شبكة النبأ: يوم بعد آخر تتجسد أفكار
الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله)، في الوقائع التي تستجد في حياتنا، لنتأكد بأن هذه الافكار تمكنت
من استشراف المستقبل وما ينطوي عليه من مشكلات جسيمة، كان على المعنيين
التصدي لها بروح المسؤولية، من خلال دراسة الافكار والمعالجات التي
امتلأت بها كتب ومحاضرات المرجع الشيرازي، والتي تركها للمسلمين
والانسانية عموما ليستنبطوا منها الدروس والعبر والتجارب التي يمكنهم
من خلالها رصد الخطأ وتصويبه بأسرع الطرق وأقلها جهدا وتكلفة.
ومن المشكلات الكبيرة التي عانت ولا زالت تعاني منها المجتمعات
الاسلامية، ظاهرة إهمال الشباب، وتركهم يواجهون مجاهيل الحياة العصيبة
بقدراتهم واذهانهم التي تفتقر للدربة والتجربة، فضلا عن الافكار
المناسبة والسبل الصحيحة لمواجهة الحياة واخطارها ومزالقها، وهكذا يضع
الامام الشيرازي إستراتيجية فكرية واضحة المعالم وسهلة التنفيذ، تنطوي
على السهولة والعمق في آن، وهي طالما انتظرت من يضعها موضع التنفيذ،
لكي يتمكن الشباب المسلم من اداء دوره الايجابي في الحياة.
وهكذا كان فكر الامام الشيرازي ولا يزال مصدرا واضحا وعميقا من
مصادر معالجة المشكلات التي تعترض الانسان المسلم، ومنهم شريحة الشباب..
إذ نقرأ في التقديم الذي تصدر كتاب الامام الشيرازي الذي حمل عنوان (الشباب)
ما يلي: (اليوم نستمد من عطر أخلاقه هذه الباقة الموجهة إلى الشباب
ليكون أكثر فاعلية وحيوية ونشاطاً باتجاه الخير والفضيلة ووقاية من
الوقوع في مساقط الفساد والرذيلة. فهو الأب المربي والأستاذ الناصح
والشيخ المجرب والعالم المرجع الذي يحسّ بعمق مسئوليته عن المجتمع ـ كل
المجتمع ـ لا عن فئة معينة أو مسائل محددة أو أسئلة مطروحة أو اشكالات
على الأقدمين، بل يستشعر الخطر ويتحسس مواطن العطب في جسم المجتمع
الإسلامي والبشري كله ليصف له الدواء الناجع وربما الدواء الواقي قبل
المرض).
هكذا كان الامام الشيرازي يتحسس مكامن الخلل في الجسد الاسلامي كله،
ليحدد بعد ذلك الاسباب وليعطي للجميع لاسيما المعنيين الحكوميين
والمؤسسات المعنية بالشباب وسواها، يعطيهم الحلول الناجعة التي من
شأنها معالجة مشكلات الشباب في عصرنا الراهن.
الجفوة بين الابناء والآباء
ثمة جفوة حدثت في السابق ولا تزال قائمة الى الان بين الابناء
والاباء، تسببت في نوع من التباعد والفتور في العلاقات الاسرية لاسيما
بين الشباب وآبائهم، فضلا عن حالات التناقض في التفكير ومعالجة الامور،
وهذا دفع بالشباب الى عدم الاعتراف بـأفكار الاباء وتوجيهاتهم، بل
صاروا ينظرون الى آبائهم وكأنهم لا يفقهون الامور، ولا يفكرون بالطرائق
الحديثة التي تنسجم وروح العصر، لذلك تعد مأساة الشباب كبيرة في ظل مثل
هذا التفكير والسلوك الخاطئ.
يقول الامام الشيرازي في كتابه المخصص للشباب والذي يحمل اسمهم
عنوانا: إن (مأساة الشباب في هذا القرن من أكبر المآسي.. حيث لم يعرفها
التاريخ المكتوب فيما سبق.. وذلك لأن الشباب قديماً لم يكونوا طبقة
مستقلة لا تستشير الكبار ولا تأخذ بنصحهم.. وإنما هم تبع لآبائهم
الناضجين.. فكانوا يوردونهم الحياة تدريجياً بنضج لابأس به حتى يسّدوا
مسد الآباء.. فلم تكن مشاكلهم إلا بمقدار المشاكل الطبيعية للإنسان).
وقد بحث الامام الشيرازي في طبيعة المشكلات التي قادت الى القطيعة
بين الابناء والاباء، وعدم الاخذ بأفكارهم وتجاربهم وتصوراتهم، ولعل
السبب الاساس يكمن في الاخطاء التي ارتكبها الآباء في طرق التربية التي
تعتمد على سبل وطرائق تربوية ليست صحيحة، وقد أشرها الامام الشيرازي
بوضوح، ونبّه إليها قائلا في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه.
(الكلام في مشاكل اليوم التي تجاوزت حدها الطبيعي بكثير.. فالمناهج
العالمية في هذا القرن أوجدت فاصلا حديدياً بين طبقة الآباء وطبقة
الأبناء ، وذلك بسبب الجوّ الذي هيّأوه للأبناء من المدارس والنوادي
والجرائد والمجلات والإذاعة والتلفاز والفيديو والسينما ومختلف
المنظمات والتجمعات غير الصحيحة.. كما اتهمت الآباء بالخرافة والرجعية
وعدم الفهم وما أشبه ممّا سبّب عزوف الأبناء عن الآباء وهذا أول الوهن).
وهكذا لم تعد ثقة الابناء بالآباء قائمة، وبات الشاب ينظر الى عقلية
ابيه وافكاره وكأنها مستمدة من الاساطير او الخرافات، وهذه اشكالية
خطيرة كان على الآباء معالجتها وعدم السماح باستفحالها، وهكذا قادت هذه
الامور بالنتيجة الى انحراف الشاب، بسبب الازمة التربوية التي يتسبب
بها الاباء وفشلهم في ايجاد الطرق التي تمتص طاقات الشباب وتحولها الى
فعل ايجابي يخدم الشاب ويخدم المجتمع في الوقت نفسه.
المتصيدون في الماء العكر
لذلك قام المتصيدون في الماء العكر باستغلال هذه الاشكالية،
واستدرجوا الشباب الى شباكهم، ليجعلوا منهم ادوات وسلع قابلة
للاستغلال، وتحوّل الشباب الى ادوات مربحة من جهة و واطئة الاجور من
جهة اخرى، لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا الخصوص: (لقد استغل جماعة
من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات قدرة الشباب واخذوا بأزمتهم
فأوردوهم موارد الاستعمار ومناهل الفساد والانحلال، وتبعاً لذلك جاءت
المشاكل التي منها العنوسة والعزوبة).
وهناك اسباب اخرى كثيرة هدمت حياة الشباب وجعلتهم في مواجهة اعتى
المشكلات دونما حل او مساعدة، اذ وجدوا انفسهم يغوصون في مستنقع
البطالة والفقر والمرض، دونما اهتمام او حلول، الامر الذي ضاعف من
مشكلاتهم، لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الجانب: (بالإضافة إلى
المشاكل الأخرى التي غطت حياة الشباب، من البطالة والفقر والمرض
والتسيّب والقلق وغير ذلك.. ممّا لم يفرق في ذلك شرقاً عن غرب ..
وغرباً عن شرق .. ومسلماً عن غير مسلم .. وبنين عن بنات.. فالكل فيه
سواء).
ولم يكتف الامام الشيرازي بتأشير المشكلات وعرضها، ولم يكن بعيدا عن
وضع الحلول المناسبة، والمعالجات المطلوبة، وهي في مجملها تقع على عاتق
الاباء، وكبار القوم وقادته السياسيين وسواهم من النخب الاخرى.
لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا بوضوح في كتابه نفسه: (من الضروري
على العقلاء من العلماء وغيرهم أن يهتموا بمسألة الشباب ومشاكلهم
فيأخذوا بالشباب في تنظيمات صحيحة حتى لا ينخرطوا في أحزاب الغرب
والشرق أو جماعات الفساد، فإن الشباب بطيبة أنفسهم وعدم تجاربهم لمناهج
الحياة سهل الانقياد.. وخصوصاً أن طموح الشاب المتزايد وشهواته العارمة
يوجبان له الاندفاع في كل اتجاه يتصوّر أنه يؤمِّن له هذين الأمرين). |