أولويات ما بعد الانتخاب؟

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: انتهت قبل ايام دورة انتخابية اخرى لاختيار اعضاء مجالس المحافظات، وسوف تتكون حكومات محلية تدير شؤون المحافظات في البلد، فما هو المطلوب منها استنادا الى الدستور والدين والعرف والاخلاق؟

لا شك ان العراق يحاول حاليا أن يجتاز مرحلة صعبة جدا في تاريخه، بعد أن أثخن بالجراح بسبب الحكومات الدكتاتورية التسلطية التي تعاقبت على حكمه، حيث الحروب والحصار والجوع والتعذيب والانتهاك وكلنا على اطلاع بالويلات التي عانى منها شعب العراق، وبعد التغيير الجوهري في البنى السياسية والاقتصادية والحقوقية وسواها، اي بعد نيسان 2003، توقع العراقيون وغيرهم، أن الزمن الآن اصبح زمن المواطن والوطن، زمن الحقوق والحريات، زمن الرفاهية والتطور.

لكن الذي حدث في السنوات العشر الماضية يدل على عدم حصول المواطن او الشعب العراقي على استحقاقه المشروع، كي يعيش بكرامة ويتم تعويضه عن العقود بل القرون العجاف التي تعاقبت عليه، وهكذا يرى المراقبون ان العراق يمر في مرحلة حرجة جدا وعلى الحكومات المحلية الجديدة ان تعي وضع العراق وأزماته الخطيرة لكي تسهم بقدر المستطاع في معالجتها.

العراق الجريح

وهكذا فإن العراق بلد لا يزال يعاني من كدمات الماضي وآلامه وجروحه، وعلى الجميع لاسيما من يتصدى لقيادته أن يعي جسامة المرحلة الراهنة. يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، حول الوضع الذي يعيشه العراق: (إن العراق الجريح يمرّ بفترة صعبة، وفي نفس الوقت مصيريّة، قد يتحدد على ضوئها مستقبله لفترة طويلة، وإنّ أي تفريط في الحقوق في هذه الفترة سيكون له نتائج مؤلمة على الأجيال القادمة ـ لا سمح الله ـ. فينبغي للجميع، تحملّ المسؤولية الشرعيّة والتاريخية الملقاة على عواتقهم).

ولابد من القول أن الناخب ادى دوره في هذه الانتخابات، على الرغم من الصدمات الكثيرة التي تلقاها من قادته السابقين، بخصوص التقصير في الخدمات ومعالجة المشكلات اليومية للمواطن، ولكن شارك الناخب العراقي بنسبة لا بأس بها، ونجحت الانتخابات الجديدة، وصعد الى الحكومات المحلية اعضاء جدد، ودماء جديدة، الامر الذي يترتب عليه مسؤوليات جدية طالما ان هذه الحكومات منتخبة من الشعب.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إن الحكومة يجب أن تتوفر فيها عدة مقومات حتى تكون مرضية منها: أن يختارها الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن الضغوط الأجنبية). وطالما أن الاقتراع هو الذي اوصل اعضاء الحكومات المحلية الجديدة الى مناصبهم، فإن المسؤولية باتت واضحة جدا، ازاء المواطن، أما بشأن العلاقات وصنع القرار، فإن المنهج الاستشاري يجب أن يكون مسارا لتحقيق جودة العمل والانسجام بين الجميع خدمة للمواطن الذي ينتظر التغيير نحو الافضل، بعد أن عانى طويلا وانتظر كثيرا، كي تتحقق له الرفاهية في بلده الغني، وهذا يتحقق من خلال العمل الحيوي للحكومة الاستشارية.

لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: أن (الحكم في الإسلام لا جمهوري ولا ملكي، بالمعنى المصطلح لهما في قاموس عالم الغرب اليوم، بل استشاري).

بين الدكتاتورية والتعددية

لقد مضى عصر القمع وتم الاطاحة بالحكومات الدكتاتورية، وفي العراق مضت عشر سنوات على زوال اعتى نظام فردي تسلطي، لذا مطلوب أن نصل الى حكومة تعددية وحاكم نزيه، يمتلك الضمير الحي ويخشى الله تعالى، لكي يعمل بصدق لمراعاة الشعب المتعطش للتعويض.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول الحاكم: إن (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط, ورضي به أكثر الناس صار حاكماً). ويؤكد سماحته اهمية جوهر ما يتحقق للناس وليس الشكل او الاقوال المجردة والوعود التي لا يتم تنفيذها، إذ يقول سماحته: (كل حكم لا ينتهي إلى الله فهو غير مشروع وغير إسلامي وإن كان صادراً عن دولة تسمّى إسلامية؛ لأن المهم الواقع وليس الظاهر).

والواقع يشير الى أن الحكومة التي يمكن لها النجاح في تحقيق اهداف المواطن المشروعة، لابد أن تكون منسجمة، ولا يتعارض اعضاؤها في الافكار والرؤى والاهداف، حتى لا يتم تعويق العمل الذي يصب في صالح الشعب، خاصة اننا لم نعد نقبل بالنظام الدكتاتوري، لذلك يحتاج العراق كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (الى التعددية لا الدكتاتورية، فبقدر ما تجرع العراق آلام الدكتاتورية هو بحاجة اليوم الى التعددية).

وهكذا تقع مسؤوليات كبيرة على الحكومات المحلية الجديدة، لكي يتم تعويض الشعب العراقي عن الويلات والآلام التي عانى منها طويلا، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (يقاسي الشعب العراقي المظلوم في داخل العراق أشد المآسي، وخاصة في ظروف الحرب، فيتعين على كل واحد منا، وبقدر طاقته ان يعين هؤلاء بما يتمكن). ويطالب سماحته من الاحزاب والقادة والمنظمات أن تعمل ما في وسعها لخدمة هذا الشعب الذي يستحق العيش بكرامة، كما تستحقها وتعيشها الشعوب الاخرى.

لذا يقول سماحته في هذا الصدد: (على الاحزاب والمنظمات الاصيلة التي تتصدى لمشاريع وبرامج تهم العراق حاضرا ومستقبلا، انت تعمل، وكما هو متوقع منها، على لملمة اطراف هذا الشعب، الذي قاسى من الآلام والمآسي ما قاسى، عبر التركيز على الايجابيات ونبذ السلبيات، تحت اي اسم او شعار، وان ينهوا الصراعات الشخصية، فإن العراق في عصر جديد واية سلبية اليوم لا تتناسب وتطلعات الشعب الصابر الابي). ويضيف سماحته قائلا: (يجب علينا ان نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإن مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة الى جهود كبيرة وكثيرة، فكل انسان ممكن أن يكون شمعة في هذا المجال، وكل كلمة لها قيمتها وكل عمل).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/نيسان/2013 - 14/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م