل الى أذهان المتابعين في بلادنا الشرق أوسطية على أنها جزء من أعمال العنف الطائفي، ونتيجة أكيدة لانتشار الارهاب.. ولابد أن يكون ذلك المسلم هو الذي استفز الزوجين الشابين، مما تسبب بالمشاجرة...! وغير ذلك. وإلا لنتصور عامل بورمي أو سيريلانكي  أو فلبيني أو غيره يطعن مواطن سعودي او كويتي او إماراتي، ماذا سيحصل؟ حتى وإن كان الحق مع العامل، أو العاملة والخادمة، كما حصل الكثير من هذه الحوادث، ولا حاجة للتفصيل، فهكذا حوادث تحظى بالتفصيل والنشر والمتابعة بشكل كبير. وهل معنى هذا، إن الإنتماء والهوية المقدسة لا قيمة لها أمام قوة المال والجاه والمكانة السياسية؟

وهذه ليست المرة الاولى التي تمتحن شعوبنا وحكوماتنا بهكذا حوادث دامية ومأساوية، فقد مرت الحوادث المريعة في البوسنة والهرسك، وفي سكان "الإيغور" في الصين، وفي إقليم "كوسوفا" في يوغسلافيا السابقة، وغيرها من بلاد العالم. وتخرج بصمت قاتل. والمثير ان جماعاتنا الاسلامية ومؤسساتنا الدينية والعلماء والمفكرين والمثقفين، يصدحون بالمطالبة بإعادة العزّ والكرامة والتقدم الى المسلمين، مستذكرين العهود الذهبية للإسلام في بدايات عهده.. لكن هل هذا يتحقق بمجرد هذا التمني البسيط..؟ حقائق التاريخ تؤكد، أن التزام منظومة من القوانين والاحكام والقيم هي وحدها الكفيلة بإعادة العزّ والكرامة الى المسلمين، تماماً، كما التزم المسلمون الأوائل الذي انتشروا في العالم، وكانوا هم السادة وأصحاب الفضل لسائر سكان المعمورة في مجالات الحياة كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/نيسان/2013 - 18/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م