فلاديمير بوتين... قبضة تتشدد ومعارضة تتسع

 

شبكة النبأ: يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جملة من التحديات والأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، ويرى بعض المراقبين ان بوتين يسعى ومن خلال بعض القرارات الخاصة الى تعزيز قدرته القيادية في البلاد وبسط قوته من جديد خصوصا بعد خروج العديد من المظاهرات الشعبية وارتفاع صوت القوى المعارضة المطالبة بالتغير وهو ما دفعة الى إتباع سياسة إقصاء الخصوم وتقيد الحريات كما يقول البعض، وفي هذا الشأن ندد الكسي نافالني اكبر معارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالملاحقات القضائية التي تطاله والهادفة برايه الى "إقصائه عن الحياة السياسية"، وذلك لدى استئناف محاكمته بتهمة اختلاس اموال. وقال نافالني في اول تصريح له امام محكمة كيروف حيث استؤنفت محاكمته بعد تاجيلها "ان الهدف الرئيسي لهذه القضية هو إقصائي من الحياة السياسية".

وعبر ميخائيل خودوركوفسكي ثري النفط المسجون منذ 2003 ومنتقد الكرملين عن دعمه للمعارض نافالني وقال في مقاله بصحيفة فيدوموستي ان الهدف من محاكمة نافالني هو "تخويف واحباط معنويات المعارضين والناخبين الناشطين السياسيين والادعاء بان حركة الاحتجاج السلمية والصراع من اجل السلطة امور هامشية وتنم عن تطرف".

والكسي نافالني معرض لحكم بالسجن لعشر سنوات في قضية اتهم فيها بتدبير عملية اختلاس 16 مليون روبل (400 الف يورو) في مشروع استثماري في غابات منطقة كيروفلس في 2009 وذلك حين كان مستشارا للحاكم الليبرالي للمنطقة. وقال المعارض ان هذه الاتهامات لا معنى لها حيث انه بحسب قوله تم دفع 15 مليون روبل للشركة والباقي يمثل هامش الشركة التي قامت باجراءات الصفقة. ونفى نافالي (36 عاما) وهو محام ومدون ومحارب للفساد، هذه الاتهامات.

وبنيت الاتهامات اساسا على افادة المدير السابق لشركة كيروفلس الملاحق بدوره وتوصل الى "تفاهم مع دائرة الاتهام". ونافالني هو خطيب بارع خلال التظاهرات المناهضة لبوتين ومن اشد محاربي الفساد عبر كشف معلومات مدوية على الانترنت واحد قادة حركة احتجاج تبلورت في 2011 للتنديد بتزوير نتائج الانتخابات التشريعية التي فاز بها حزب بوتين "روسيا الموحدة".

وندد نافالني بما وصفه ب "انتقام سياسي" بسبب كشفه للفساد وايضا لدوره المعارض لبوتين وحزبه. واكد المعارض الطويل الاشقر ذو العينين الزرقاوين والليبرالي المعروف ايضا بمواقفه القومية، انه يناضل ضد "دولة الفساد". واكد ايضا قبل محاكمته ان النظام الروسي سينهار "في اقل من عامين" معلنا طموحه في ان يصبح رئيسا متوعدا انه حينها سيضع القادة الروس في السجن.

ورفض القاضي سيرغي بلينوف اعادة الملف الى النيابة كما طلب الدفاع وطلب من نافالني الاقتصار على جوهر القضية. ورد المعارض "تريدني ان أتحدث عن الخشب للزعم باني لست موضع محاكمة سياسية؟". وفي مؤتمر صحافي بموسكو قالت تاتيانا لوكشينا الخبيرة الروسية التابعة لمنظمة هيومن رايتس ووتش انه "توجد اسباب للاعتقاد بان قضية (نافالني) سياسية".

وكانت المنظمة تقدم ، بالاشتراك مع منظمة العفو الدولية، تقريرا يندد بقمع المجتمع المدني في روسيا منذ عودة بوتين الى الرئاسة في ايار/مايو 2012. ونددت العفو الدولية من جانبها ب"حملة اضطهاد لا اساس لها" في روسيا حيث اطلقت حملة غير مسبوقة ضد المنظمات غير الحكومية التي يشتبه في انها تضم "عملاء للخارج".

ووجه الى نافالني احد اكثر وجوه المعارضة شعبية، الاتهام في عدة قضايا في اشهر قليلة. وعلم ان تحقيقا جديدا فتح بحقه هو وشقيقه اولغ بتهمة الاحتيال. واتهم الاثنان بالتسبب في خسارة 95 الف يورو لشركة عرضا عليها فاتورة "باسعار مبالغ فيها" لخدمة وساطة لنقل بضائع. وفي هذه القضية ايضا يعاقب القانون بالسجن عشرة اعوام. بحسب فرنس برس.

واتهم المعارض ايضا باختلاس 2,5 مليون يورو من اموال حزب ليبرالي (اس بي اس). وقال احد اقادة السابقين لهذا الحزب انه لم يتم تقديم اي شكوى بشان مثل هذه الافعال. ويلاحق نافالني بتهمة الاحتيال وتبييض اموال في اطار قضية اخرى اتهم فيها شقيقه ايضا. وفي شباط/فبراير اتهم بانه استغل صفته كمحام لترويج اخبار كاذبة. ويرفض المعارض كل هذه التهم.

وقال نافالني انه يرغب في ان يصبح رئيسا لروسيا "ليغير الطريقة التي تحكم بها البلاد"، وصرح نافالني لقناة دوزهد التلفزيونية المعارضة "اريد ان اصبح رئيسا لاغير الحياة في هذا البلد. اريد أن اغير طريقة حكم البلاد". واضاف "اريد ان افعل شيئا لكي لا يعيش سكان البلاد البالغ عددهم 140 مليون نسمة والذين تمنحهم الارض النفط والغاز، في فقر وبؤس، وليعيشوا حياة طبيعية مثل الناس في اي بلد اوروبي".

في السياق ذاته اعتقلت الشرطة الروسية حوالى 10 ناشطا كانوا يحاولون التظاهر في الساحة الحمراء في موسكو دعما للمعارضين المسجونين. وصرحت اكاترينا موتشالوفا وهي بين الموقوفين، ان الشرطة اعتقلت 13 شخصا من ثلاثين ناشطا تجمعوا قرب الساحة الحمراء على مسافة قريبة من الكرملين. وقالت "كنا نتجمع قرب نصب عندما اوقفتنا الشرطة".

وكان المتظاهرون يريدون المطالبة بالإفراج عن معارضين مسجونين بعد تظاهرة كبرى مناهضة لبوتين في السادس من ايار/مايو 2012 تحولت الى صدامات مع الشرطة. ووجهت الى 25 شخصا تهمة "اثارة اعمال شغب وعنف ضد ممثل للنظام العام" خلال تظاهرة السادس من ايار/مايو التي نظمت عشية حفل تنصيب فلاديمير بوتين رئيسا. وفي ذلك اليوم اصيب ثلاثون شرطيا وعشرات المتظاهرين بجروح خلال صدامات. وفي تشرين الثاني/نوفمبر حكم على شخص واحد اعترف بذنبه في اطار هذه القضية، بالسجن لاربع سنوات ونصف وهي عقوبة تنذر بانزال احكام قاسية بحق المتهمين الاخرين.

من جانب اخر انتقد المدافعون عن حرية الصحافة الإفلات من العقاب المتفشي في روسيا بعد وفاة الصحافي ميخائيل بيكيتوف على اثر تعرضه لاعتداء عنيف في 2008، بعد سنتين على مقتل آنا بوليتكوفسكايا. وقد انهال معتدون مجهولون بالضرب قبل اربع سنوات على بيكيتوف رئيس تحرير صحيفة تصدر في خيمكي احدى ضواحي موسكو بعدما وجه اتهامات بالفساد الى مشروع طريق سريع مثير للجدل طرحته الادارة المحلية.

وتوفي بيكيتوف عن 55 عاما، بعد اصابته بالشلل على اثر غيبوبة استمرت اشهرا، وبتر احدى ساقيه وعدد من اصابعه وعجزه عن الكلام. وقال رئيس الاتحاد الروسي للصحافيين فسيفولود بوغدانوف "لا تتوافر ارادة سياسية لكشف ملابسات هذه الجريمة، وكذلك 300 جريمة قتل اخرى استهدفت صحافيين خلال 20 عاما في روسيا".

واوضح اليكسي سيمونوف رئيس مؤسسة غلاسنوست للدفاع عن حرية الصحافة ان "التحقيق متوقف اذ لا يسعى احد للكشف عن هويات الذين انهالوا بالضرب على بيكيتوف". وكان فلاديمير بوتين وعد "بتسريع التحقيق" لكن "هذا الاعلان بقي حبرا على ورق"، كما اعتبر سيمونوف.

واشادت الخارجية الاميركية التي لا توفر روسيا من انتقاداتها على صعيد حقوق الانسان ببيكيتوف معتبرة انه "مدافع عن الحكومات غير الفاسدة وحرية الصحافة"، وحضت موسكو على "مضاعفة جهودها لتحديد هوية المسؤولين عن الضرب الذي تعرض له هذا الصحافي المحترم واحالتهم امام القضاء". وفي باريس، اعلنت منظمة مراسلون بلا حدود ان "الصحافي (الروسي) كان رمزا لروسيا المناضلة ولهذا المجتمع المدني الذي نهض العام الفائت ليطالب باحترامه وبالتعامل معه بكرامة". واضافت المنظمة ان "صدى الصدمة التي نتجت من الاعتداء عليه اجبر السلطات الروسية على التزام مكافحة الافلات من العقاب في شكل حازم. لكن المعتدين على ميخائيل بيكيتوف لا يزالون احرارا (...) نطالب بالحقيقة".

بوتين ينفي

الى جانب ذلك دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن نفسه من اتهامه بالستالينية في مواجهة مواطنيه الروس مؤكدا في الوقت نفسه انه سيواصل سياسته الاقتصادية على الرغم من "المؤشرات المقلقة" في الاقتصاد بعد عام على توليه سلطته. ودعا بوتين ايضا الى تعاون اكبر مع الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب بعد اعتداء بوسطن الذي نفذه اخوان من اصل شيشاني. وقال بوتين ان "الستالينية مرتبطة بعبادة الشخصية والانتهاكات الواسعة للمساواة والقمع ومعسكرات الاعتقال. لا شىء من هذا يحدث في روسيا".

واضاف بوتين الذي كان يرد على صحافيين سألوا عن العودة الى ممارسات من عهد ستالين في روسيا، ان "هذا لا يعني الا يكون هناك نظام وانضباط". وواجه رجل الاستخبارات السابق الذي يحكم البلاد منذ 13 عاما، موجة احتجاجات لا سابق لها امتدت طوال شتاء 2011-2012 ورأى فيها العالم ولادة للمجتمع المدني الروسي. وتقلصت هذه الحركة الآن خصوصا بسبب تراجع الناشطين وملاحقات دفعت منظمات حقوق الانسان والساحة الدولية الى توجيه انتقادات حادة له.

من جهة اخرى، تحدث الرئيس الروسي باسهاب ردا على اسئلة مواطنية عن تحسن الوضع الاجتماعي في البلاد وارتاع مستوى المعيشة. واكد الرئيس الروسي انه سيواصل سياسته الاقتصادية على الرغم من "المؤشرات المقلقة" وانتقادات وزير المالية السابق في حكومته بانه يكتفي "بنصف اصلاحات". وقال بوتين "هناك مناقشات لكن اسس سياستنا لن تتغير".

واشار بوتين الى "المؤشرات المقلقة المرتبطة بتباطؤ وتيرة النمو" والتي فسرها بالازمة في منطقة اليورو التي تضم الشركاء التجاريين الرئيسيين لروسيا و"سياسة الاقراض الصارمة جدا" التي تلجم الاقتصاد. وتباطأ النمو الى 1,1 بالمئة في الفصل الاول من العام بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وخفضت الحكومة تقديراتها للنمو للعام 2013 الى 2,4 بالمئة مقابل 3,6 بالمئة و3,4 بالمئة العام الماضي. من جهة اخرى، اعلن بوتين ان اعتداء بوسطن يجب ان يدفع روسيا والولايات المتحدة الى "مكافحة الارهابي معا". وقال بوتين خلال البرنامج ان "مأساة بوسطن يجب ان تدفع بنا الى مكافحة الارهاب معا"، مؤكدا ان "روسيا ضحية للارهاب الدولي". واكد الرئيس الروسي "اذا وحدنا جهودنا حقا، فلن نترك مثل هذه الضربات تمر ولن نتكبد مثل هذه الخسائر". بحسب فرنس برس.

واستجوب جهازا مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي اي) والاستخبارات الروسية معا خلال الايام الاخيرة في داغستان (القوقاز الروسي) عائلة مرتكبي اعتداء بوسطن الذي اسفر عن سقوط ثلاثة قتلى واكثر من مئتي جريح في 15 نيسان/ابريل الماضي. ويدور جدل في الولايات المتحدة حول عدم استعمال اجهزة الامن الاميركية بما فيه الكفاية معلومات قدمتها الاستخبارات الروسية بشأن تيمورلنك تسارناييف الذي تاثر بالتيار السلفي المتطرف. وتشكل مكافحة الارهاب احد المجالات القليلة التي تشهد تعاونا من شانه ان يتطور في العلاقات بين موسكو وواشنطن المتعثرة حاليا تذبذبا بسبب عدة خلافات منها خصوصا المسالة السورية وحقوق الانسان في روسيا.

من جهة أخرى تعهد الرئيس بوتين "بالقضاء على الفساد"، وقال:"ليس سرا اننا نعاني من تفش للفساد، وهذا يهدد المجتمع بشكل عام. لذلك سنبذل الجهود لمكافحته بنفس العزيمة لمكافحة التضخم. وسنعمل كل ما بوسعنا للقضاء عليه". واعاد بوتين الى الأذهان ان السنة الماضية شهدت محاكمة أكثر من 800 شخص من ضمن كبار موظفي الدولة كنواب البرلمان وموظفي أجهزة الشرطة والأمن. وأضاف ان هذا العمل سيتواصل.

موسكو تتهم واشنطن

على صعيد متصل اتهمت موسكو مسؤولة اميركية كبيرة بالتدخل في الشؤون الداخلية الروسية بعد تصريحات انتقدت فيها حملة تفتيش واسعة طالت نحو مئة منظمة روسية غير حكومية. وكانت وزارة الخارجية الروسية تشير الى تعليقات ادلت بها المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند التي اعلنت ايضا ان واشنطن تواصل تقديم الدعم المالي الى عدد من المنظمات الروسية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الانسان.

وقال المتحدث باسم الخارجية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش في بيان ان "تعليقات فيكتوريا نولاند لا يمكن اعتبارها الا بمثابة استفزاز". واضاف ان موسكو تعتبر ان ما قالته نولاند لجهة استمرار واشنطن في تمويل منظمات روسية حقوقية غير حكومية عبر وسطاء، بمثابة "تدخل مباشر" في الشؤون الداخلية الروسية.

وتابع "انه في الواقع تحريض مباشر لبنى غير حكومية وعامة على انتهاك التشريع المتصل بانشطة منظمات غير حكومية داخل الاراضي الروسية". وبدأت السلطات الروسية حملات تفتيش شملت العديد من المنظمات غير الحكومية بينها منظمة ميموريال الروسية الحقوقية والفرع الروسي لمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش.

وترتبط هذه الحملات بقانون دخل حيز التطبيق نهاية 2012، بعد بضعة اشهر من عودة فلاديمير بوتين الى الكرملين، يجبر المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا خارجيا ولديها نشاط سياسي على ان تسجل نفسها تحت اسم "عناصر اجنبية" وان تستخدم هذه الصفة للتعريف عن نفسها في اي نشاط عام.

واعرب الاتحاد الاوروبي عن "قلقه" حيال الحملات الروسية وحذرت برلين من ان هذا الامر قد يؤدي الى "تدهور" العلاقة بين روسيا والمانيا. وعزا المتحدث باسم الخارجية الروسية انتقادات واشنطن الى قرار موسكو في تشرين الاول/اكتوبر الفائت بوقف انشطة الوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) بعد اتهامها بالتدخل في السياسة الروسية. بحسب فرنس برس.

وقال لوكاشيفيتش "ليس هناك اي شك في ان محاولات التاثير الخارجية في العمليات الداخلية في بلادنا وفي تنمية المجتمع المدني، آيلة الى الفشل". و اصدر الكرملين قرارا اعلن فيه تقديم 2,3 مليون روبل (58 الف يورو) هذا العام الى المنظمات غير الحكومية، في مبادرة تهدف الى اظهار دعم السلطات لانشطة هذه المنظمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/نيسان/2013 - 18/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م