الأدب والواقع

سمير مومني

ليس انتشاءا نرجسيا أن نتحدث في هذا المقال عن موضوع علاقة الأدب بالواقع على أساس أنه موضوع جديد بل هو نوع من إعادة حفر في هذه العلاقة.

 إن محاولة الحديث عن ارتباط الأدب بالواقع مهما اختلف شكل هذه الارتباطات ليس لجوءا عاطفيا وليس كسر لطوق الوصايا النقدية بل هو ظاهرة نقد أدبية حديثة بل لها تاريخ عميق ضاربة في جذور الحضارة اليونانية فرغم تموقف أفلاطون من الشعراء وطردهم من المدينة الفاضلة إلا انه كان يجد في الأدب الوسيلة التي يسعى إليها والوظيفة التربوية والتهذيبية التي يقوم بها. غير أن رؤيته الانكسارية حول ما للأدب من جوانب باطنية وشعورية لدى الإنسان أظهره وكأنه بعيد عن الواقع وقضاياه.

وفي خضم التحولات والثورات التي عرفتها المجتمعات ما بعد اليونانية سواء ثورات سياسية أو صناعية أو ثقافية أو مجتمعية سيكون مؤكدا على الأدب أن يربط صلة وصل جديدة مع الواقع برصد ا أحداثه ووقائعه وتناقضاته حيث أصبح التنوع الواقعي يشكل موضوعا تستدرج الأدباء والكتاب في منجزهم الإبداعي.

 هذه الثورة الأدبية ستؤدي إلى ظهور اتجاهات نقدية عقدت تصالحا مع الواقع بالانتماء إليه ساعية إلى التنقيب في علاقة الأدب به وما يحكم هذه العلاقة أو ينتج عنها من تأثير في الواقع، لكن افتقارها إلى مكنزمات نظرية ومرجعية موحدة منعها من تشكيل مدرسة واحدة تجمع روابط فكرية وإبداعية وينسجمون وفق ضوابط منهجية بل إن ذلك كان سببا في بروز هذه التيارات التي ستسمى في ما بعد بالمدارس الواقعية.

يعتبر البعض الواقع هو ما انطبع في ذهن الأديب وعكسته رؤيته بحيث يشتمل على معطيات الوجدان والحس وعلى تصورات يبنيها الفرد وفقا لعلاقاته في المجتمع. بينما يرى الآخرون أن الواقع في الأدب هو الواقع الاجتماعي رغم اختلاف تناقضاتها وتباينت مصالحها وما لذلك من أثر على النظرة إلى الإبداع وعلاقته بما يوجد في الواقع، حيث يقوم البعض بتصوير الواقع بشكل يكاد يكون مضاعفا له وتكرارا، أو يتخذ منه موقفا أو يقوم برد فعل على ما أثر فيه منسجما في ذلك مع مشاعره الذاتية فقط.

في حين يرى آخرون أن الواقع في الأدب يتجسد في الذات الشعورية تارة والذات اللاشعورية تارة أخرى واللاشعور الجمعي تارة ثالثة أو هو هذه الذات ذات الأديب في تجربة ميتافيزيقية عاشتها.

 وخلافا لما تراه التيارات النقدية من أن الأدب يرتبط بالواقع فيشتق منه مادته ويعبر عنه فيكشف عن أسراره وتناقضاته أو يتعالى عليه فينتج الزيف والأوهام فإن موقف النقاد المعاصرين تباينت في النظرة لهده العلاقة. فنازك الملائكة مثلا تعتبر الارتباط بالواقع حتمية كل أديب وموقفا يجبر عليه باعتبار الأدب ليس تفاحة مسحورة تنبث في الهواء.

 أما سلامة موسى فيرى أن قاعدة الأدب الوحيدة هي ارتباطه بالحياة الاجتماعية وعكسه إياها ومهمة الناقد هي دراسة الحياة من جميع وجوهها كما تتمثل في الأدب.

 ويذهب حسين مروة إلى أن العلاقة الصحيحة التي ينبغي أن تقوم بين الأدب والواقع هي العلاقة التفاعلية التي تؤمن بالتبادل الوظيفي بينهما والتي تحترم خصوصية كل طرف. وقد عبر محمد مندور عن ذلك حين قال: إن ما نسميه واقعا ليس إلا الصورة الذهنية التي لدينا عنه.

إن الأدب هو حياة للواقع على حد تعبير كامي لوراش بماذا يفيدنا الأدب إن لم يعلمنا كيف نحيا؟.

* مكناس  المغرب

 

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/نيسان/2013 - 13/جمادى الآخرة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م