لا شيء مجاني... الترفيه وصناعته

اعداد: حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: في تقليد جديد، على الاقل لدي، اخذت الجزيرة الرياضية بارسال رسائل تذكير الى المشتركين في احدى شبكات الاتصال العراقية حول مباريات الفرق الاوربية التي وصلت الى ربع النهائي في دوري الابطال.

وفي نفس السياق، رياضة كرة القدم تحديدا، استطاعت الجزيرة الحصول على نقل مباريات الدوري الانكليزي للسنوات القادمة، وتفوقت على قنوات ابو ظبي الرياضية التي كانت السباقة في احتكار بث المباريات.

وليس بعيدا عن الكرة، البرامج التلفزيونية المتنوعة وخاصة منها برامج التوك شو، او المسابقات او المنوعات الغنائية، قد دخلت في تحالف محموم مع شبكات الاتصال المتعددة، طمعا بما في جيوبهم او ما في ارصدتهم الخلوية مسبقة الدفع.. هذه الانشطة وغيرها هي مايعرف بصناعة الترفيه.

والترفيه كما تعرفه موسوعة ويكيبيديا الالكترونية هو: أي نشاط يقوم بتوفير تسلية أو يسمح للأشخاص بلهو أنفسهم في أوقات الفراغ.

وعادة ما تكون التسلية كما هو الحال في مشاهدة الأوبرا أو السينما. والأنشطة التي تنطوي على المشاركة في الألعاب أو الرياضة تعتبر في أكثر الأحيان ترفيه. وتعتبر الأنشطة مثل القراءة الشخصية أو التمرين على عزف الآلات الموسيقية من الهوايات. وتسمى الصناعة التي تقوم بتوفير الترفيه بصناعة الترفيه. وهناك العديد من أشكال الترفيه، التي ترضي الأذواق الخاصة. فعلى سبيل المثال، هناك السينما، المسرح، الرياضة، الألعاب، الرقص الاجتماعي التي ترضي فئات مختلفة من الناس.

هناك العديد من الأنشطة التي يجدها الناس ترفيهية، ومع ذلك فالأنشطة التي قد يجدها شخص ترفيهية، قد لا تكون ترفيهية لشخص آخر. ومن أنواع الأشياء التي يجدها بعض الناس ترفيهية ما يلي:

الرسوم المتحركة - السينما والمسرح - الرقص والموسيقى – القراءة – الألعاب - لعب البنجو- حفل موسيقي – محاضرة – السحر – الرياضة – الإعلام - عمل مسرحي ساخر – التلفزيون – الراديو..

هذه الصناعة هي التي تتسيد الساحة العالمية الان، وهي حسب تعبير مايكل وولف في كتابه عن اقتصاد الترفيه (ليست صناعة السيارات، ولا الصلب، ولا الخدمات البنكية، بل الترفيه هو من يقود عجلة الاقتصاد في العالم)..

يؤكد مؤلف الكتاب أن عنصر الترفيه يتحكم في كل اختيارات الناس؛ من المراكز التجارية التي يتبضعون منها، ومطاعم الوجبات السريعة التي يتناولون فيها غداءهم، ونوع ملابس النوم التي يشترونها لأطفالهم، وخطوط الطيران التي يقررون السفر خلالها.

عامل الترفيه، أو كما سماه (العامل إي) هو القاسم المشترك المؤثر بصورة مباشرة بين كل هذه الاختيارات، وهو ما يفسر أن حجم هذا الاقتصاد الاستهلاكي الكبير في الولايات المتحدة يبلغ 480 مليار دولار، متجاوزا الإنفاق على الملابس والرعاية الصحية. وهو يحتل المرتبة الأولى في الإنفاق الاستهلاكي العالمي تماما كما كانت صناعة الحواسيب تحتل هذه المكانة في العقد الماضي. ويتابع وولف أن «العامل إي» هو مفتاح النجاح للقطاع الخاص من خلال ربطه بكل المنتجات الاستهلاكية، وما عدا ذلك فلن تكون لهذه المنتجات فرصة لمغادرة رفوف المتاجر التجارية.

يعتبر الأوروبيون والأمريكيون -سادة الترفيه منذ أكثر من ثمانية عقود مضت- الأكثر إنفاقاً في هذا المجال. فالولايات المتحدة الأمريكية بمفردها تشغِّل أكثر من  ثلاثة ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية وتنفق 60 بليون دولار في هذه الصناعة. بينما ينفق المواطن الأمريكي ما يقرب من الـ 7 بلايين دولار في ألعاب الكمبيوتر سنوياً وتباع من أجهزة الألعاب ما يفوق 225 مليون جهاز .

أما عربياً، فيقدر حجم سوق الترفيه والتسلية بأكثر من 10 مليارات دولار في السنة، وهو رقم مرشح للتصاعد بحسب تقرير نشرته  برايسواتر هاوس كوبرز، إل إل بي  لعام 2006م. وفي تحليل لنفس المصدر شمل منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا جاءت التوقعات بأن يصل حجم العوائد السنوية من الترفيه والتسلية بحلول عام 2009م إلى 4.2 مليار يورو في هذه المناطق.

الألعاب الإلكترونية بدورها تشهد تطوراً مذهلاً وانتشاراً واسعاً في جميع أنحاء العالم، حيث تشير إحصاءات حجم السوق بالمنطقة العربية الى انها تقدر بأكثر من مليار دولار، كما تمثل نسبة مستخدمي الألعاب الإلكترونية ٦٣٪ من مجموع مستخدمي الإنترنت بالمملكة.

أن تكلفة إنتاج هذا النوع من الألعاب تقدر في المتوسط بملايين الدولارات في مقابل عوائد تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.

الإنترنت وتسويق  الإدمان

كشفت دراسة حديثة أن عدد مستخدمى الإنترنت في العالم بلغ عام 2006م أكثر من مليار شخص منهم %80 من الدول الصناعية. وتتصدر الولايات المتحدة قائمة البلدان الأكثر استخداماً للإنترنت وللحواسيب الشخصية في العالم بمعدل 459 حاسباً آلياً لكل ألف شخص مقابل 35 حاسباً لكل ألف شخص في أوروبا، في حين لا يزيد العدد على 10 حواسيب لكل ألف شخص في بقية دول العالم.  عربياً هناك 1.4 جهاز كمبيوتر لكل مائة مواطن كمعدل عام يشمل المنطقة العربية ككل وهو ما يمثل نحو خمس المعدل العالمى البالغ 7.7 .

ويقضي مستخدم الإنترنت في بلدان الشرق الأوسط 10 ساعات على الشبكة أسبوعياً. وتتمثل أهم الاستخدامات في حجرات الحوارات الحية أو  غرف الشات  (chat rooms)، أو ألعاب الإنترنت التي تماثل ألعاب الفيديو، أو نوادي النقاش أو المنتديات، أو عمليات البحث على الإنترنت...إلخ. وأصبح المواطن في هذه البلدان ينفق بسخاء في مجالات متعددة لاستخدامات الإنترنت بعد أن برز العديد من أساليب التسويق لتلك الاستخدامات بلغت معها علاقة المستخدم بالإنترنت درجة الرغبة التي لا تقاوم.

ورغم حداثة عهد ألعاب الفيديو في سوق التسلية إلا أنه من الواضح أنها في طريقها إلى احتلال المرتبة الأولى في صناعة الترفيه والتسلية كأكبر مصدر للعائدات المالية. فالعالم ينفق المليارات على ألعاب الفيديو سنوياً وأكثر مما ينفقه أحياناً على بطاقات السينما أو الأسطوانات الموسيقية. ويبقى السوق الأمريكي أكثر الأسواق إنفاقاً في مجال صناعة الترفيه والتسلية بصافي أرباح متأتية فقط من مبيعات ألعاب الفيديو بلغ 11 مليار دولار أمريكي عام 2004م، بالتساوي مع سوق أجهزة الهاتف الخلوية والأجهزة الرقمية الشخصية. وقد حققت صناعة السينما عائدات بلغت 9.27 مليار دولار، بينما جاءت الموسيقى والأغاني في المرتبة الأولى بعائدات وصلت إلى 12 مليار دولار سنة 2004م، في حين شهدت عائدات صناعة ألعاب الفيديو تفوقاً على كل من السينما والموسيقى منذ بداية عام 2005م، وأصبحت بالتالي المحرك الأساس لصناعة الترفيه والتسلية.

ولم تعد ألعاب الفيديو مجرد هواية أو تسلية فحسب، بل باتت مصدراً لهوية اجتماعية ونمط حياة. وقد تطور هذا النمط بصورة غير مسبوقة مع التسابق الحاصل بين كبريات الشركات على تطوير ألعابها وابتكارها على أجهزة أكس بوكس لمايكروسوفت،  وسوني بلاي ستيشن ، و  ننتيندو جيم كيوب  و  جيم بوي آدفانس  المحمولة أو على أجهزة الكمبيوتر المنزلية...إلخ، نظراً لتزايد الإقبال على هذه الصناعة.

فقد حطمت إحدى ألعاب شركة مايكروسوفت  Halo2  التي تعمل على جهاز إكس بوكس الرقم القياسي في العائدات المالية التي حققها أي مجال من صناعات التسلية في يوم واحد،  حيث بلغت العائدات المالية في اليوم الأول من إطلاق اللعبة 125 مليون دولار بعد أن تمكنت الشركة من بيع أكثر من 2.38 مليون نسخة خلال مدة لا تتجاوز 24 ساعة من إطلاق اللعبة رسمياً، محطمة بذلك العائدات المالية التي يمكن أن يحققها أي فِلم من أفلام هوليوود في تاريخ صناعة السينما .

ولتحقق صناعة التسلية مشروعيتها بعد أن اتهمت بالسلبية، سعى روَّاد هذه الصناعة إلى كسب الشرعية الأكاديمية من خلال تشجيعهم القائمين على البحث في هذا المجال. ففي معهد  ديجي بَنْ للتكنولوجيا  يُعدُّ تصميم ألعاب الفيديو أسلوب حياة.  ويقدِّم المعهد الذي تأسس عام 1988م شهادات البكالوريوس والماجستير في محاكاة ألعاب الفيديو، وكذلك شهادة البكالوريوس في تصميم الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد. كما أن الطلاب الأمريكيين مثلما يتعلمون كيفية تصميم الألعاب، فإنهم يتعلمون كيفية نقدها وتقييمها. فالجامعات من  أم أي تي  إلى  كارنيغي ميلون  تعلِّم الطلاب دراسة عالم الترفيه والتسلية، وتقدِّم مساقات تعالج أعمالاً مثل غزاة الفضاء، كما تتعامل مع أعمال شكسبير، وتطوِّر مناهج دراسية تشمل كل شيء من قيام الطالب بدراسة أساسيات تصميم الألعاب إلى الجنس أو النوع الاجتماعي وسياسات التمثيل السياسي في النظم الديمقراطية...، إلخ . ويفهم من هذا وجود توجه  علمي  يعتبر الألعاب وسيطاً حقيقياً يحظى بالشرعية. و  كلما تم استيعاب هذا الأمر زادت الحاجة لمناهج دراسية في مجال الألعاب . 

ولتمكين صناعة الترفيه والتسلية من مشروعية أكبر، خلص باحثون من جامعة  هارفارد  إلى وكالة الفضاء الأميركية  ناسا  إلى أن ألعاب الفيديو تقوم بكل شيء من بناء مهارات التركيز إلى التعجيل بشفاء مرضى الذبحة الصدرية. أما في جامعة  بانغور ، فقد قام الأساتذة باستخدام لعبة  بلاي ستيشن 2  لدراسة قدرة الطلاب على تطوير عمليات التركيز وتنظيمها.  وفي هذا الإطار قامت شركة  سايبر ليرننغ للتكنولوجيا  بتسويق وحدة تُلحق بجهاز بلاي ستيشن، بناء على دراسات أجريت في ناسا، موجهة للاعبين الذين يريدون تطوير مهاراتهم ومداركهم العقلية .

تشير الأرقام والدراسات المهولة للإنفاق العالمي على صناعة الترفية إلى بلوغه نحو 47 مليار دولار أميركي هذا فقط في تصنيع برامج الترفيه والأفلام والكارتون وهي أحد فروع الترفيه الكثيرة ناهيك عن مشاربها الأخرى. في المقابل نجد الإنفاق على مشروعات الترفيه جميعها في الدول العربية مجتمعه لا تتعدى 10 مليارات دولار فقط في العام 2002 نظير أكثر من 25 مليار دولار سنويا هي الأموال التي ينفقها السياح العرب في المنشآت الترفيهية الغربية! والرواتب التي يحصل عليها العاملون في قطاع الترفيه الأميركي تجاوزت 40 مليار دولار في منطقة لا يزيد عدد سكانها عن سكان العالم العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/نيسان/2013 - 13/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م